إبراهيم ربيع
إبراهيم ربيع


يوميات الأخبار

أيها الناس.. احتفظوا بحميركم وبغالكم وجمالكم

إبراهيم ربيع

السبت، 18 سبتمبر 2021 - 06:40 م

 

فى وقت ما قادم سوف نتساوى جميعا فى طبيعة الحياة.. سنعود إلى الصحراء والوديان وقمم الجبال ونتبارى فى أسواق الشعر

أيها الناس.. احتفظوا بحميركم وبغالكم وخيولكم .. ولا تهملوا فى تعليم أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.. اعذرونى فى هذا النداء حيث تملكتنى فكرة العودة إلى البدايات بعد ساعات تأمل صاحبتها ساعات بحث وربط بين مظاهر حركة البشر والحجر.. لن نحتاج بعد زمن إلى أقمار صناعية ولا طائرات إف ٣٥ وسوخوى ٥٧ ولا غواصات ولا أسلحة نووية ولا إس ٤٠٠..


سوف تتوقف حركة التنقل بين الحضارات ولن تكون السينما العالمية مخطئة وهى تتنبأ بنهاية العالم الآن أو فى أى وقت.. سوف تغيب كل الحضارات مجتمعة.. وسوف ينتصر من تمرس على حياة الصحراء واحتفظ بسمات الفروسية والشجاعة وفنون القتال البدائية المباشرة وجها لوجه.. وأستأذنك ألا تتعجل الحكم على قناعاتي وترمينى بأوصاف العبط والهبل والهطل قبل أن أحكى لك القصة..


عزيزى المندهش.. لفت انتباهي خبر طريف عن الجيش الصينى الذى يدرب عشرة آلاف من الحمام الزاجل على توصيل رسائل بعيدة المدى لقوات تحارب فى مناطق مختلفة.. طبعا خبر عجيب فى زمن تعرف فيه الجيوش الكبيرة كل شيء أرضى وفضائى بوسائل الاتصال والاستطلاع الحديثة.. فلماذا تهتم الصين بهذه الوسيلة البدائية فى هذا الزمن.. وجاءت الإجابة أنهم يتحسبون لدمار محتمل للتكنولوجيا الحديثة لأية أسباب وأقربها الحرب السيبرانية التى يمكن أن تنزع عن العالم قدراته المهولة المعروفة الآن بإطلاق حرب إليكترونية عبر الإنترنت باستخدام طاقة كهرومغناطيسية تستهدف المجال الإلكتروني للعدو المربوط بالبنية التحتية..

لقد تخيلت مرة ظهور زعيم فاشى عنصرى مثل هتلر أو موسيلينى فى عصرنا هذا  قرر إطلاق حرب نووية تدمر الكرة الأرضية.. وقلت ربما لو ظهر سوف يساير طبيعة العصر وشعاراته المرتبطة بحقوق الإنسان فيبدى قدرا من الرقة فيقرر إطلاق حرب إلكترونية وهى أنظف لاشك من حرب نووية لا تبقى شيئا من البشر أو الحجر بعكس الحرب الإلكترونية التى ستدمر فقط إنتاج العقول الفذة وتعيد الدنيا إلى فطرتها الأولى..


ومن الطبيعى أن أبحث عن روابط أخرى لهذه الفكرة التى تملكتنى.. فذهبت فى اتجاه الدين ولم أجد صعوبة فى إيجاد الدليل.. يكفى سورة الإسراء التى أبلغت مباشرة أن اليهود سوف يفسدون فى الأرض مرتين وأوضحت لنا طبيعة المرة الأولى عندما أرسل الله إليهم جالوت وجنوده فهزموهم إلى أن أعاد لليهود الكرة عليهم.. لكن فى المرة الثانية لفسادهم تعددت التفسيرات عما لو كانت من الماضى وانتهت أم أنها مرتقبة وما زالت مستقبلية.. تركها القرآن مفتوحة مع رجاحة أنها تقصد المستقبل.. والمهم فيما نحن بصدده قول الله ''بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار''.. ومعروف طبعا معنى ''جاسوا'' أى دخلوا وتجولوا داخل المكان للبحث والملاحقة..


