الدراسة ترى فى بنود اتفاقية كامب ديفيد إجحافاً شديداً لمصر، وأن الأوان آن لها كى تطالب بتعديل الاتفاقية بعد كل التطورات والمتغيرات التى مرت بها المنطقة، فقد بات التعديل حتمياً
يتجدد الحديث عن اتفاقات السلام مع إسرائيل خاصة اتفاقية كامب ديفيد بمناسبة ذكرى تحرير سيناء التى حلت قبل أيام. فمايزال الجدل دائراً حتى بعد مرور كل تلك السنوات حول تقييم هذه الاتفاقية وما إذا كانت وبالاً على مصر والأمة العربية، وشكلت قيداً على السيادة المصرية على سيناء المحررة، أم أنها كانت فاتحة خير اقتصادى على مصر كما وعد الرئيس الراحل أنور السادات. المناسبة فرضت نفسها هذا العام ربما قبل موعدها قليلاً بسبب الجدل الذى دار حول جزيرتى تيران وصنافير.
بالمصادفة وقع تحت يدى كتاب مهم كانت مؤلفته الباحثة المجتهدة فاتن عوض قد أهدتنى إياه وهو أول دراسة أكاديمية عن اتفاقية السلام مع إسرائيل للحصول على درجة الماجستير. الكتاب عنوانه «السادات - 35 عاماً على كامب ديفيد». وقد لفت نظرى أن النسخة التى طالعتها كانت الطبعة الثانية من الكتاب بما يؤكد مدى إقبال القارئ المصرى ولهفته على القراءة الجادة والعلمية لاسيما أن الباحثة جمعت لأول مرة نص الاتفاقات مع الوثائق السرية الملحقة بالاتفاقية، ولم تكتف بذلك بل قامت بترجمتها وتحليلها، فضلاً عن إدراجها للمكاتبات المتبادلة بين الرؤساء والبروتوكولات والملحق العسكرى الخاص بالاتفاقية، يعنى مرجع وافٍ متكامل لمن يريد أن يقرأ ويعرف.
خلاصة الدراسة التى تتسم بالجرأة والتى كونت رأى الباحثة هى أنها ترى فى بنود اتفاقية كامب ديفيد إجحافاً شديداً لمصر، وأنه آن الأوان لها أن تطالب بتعديل الاتفاقية بعد كل التطورات والمتغيرات التى مرت بها المنطقة، وأن التعديل بات حتمياً بحيث يتيح تحرر مصر من شروط موافقة إسرائيل والولايات المتحدة خاصة مع انتشار الإرهاب فى سيناء الذى كانت الاتفاقية سبباً فى تجذره فى شبه الجزيرة المصرية. ولذلك حددت فاتن عوض مطالبها لتعديل المعاهدة فى عدة نقاط على النحو التالى: أولا: تعديل البروتوكول الخاص بترتيبات الأمن والملحق العسكرى بشأن سيناء وبخاصة أعداد القوات وانتشارها وتسليحها وضمان أمنها ونظام الطيران وعمليات الاستطلاع الجوى للولايات المتحدة فى سيناء وإعادة النظر فى طبيعة عمل قوات الطوارئ وتكوينها. ثانيا: إعادة صياغة المادة الثالثة بما لا يدع مجالاً للتذرع وافتعال الأزمات وإعطاء الفرصة لإسرائيل لاتهام مصر بخرق المعاهدة وتعريضها للعقاب الأمريكى وفقاً للوثائق السرية. ثالثا: تعديل البند الرابع فى المادة السادسة الذى يعطى لإسرائيل حق الفيتو على علاقات مصر الخارجية ويجعلها رهنا لنص المادة « يتعهد الطرفان بعدم الدخول فى أى التزام يتعارض مع هذه المعاهدة». كما تطالب الباحثة بتفعيل المادة الثامنة الخاصة بالتعويضات والمطالبات المالية. وبإلغاء الوثائق السرية لكامب ديفيد لاسيما معاهدة السلام الموقعة بين السادات وبيجين وكارتر وبخاصة التعهد بعدم اشتراك مصر فى أى حرب تنشب بين إسرائيل ودولة عربية أو أكثر، مع إعادة تقييم العلاقات المصرية الإسرائيلية ووثائق التطبيع بما يتفق مع المصالح الوطنية العليا.
الباحثة ترى أن إسرائيل نفسها قامت بخرق الاتفاقية حينما لعبت دوراً فى بناء سد النهضة الإثيوبى الذى يهدد الأمن المائى المصرى، وبناء على ذلك اقترحت مقاضاة إسرائيل ورفع دعوى ضدها فى مجلس الأمن واتهامها بخرق المعاهدة والمطالبة بانسحابها من مشروع سد النهضة بحيث يمكن للجانب المصرى التفاوض مع إثيوبيا بشكل متكافئ.
بصرف النظر عن أن مجلس الأمن ليس الجهة المخولة برفع الدعاوى القضائية أمامها، وبصرف النظر عن ضعف تأثير انسحاب إسرائيل الآن من المعاونة فى سد النهضة مع اقتراب الانتهاء من مراحله النهائية مع صعوبة إثبات هذا الدور، إلا أنه من الضرورى إدراك أن الدولة العبرية اتخذت بعض الخطوات الودية التى تتعارض مع نصوص الاتفاقية مثل سماحها لمصر بزيادة أعداد قواتها وتطوير نوعية الأسلحة المسموح بدخولها إلى سيناء بحجة المساعدة فى مكافحة الإرهاب فقط لكى تتجنب لجوء مصر للمطالبة بتعديل نصوص الاتفاقية رسمياً.