في ليلة الخميس 21/ 4، فوجئنا بحملات مداهمة لمقاهي وسط البلد وغيرها، وبإلقاء القبض «العشوائي» علي مجموعة من الشباب منهم؛سياسيون، وفنانون، ومن ليس له في «الطور ولا الطحين»

قلت لكم مرارا إن الطوابير التي تمر.. في استعراض عيد الفطر والجلاء (فتهتف النساء في النوافذ انبهارا) لاتصنع انتصارا»، هذا ماكتبه الشاعر أمل دنقل في ديوانه : «تعليقا علي ماحدث»، ولأننا نحتفل هذه الأيام بذكراه تقافزت علي الفور إلي ذهني، كمفتتح لتعليقي علي ماحدث خلال الأيام الماضية. كنت قد كتبت الأسبوع الماضي عن»الخطاب الأصولي للجزيرتين، وأرجأت في خضم المناقشات والملاسنات، التي وصلت إلي حد التخوين المتبادل بين المصريين!ماأكد عليه رئيس الجمهورية من أنه يري أن الغضب الشعبي لدي قطاع -ليس هينا -من المواطنين علامة صحية تعكس مدي تمسك المصريين بأرضهم.مرت مظاهرات يوم 15/4بسلام، وأشاد الإعلام بانضباط الشرطة في التعامل مع المتظاهرين. فقرر المتظاهرون معاودة التظاهر يوم 25أبريل( وهو حق مشروع طالما القضية محل التظاهر قائمة)، كان رئيس الجمهورية، في الخطاب نفسه، يحذر المصريين من أنهم أصبحوا لايصدقون شيئا، وهي ظاهرة حقيقية، من وجهة نظري، لكنها لاتُقبل علي علاتها، فمن المؤكد أن هناك أسبابا لايمكن تجاهلها في وصول المصريين لهذه الحالة من الشك الدائم؛ الحرب الإعلامية إحداها، تردي التعليم وعدم القدرة علي البحث عن المصادرالموثوق بها..إلخ. لكنها ليست كل شيء، وعلينا أن نتوقف قليلا لنضع الجرس في رقبة القط،كمايقولون. فقبل التظاهر بأيام أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا تقول فيه: «تبدي رئاسة الجمهورية استياءها البالغ إزاء ماتم نشره علي الموقع الإلكتروني لصحيفة الشروق مساء يوم الأربعاء 20 أبريل الجاري، والذي تضمن معلومات مضللة منسوبة لمصادر مجهولة حول عقد السيد الرئيس سلسلة لقاءات مع معاونيه وخاصة مسئولي الملف الأمني....إلخ.» في ليلة الخميس 21/ 4، فوجئنا بحملات مداهمة لمقاهي وسط البلد وغيرها، وبإلقاء القبض «العشوائي» علي مجموعة من الشباب منهم؛سياسيون، وفنانون، ومن ليس له في «الطور ولا الطحين» كمايقولون! تم الإفراج عن بعضهم في الليلة نفسها، بعد أن لفت بهم عربة الترحيلات، علي طريقة «التجريس»، التي كنا نراها في الأفلام القديمة بوضع المذنب علي الحمار بالمقلوب، واللف به في الحواري! وتبخر، بهذا، بيان الرئاسة في الهواء، فلم نعرف من قبل أن هناك «جريمة» في جلوس الشباب علي المقاهي! بل إن «الجريمة» هي أخذ العاطل بالباطل، ونفخ الهواء في الشرر باستعراضات القوة للداخلية، وكأننا لانريد أن نتعلم أبدا من دروس الماضي «القريب»! فلم نعرف من قبل أن تنظيمات إسقاط الأنظمة تمارس نشاطها وتناقش مخططاتها في المقاهي! في يوم التظاهر خرج الشباب لتأكيد تمسكهم بملكية مصر للجزيرتين، وخرج في المقابل مجموعة من المواطنين ليحتفلوا بأعياد تحرير سيناء، طورد المعارضون، وتم القبض علي من وقعت أيدي الأمن عليهم، واللف بهم في عربة الترحيلات، وإيداعهم الأقسام، بينما استمتع رافعو صورة الرئيس، ولافتات التأييد، وأعلام مصر و»السعودية»،بيوم مشمس لطيف، راقصين في الميدان، وزعت عليهم «الكانزات»، والوجبات، فتخاطفوها، في استخدام رخيص»لعوزهم» و»حرمانهم»، طالما استخدم من قبل في الدعايات الانتخابية، إضافة إلي «المواطنين الشرفاء»، المعروفة وجوههم والمعروف «تنكيلهم» بالمعارضين، لسنوات لم تزل مرارتها في الحلوق.لم يكن مشهد استعراض للقوة يتسق مع تأكيد رئيس الجمهورية وطنية المعارضين، أيا كانت هتافاتهم (طالما سلميون)، وإنما مع تخوينهم من قبل الأجهزة الأمنية، التي بدا كأنها في «واد» وتصريحات الرئاسة في «واد» آخر، بل في بلد آخر، لافي بلد لا تزال جذوة الثورة مشتعلة فيه تحت الرماد.في افتتاح الرئيس لمبني وزارة الداخلية الجديد، أبدي استياءه من القوة البشرية الضخمة لحماية المبني،وعدم ملائمتها للنظم الحديثة. وختاما وتعليقا علي ماحدث في «مهزلة» 25/4، فالقوة البشرية الضخمة بعتادها الحربي الاستعراضي «لايصنع انتصارا»، سواء كان للمباني الخائفة، أو للميادين الخائفة، فهما وجهان لعملة واحدة:»يقينا» لا «شكا» للأسف!