آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

الانتقام من التاريخ !

آمال عثمان

الجمعة، 17 سبتمبر 2021 - 06:59 م

من يعرف د.سحر سليم، أستاذ الأشعة بطب قصر العيني، يدرك مدى عشقها للحضارة والتاريخ، وهو ما جعلها من العلماء القلائل المتخصصين فى الأشعة على الآثار بالعالم، وعشقها لا يتوقف عند الحضارة الفرعونية، لكنه ممتد لكل العصور التاريخية.
 لذا اتصلت بى الصديقة العزيزة، لتبلغنى بالتعديات التى تجرى على «قصر الدوبارة»، الملاصق لمسكنها فى جاردن سيتي، وأرسلت لى مجموعة صور تظهر عمليات الطلاء والدهانات، وتركيب أرضيات تشوه الأثر التاريخي، وبدت فى الصور الإنشاءات المدرسية التى شوهت الطراز المعمارى للقصر، وقد أصابنى ذلك بدهشة، ليس فقط لما يحدث من تدمير لأثر تاريخى فى غياب وزارة الآثار، وإنما لعلمى بأن «قصر الدوبارة» هدم فى عهد الملك فاروق، لتوسيع كوبرى قصر النيل، وأقيمت كنيسة الدوبارة على أطلاله، وبيعت المساحة الكلية على أجزاء، وأنشئت عليها مبانٍ عديدة. 
والقصر الذى ضمت جدرانه صفحات من تاريخ مصر السياسى والاجتماعى والوطني، أقامه الأمير الشاب إبراهيم إلهامى بجاردن سيتي، وصممه المعمارى الإيطالى أنتونيو لاشياك، لكنه توفى وعمره 24 عاماً، وانتقلت ملكية القصر لأرملته الأميرة منيرة، ابنة السلطان العثمانى عبد المجيد الأول، ولابنته الأميرة أمينة هانم إلهامي، ولم تكن تجاوزت العامين آنذاك، وظل القصر الذى كان يستقبل جلسات نساء الأسرة العلوية شاغرًا، حتى عادت الأميرة أمينة من إسطنبول بعد إتمام تعليمها، ليقع اختيار الخديو إسماعيل عليها، لتزويجها ابنه الأمير توفيق، قبل أن يصبح حاكمًا لمصر، وجرى حفل زواجهما ضمن حفل زواج أبنائه الجماعي، الذى استمر 40 ليلة، فيما عُرف بـأفراح الأنجال.
وأقامت الأميرة فى قصرها، وأنجبت عباس حلمى الثاني، الذى عزله الإنجليز عن حكم مصر عام 1914، وكانت تعرف بلقب أم المحسنين، لأنها أوقفت حياتها على العمل الخيري، وكفالة المساكين والمرضى فى الجمعيات الخيرية، وتم نقش هذا الاسم على قبرها، لكن القصر صار مقرًا للمندوب السامى البريطاني، وسكنه اللورد كرومر لمدة 23 عامًا، شهد خلالها احتجاجات ضد الاحتلال البريطاني، وتوارى اسمه من ذاكرة المصريين الرافضين للاحتلال، ليحمل اسمًا ساخرًا هو قصر الدوبارة، تعبيرًا عن تسلط الإنجليز على الحاكم الذى بدا كدمية فى أيديهم!!
وبعيدًا عن اسم القصر وصاحبه، فهو أحد القصور التاريخية ذات الطابع المعمارى والجمالي، والتى طغى عليها الإهمال والقبح، بعد أن تحولت لمدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم، برغم أهميتها التاريخية والأثرية!! والسؤال هل تمت تلك العمليات بعلم وزارة السياحة والآثار أم فى غيبة منها؟! لقد دقت د. سحر ناقوس التحذير لعله يجد صدى لدى المسئولين، لإيقاف ذلك العبث بهيئته الأثرية وقيمته التاريخية، فمهما كانت كراهيتنا لفترات أو شخصيات تاريخية، فذلك لا يعطينا الحق فى تشويه تراثنا المعمارى والحضارى انتقامًا من ذلك التاريخ!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة