لا يجب أن نقلل من الحادثين. فحجم المعلومات المتاحة عن الأمرين يؤكد أن المسألة ليست تصرفات هواة

هذا عنوان قصة قصيرة طويلة لنجيب محفوظ ضمن إحدي مجموعاته القصصية. وفي قصة نجيب محفوظ نكتشف أن الحوادث المثيرة التي قرر الضابط المكلف التحقيق فيها والوصول للجاني. شكَّلت تحدياً للضابط في البداية. وأوشك أن يفشل في الوصول للجاني. لكنه استفاد كثيراً من صدفة اكتشافه للتشابه الشديد بين الحوادث. وتركزها في حي واحد.
سألت نفسي وأنا أري الحوادث الغريبة والمثيرة. يسلمنا الحادث لما بعده، لا المكان الذي تجري فيه الحوادث واحد. ولا تقع حتي في أماكن متقاربة، أيضاً فإن الفاعل مختلف بين كل حادث وآخر. والأمر قد لا يكون جنائياً وفيه دخل كبير للسياسة. وما أدراك ما السياسة.
إن ما يجوز أن يجري في قصة لنجيب محفوظ لا يجب القياس عليه مع الواقع. فالقصة فيها واقع. ولكنه واقع صنعه وأبدعه روائي. أما واقع الدنيا المترامية الأطراف. فمن الذي يمكنه حتي أن يحيط علماً بما يجري فيه.
الحوادث المثيرة والغريبة التي وقعت لمصر مؤخراً كثيرة، أكثر من الهم علي القلب. لن ألجأ لنظرية المؤامرة في التعامل معها. رغم أن نظرية المؤامرة يمكن أن تعفينا كثيراً من طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات. تعالوا نتكلم عن حادث سقوط الطائرة الروسية. من المعروف أن السياحة الروسية كانت هي المصدر السياحي الأساسي - إن لم يكن الوحيد - للسياحة في مصر. الأسباب كثيرة ومتداخلة ومتنوعة. والنتيجة الجوهرية أنها كانت السياحة التي لا سياحة غيرها التي تصل إلي مصر في زمن الخنقة السياحية التي ألمت بمصر مؤخراً.
إلي أن سقطت أو أُسقِطت الطائرة الروسية. ورغم إنكار السلطات المصرية - الذي طال أكثر مما ينبغي - أن الحادث مدبر وجنائي. إلا أن نفس السلطات عادت مؤخراً لتقول بالفرضية الجنائية في سقوط الطائرة. بل وتحول الأمر إلي النائب العام ليأمر بإجراء تحقيق فيه. ومنذ تحويله لا حس ولا خبر. كأنه سقط في بئر لا قرار له.
بنفس المنطق يمكن القول إن إيطاليا كانت الشريك الأول لمصر في التعاون الاقتصادي والبترولي واكتشافات الغاز. بل أن مصر عندما فكَّرت أن يكون لها دور في الدراما الليبية. التي تشكل بُعداً استراتيجياً شديد الأهمية لمصر. لدرجة أن البعض يزعم أن الهدف من كل ما يجري في ليبيا هو مصر قبل أن يكون ليبيا نفسها. وعندما فكَّرت مصر في الشأن الليبي كان لا مفر من التنسيق مع الإيطاليين هناك.
في هذا الوقت بالذات جري خطف جوليو ريجيني وقتله ورميه في الطريق الصحراوي. صحيح في حالة القتيل الإيطالي أخطأ الإعلام المصري كثيراً. المُعبِّر عن واقع مرتبك. وقدم ما يمكن أن يستفيد منه الإيطاليون. وحوَّل القضية العادية إلي واحدة من أهم قضايا الرأي العام.
لا يجب أن نقلل من الحادثين. فحجم المعلومات المتاحة عن الأمرين يؤكد أن المسألة ليست تصرفات هواه. وأن ثمة حالة من الاحتراف تقف خلف الحادثين. بل ربما كانت أجهزة أمنية لدول. وليست أعمالا تقوم بها تنظيمات إرهابية أو جماعات متطرفة ولكنه يقف وراءها تنظيمات مخابراتية تنتمي لدول لديها إرث وميراث في مثل هذه العمليات. لذلك لن نضع أيادينا علي الحقائق قبل فترة من الوقت. قد تطول وقد تقصر.
وليت الأمور توقفت عند هذا الذي جري. شهدت الأيام الأخيرة حوادث مثيرة وغريبة جديدة. قُتِل شاب مصري في لندن بعد حرقه وإحداث إصابات بالغة ناتجة عن تعذيبه. ثم قُتِل شاب مصري آخر في أمريكا وجدوه في القمامة. وخُطِفَ رجل أعمال سعودي أثناء عودته من مصنعه وكان في طريقه إلي مطار القاهرة الدولي، للسفر إلي بلاده. هاجمته مجموعة وأجبرته علي إيقاف السيارة. ثم خطفته ومعه سائق السيارة الذي كان يستقلها.
خرج مدير الأمن ليعلن أن الحادث جنائي. ولا تعرف كيف عرف هذا دون العثور علي رجل الأعمال. ثم عاد ليقرر أنه سيلقي القبض علي الجناة قبل انتهاء يوم الاختفاء. وطبعاً لم يتمكن مدير الأمن من تنفيذ ما قاله. ومرت الأيام وكرت الليالي ويبدو أن المسئولين عن الأمن يراهنون علي النسيان. مع أنه نسيان مستحيل.
وقبل أن نفيق من حادث اختطاف رجل الأعمال السعودي. فوجئنا بقتل عدد من المصريين المهاجرين غير الشرعيين. بدأ عدد القتلي بثمانية، ثم واصل ارتفاعه ليستقر عند 16 وقفز إلي ثلاثين. وعرفنا أن القتلي كانوا من المهاجرين غير الشرعيين. وأنه حدث خلاف بينهم وبين العصابة التي كان من المفترض أن تسهل تهريبهم وإيصالهم إلي الشاطئ الأوروبي فقتلوهم.
الأمر أخطر من القول بأننا نتعرض لمؤامرة كبري.