ومن فضل الله أن وفقنى أتذكر حديث رسولنا الكريم الذى فسر وأكمل معانى الآية.. قال صلى الله عليه وسلم ''لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود.. حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله''.. أى مواجهة مباشرة فى آخر الزمان وليس أوله.. هو السيف والرمح لا الطائرة ولا الصاروخ.. والنداء بالصوت البشرى لا بوسائل التتبع والرصد والاستطلاع.. وفى حديث آخر ''لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق فيخرج عليهم جيش من المدينة........ويستمر الحديث إلى القول فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون.. سيوف وليس شيء آخر.. وأكيد تتذكرون روايات الحرب مع الدجال بالسيوف وأن سيدنا عيسى سوف يقتله برمح..


لم يتبق لى إلا رأى العلم والعلماء وما أدراك بقيمة العلم الذى احترمته الأديان وجعلته نوعا من العبادة.. بينما عبده الملحدون اعتبروه جوهر قضية النشأة والوجود.. ويقول العلم والعلماء إن هناك احتمال نشوب عاصفة شمسية مدمرة سوف تزيل كل شيء فى طريقها من وسائل ومظاهر التكنولوجيا.. حيث ستتساقط الأقمار الصناعية وتعطب أجهزة الكمبيوتر وسنعود بسرعة البرق إلى العصور الوسطى.. وبتقدير العلماء حدث هذا عام ١٨٥٩ وكانت التكنولوجيا محدودة وتوقفت وقتها  خدمة التلغراف..


العاصفة تدمر الغلاف الغازى للأرض.. تخيل نحن الآن نشكو من ثقب الأوزون بينما مع العاصفة الشمسية لن يكون هناك أصلا الغلاف ولا أمازون ولا يحزنون..


إلى هذا الحد يمكن أن نصل إلى نسبة يقين مثلا ٧٠ % بأن العالم سيفقد حضاراته كلها إما بتحللها ذاتيا أو تصادمها المدمر مع بعضها البعض أو بنزع قدراتها الإبداعية وإنتاجها التكنولوجى فتصبح بلا أنياب ولا مخالب ولا حتى أى معرفة بما يجرى فى محيط كيلو متر واحد..

وعليها إذا أرادت أن تعرف ما يحدث لتواصل الحياة أن تبحث عن سفن الصحراء لا سفن الفضاء وعن الدواب وعن الملابس الفضفاضة التى تقى من الحر حيث ستكون وسائل التبريد ذكرى جميلة..


لم تعد العقوبة الشاملة المباشرة مرئية حاليا فيعاملنا الله معاملته لقوم عاد وثمود ولوط ونوح.. ربما لأننا أصبحنا نملك مقومات هلاكنا فلن نكون فى حاجة إلى ريح صرصر عاتية ولا إلى طير أبابيل لأننا ببساطة لدينا أسلحة الدمار الشامل تنتظر وحيا وأمرا باستخدامها لكن لا مانع أن نراها مستقبلا ونعود للعقوبات الإلهية المباشرة إذا تعذر على البشر الاتجاه إلى الهلاك الذاتى.


ياقوم


الخلاصة.. أننا فى وقت ما قادم سوف نتساوى جميعا فى طبيعة الحياة.. سنعود إلى الصحراء والوديان وقمم الجبال ونتبارى فى أسواق الشعر وندرب حناجرنا على الصوت الجهورى حتى نصرخ فى الناس عند التواصل مع الجموع لأمر جلل.. ''يا قوم''... يا أهل الفرنجة.. يا أهل بكين. يا أهل طوكيو.. يا أهل باريس.. يا أهل لوس أنجلوس.. يا أهل المحروسة.. لا يخرجن أحد من صومعته فإن يأجوج ومأجوج وراءكم خلف الجبال.. ورحمة الله على السامسونج والآى فون وتطبيقات التواصل التى تتحاور عن بعد.. 


سوف تتبدل أشكالنا وطبائعنا وربما تتبدل الأسماء فيظهر فينا أبو لهب وأبو جهل وأبو سفيان.. لن يستقيم مع هذه الحياة الأسماء الناعمة عصام وعلاء ودودى وميدو.. وطبعا سوف تبحث عن أشياء شغلتنا وجرت فى عروقنا وكانت هوانا وهويتنا.. ونتذكر أن أحدا حذرنا مرة فى الزمن الجميل من الذى اتخذ إلهه هواه.


والخلاصة أيضا أن ننتبه وندعو بعضنا البعض للتفكير والتدبر.. فإن كنت مهتما بمصيرك فى الوظيفة والزواج والأولاد فى الثانوية العامة ورصيدك الآمن فى البنك وهى طبعا أهداف مشروعة لأن العمل عبادة.. فعليك أن تعطى الأولوية لـ ''أم المصائر''.. مصيرك بعد الزوال.. يا له من رعب أن تسأل نفسك هل من العقل أن أعبث وأقامر بمصير أبدى لا يتغير.. هذا السؤال ضرورى بالذات للملحد والإرهابى ومعهما الظالم الباغى.. وأتعجب من هذا الثلاثى الذى ما زال فى عصر المعرفة لا يعرف ولو جزءا من الحقيقة.. بل أحيانا ما أضطر للضحك وأنا أسمع رجلا ملحدا يقول إنه استخدم عقله وامتلأ رأسه ثقافة بينما هو يسأل رجال الدين على شاشة التليفزيون مثلما كان ابنى يسألني وهو طفل صغير: هو ربنا فين يا بابا؟!!


انطباعات


> كثيرا ما تأتى الحكمة من البسطاء..

وكثيرا ما يمزج المصريون الأذكياء بين الحكمة والنكتة.. أحد الظرفاء على السوشيال ميديا اكتشف متأخرا أن بعض الناس ''تخاف متختشيش'' أو أنهم لا يعرفون حقيقة الأرض التى يقفون عليها..

يرون فى أنفسهم ما لا يراه الآخرون فيهم.. هؤلاء قال لهم المصرى الظريف: ''طالما البرص مشفش الشبشب هيفضل فاكر نفسه تمساح».


> هرب ستة أبطال فلسطينيين من سجن إسرائيلى عبر نفق حفروه بـ''ملعقة''..

هكذا تبقى ملعقة الضعيف المظلوم بإذن الله حفارا.
> السياسة شعارها المصلحة.. والاقتصاد شعاره الإنتاج.. والثقافة شعارها الوعى..

والدين شعاره التوحيد وكفى.. والأمن شعاره السلام الاجتماعى.. والتعصب شعاره الأهلى والزمالك وبينهما الإعلام.


> ينظر المواطن المصرى للدولة نظرة الطفل لأمه..

يريدها أن ترضعه وتحمله وتطعمه وتغسله وتنظفه وتضع المصروف فى جيبه.. ولما يكبر توظفه فى الوظيفة التى تعجبه وتبحث له عن شقة وعروسة وعربية..

هذه التربية ''الاتكالية'' لاشتراكية ثورة ٥٢ هى التى جعلت المواطن المصرى الآن ينظر إلى الدولة من منظور مصلحته المباشرة لا من المنظور العام.. فلا تعنيه عملية البناء والتنمية الشاملة.. ولا يصبر حتى يعرف أن بناء المجتمع أولا هو الذى سيساعد على بناء شخصيته ومعيشته ثانيا.


> مراكز تصنيف الجيوش تركز فى تصنيفها على أرقام وأعداد العتاد والأفراد وهو بذلك تصنيف قاصر ومعيوب..

لأن القياس الحقيقى هو السيرة الذاتية للجيوش فى ساحات المعارك والخبرة القتالية.. فما أكثر الدول التى لا تعدو مجرد مخازن أسلحة بمليارات الدولارات..

بينما العسكرية المصرية مثلا انتصرت فى حرب أكتوبر بأسلحة أقل عددا وكفاءة.. انتصرت بمخزون الخبرة القتالية للجندى المصرى على مدار تاريخه.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة