أنجيلا ميركل
حكمت ألمانيا وقادت أوروبا 16 عاما
ميركل.. زعيمة واحدة تكفى
السبت، 18 سبتمبر 2021 - 02:53 م
دينا توفيق
زعيمة قوية ودبلوماسية ناجحة.. صانعة للقرارات السياسية وسط الصقور.. قادرة على خلق الاستمرارية والتحالفات، عبرت أزمات كبرى وأحداث كان لها تأثيرها العميق فى المجتمع الأوروبى بأسره وليس ألمانيا وحدها.. أحداث الآن هى جزء من تاريخ القارة العجوز.. تركت بصمتها فى السياسة الخارجية حتى نما دور بلادها فى العالم بشكل ملحوظ.. واجهت التحديات العالمية وكانت امرأة فولاذية، صمدت وأبرزت صلابتها فى معاركها السياسية التى خاضتها وباتت وجهًا للقيادة الأوروبية، هى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الذى يمثل تقاعدها فى 26 سبتمبر الجارى نقطة تحول سياسية واقتصادية لأوروبا بأكملها.
على مدار16 عامًا كانت ميركل صديقة موثوقة بها للعديد من رؤساء الولايات المتحدة وعلى رأسهم جورج بوش وباراك أوباما، لكنها الآن على وشك تسليم مفاتيح القوة الاقتصادية والسياسية لواحدة من أهم دول العالم وللقارة العجوز. عاش الألمان استقرارًا تحت زعامتها والآن لا يريدون أن ينزعجوا مع تقاعدها.. يشير الناخبون إلى أنهم يريدون التمسك بـاالميركليب، أى اتباع سياسة المستشارة الألمانية والقواعد التى أرستها منذ توليها إدارة البلاد عام 2005، كأول امرأة فى تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، فإن الوعد الذى يريدونه من المستشار التالى هو أن تستمر الحياة كما كانت فى عهد ميركل.
هناك مزيج من الأمل والخوف ينتاب أوروبا، مع تولى زعيم جديد قيادة البلاد، وسط ما يشهده العالم من اضطرابات؛ وفى ظل انتشار جائحة كورونا واستيلاء حركة طالبان على أفغانستان، وغرق حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى الفوضى.. فلم تكن ميركل شخصية سياسية بارزة فى ألمانيا فحسب، بل كانت أيضًا فى الاتحاد الأوروبي؛ منذ عام 2005، وخلال سنوات حكمها، أبحرت بألمانيا خلال الانهيار المالى العالمى عام 2008، أزمات اليورو، واليونان، والأحداث فى أوكرانيا، والحرب فى سوريا، وإرهاب داعش، وأزمة اللاجئين، وخروج بريطانيا من الاتحاد، وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وأزمة المناخ وغيرها من الأزمات التى جعلت من ألمانيا الداعم الأولى لكل البلدان الأوروبية.
ولكن سرعان ما رسّخت موطئ قدم لها؛ وكان لها بصمتها فى العالم، حيث حظيت ميركل باهتمام وسائل الإعلام العالمية؛ فى نوفمبر 2015، أطلقت عليها مجلة االإيكونوميستب البريطانية اسم االأوروبية التى لا غنى عنهاب. وبعد شهر من ذلك، اختارتها صحيفة افاينانشيال تايمزب البريطانية اشخصية العامب، ثم وصفتها مجلة اتايمب الأمريكية بـامستشارة العالم الحرب. وعندما تم انتخاب ترامب رئيسًا لأمريكا، أطلقت صحيفة انيويورك تايمزب عليها لقب االمدافع الأخير عن الغرب الليبراليب.
وعن إرث السياسة الخارجية لميركل، منذ بداية عهدها، قامت بصياغة نهج حكومتها للسياسة الخارجية بنفسها، بدلاً من ترك الأمر لوزير الخارجية. بصفتها مضيفة لقمة مجموعة الثماني، التى عقدت فى منتجع هيليجيندام عام 2007، وكانت تتعامل بثقة مع أهم رؤساء الدول والحكومات. كما أدى الدور المتنامى لألمانيا إلى اختلال توازن القوى مع فرنسا. وكانت ميركل ملتزمة صراحة بهذا الشريك الأقرب، حتى أن وسائل الإعلام اخترعت مصطلح اميركوزيب بسبب تعاونها الجيد مع الرئيس آنذاك نيكولا ساركوزي.
وخلال خطابها الأخير أمام البرلمان الألمانى فى يونيو الماضي، دعت إلى وحدة الاتحاد الأوروبى والتنسيق فى مواجهة التهديدات والتحديات الخارجية، مثل العلاقات مع الصين وروسيا وتركيا. ومع موسكو، دعت إلى دور مستقل عن دور الولايات المتحدة فى التعامل مع الاستفزازات. ومن ناحية أخرى، أعربت عن رغبتها فى مواصلة المحادثات مع أنقرة حول قضايا الهجرة، رغم أنها أشارت أيضًا إلى االخلافات الخطيرةب، لاسيما فى مجال حماية حقوق الإنسان. كانت سياسات اللجوء، وهى إحدى أكثر الإجراءات المميزة لميركل، حاضرة أيضًا فى بيانها الأخير فى البرلمان الألمانى االبوندستاجب، وجددت المستشارة الألمانية التأكيد على ضرورة التعاون مع دول المنشأ والعبور.
وفتحت ألمانيا، بقيادة ميركل، حدودها أمام أكبر نزوح للاجئين منذ عام 1945 الأسباب إنسانيةب. وبين عامى 2015 و2016، وصل أكثر من مليون طالب لجوء إلى البلاد. وأعلنت ميركل فى الوقت الذى حثت فيه الشركاء الأوروبيين الآخرين على تطوير سياسات لجوء مشتركة، فإذا فشلت أوروبا فى قضية اللاجئين، فلن تكون أوروبا التى نريدها.
ولكن هذه الخطوة لم تكلفها انتقاداتها فى أوروبا فقط، خاصةً من دول مثل المجر وبولندا، لكنها واجهت أيضًا فصيلًا فى حزبها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي، حيث انضم بعض ناخبيه إلى صفوف حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، وهو حزب يمينى متطرف متشكك فى الاتحاد الأوروبى حصل على الدعم من خلال استغلال أزمة اللاجئين.
ويتنافس على خلافة المستشارة الألمانية، كل من زعيم الحزب الاشتراكى الديمقراطى اأولاف شولتسب، وخليفة ميركل فى رئاسة اأرمين لاشيتب، ويقدم كل منهما نفسه على أن وريثها السياسي، لكن من المرجح أن يكون على الفائز أن يرسم مسارًا مختلفًا عنها، بما فى ذلك التنقل فى ميزان القوى الشائك بين الولايات المتحدة والصين. وتعقيبًا على أداء ميركل تقول الباحثة السياسية والقانونية من معهد ابروكينجزب اكونستانز ستيلزينمولرب، إن أسلوب المستشارة الألمانية كان فى التدرج الحذر، ما جعل ألمانيا تجتاز عدة أزمات، لكن هذا الأسلوب يبدو غير ملائم للتحديات الحالية.. وترى الخبيرة الألمانية من صندوق مارشال اسودها ديفيد ويلبب، أن أسلوب ميركل كان متوازناً ناجحًا للوساطة فى النتائج فى المؤتمرات الأوروبية. قائلة إنه سيكون من الصعب على المستشار المقبل االسير فى الخط الذى تتبعه ميركلب، فى التحدث عن القيم الديمقراطية والالتزام بالولايات المتحدة، مع حماية آلة التصدير الألمانية.. وكانت ميركل فى البداية من المؤيدين المتحمسين لعلاقة وثيقة عبر الأطلسي. وبصفتها سياسية معارضة، فقد دافعت عن حرب العراق فى عهد بوش وخليفته أوباما كانت واشنطن تتجه بشكل كبير نحو آسيا وفى عهد أوباما، الذى وصف ميركل بأنها أهم شريك فى السياسة الخارجية له، تم الكشف عام 2013، عن قيام المخابرات الأمريكية بالتجسس على المستشارة لسنوات؛ ما أغضب ميركل.
ومن ناحية أخرى، تغير الوضع السياسى العالمي، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية فى عام 2014؛ وصوت البريطانيون فى استفتاء عام 2016 على مغادرة الاتحاد الأوروبي؛ وبعد ذلك بوقت قصير، أصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، بشعاره اأمريكا أولاًب. وكانت المستشارة الألمانية وترامب على خلاف بشأن إيران والتجارة وحلف الناتو والعديد من القضايا الأخرى. ولكن يبدو أن خلافاتهما أعمق وتبدو شخصية. وصرحت ميركل حينها بخيبة أمل عام 2017، معلنة عن انتهاء الأوقات التى يمكن فيها الاعتماد على الآخرين كحلفاء. وامتلكت ميركل قدرة غير عادية للحفاظ على تماسك أوروبا والغرب وإبقاء الأطراف المتصارعة فى حوار. وحاولت مرارًا أن تفعل ذلك بالضبط فى الصراع بين أوكرانيا وروسيا لكنها لم تنجح فى النهاية. ومع ذلك، تم إثبات هذه القدرة عندما تمسكت بمشروع الغاز الطبيعى الألمانى الروسى نورد ستريم 2، والذى عارضته الولايات المتحدة ودول شرق الاتحاد الأوروبي. ومع وصول الرئيس الأمريكى اجو بايدنب البيت الأبيض، سافرت ميركل إلى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق بشأن خط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي. وسمح بايدن بإكمال البنية التحتية مقابل دعم أوكرانيا. كما اتفق البلدان على إمكانية فرض عقوبات على روسيا إذا استخدمت الطاقة كسلاح سياسى للضغط على أوروبا. كان هذا الاجتماع أيضًا آخر زيارة رسمية لميركل بصفتها المستشارة الألمانية. وبعد سنوات ترامب، التى كانت علاقة ميركل بها متوترة وصعبة، أصبحت إدارة بايدن حليفًا كبيرًا لبرلين.
والآن وبعد 16 عامًا على رأس أمة وأحد القادة الرئيسيين فى أوروبا، ستتقاعد ميركل من السلطة فى سن 67، أنهت حياتها المهنية السياسية الطويلة، تاركة وراءها إجراءات عززت ألمانيا أولًا ثم أوروبا، وجعلتهما دولة وقارة أكثر اتحادًا وتوحيدًا وحرية.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة