يقرأ الهجوم الذي شنته مجلة «دابق» في نسختها الإنجليزية، والتي يصدرها تنظيم «داعش» الإرهابي ضد جماعة «الإخوان» ومنهجهم وأفكارهم، يتصور للوهلة الأولي أن عداء تاريخيا يفصل بين الطرفين، ومن يتعمق في تفاصيل الحملة التي شنها «التنظيم» ضد «الجماعة» واتهامها بالردة بسبب ما قال إنه «تمسكها بالسلمية» ربما يجد نفسه للوهلة الأولي متعاطفا مع تلك الجماعة التي يقدمها «داعش» كنقيض له!
هذا ربما ما تكشفه القراءة الأولية لما جاء به صوت «داعش» الإعلامي، لكن المتعمق في هذا الملف، لابد أن يتوقف أمام عدد من النقاط، أبدأها بالملاحظات الشكلية قبل الانتقال للمضمون، وأولي الملاحظات الشكلية تتعلق بصدور تلك الحملة في النسخة الإنجليزية لـ«دابق» فالمستهدف إذن ليس الجمهور العربي، وإنما الرأي العام الغربي الذي ستسارع وسائل إعلامه لنقل ذلك الهجوم، وبالتالي لا يجد المتلقي سوي أن يتعاطف مع تلك الجماعة التي يكرهها وينتقدها «داعش» بهذه الحدة، وطالما أن الدواعش أشرار، فلابد أن «الإخوان» طيبون!
أما الملاحظة الشكلية الثانية، فتتعلق بتوقيت هذا الهجوم، فالضغوط الغربية تتصاعد في الآونة الأخيرة لإعادة جماعة «الإخوان» إلي المشهد مجددا، وقد نجحت تلك الضغوط بالفعل في اليمن وليبيا، كما تتعرض مصر لضغوط لم تعد خافية علي مصر لإجراء «مصالحة» مع الجماعة وإعادتهم للمشهد، وبالتالي عندما يهاجم «داعش» - عدو الغرب الأول كما يتم تصويره حاليا - «الإخوان» فالأمر يحمل إذن إشادة غير مباشرة بالنهج الغربي في دعمه للجماعة علي طريقة «عدو عدوي.. صديقي»!
ولم تقتصر علاقة «الإخوان» بالعنف علي مرحلة الأفكار، بل مارسته قولا وعملا، ونفذ التنظيم الخاص (الذي وصل أحد رجاله وهو مهدي عاكف إلي منصب المرشد) العديد من عمليات الاغتيال بحق ساسة وقضاة مصريين.
كما خرج عدد من عتاة الإرهاب الذين نعرفهم اليوم من عباءة الجماعة، فمثلا أعضاء تنظيم «الفنية العسكرية» كانوا جميعا قيادة وأعضاء من أبناء جماعة «الإخوان»، ومن الثابت في هذا الشأن أيضا تعاون محمد قطب - شقيق «سيد قطب» - مع عبد الله عزام (الفلسطيني المعروف بأبي المجاهدين العرب في أفغانستان ومعلم أسامة بن لادن)، وتأثر أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، بخاله محفوظ عزام محامي سيد قطب وأحد قيادات «الإخوان».. كما كان مؤسس جماعة «بوكو حرام» محمد يوسف عضوا بجماعة «إخوان نيجيريا»، وبدأ أحمد عبدي جوداني مؤسس تنظيم الشباب مع «إخوان الصومال»، بل إن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» نفسه انضم لجماعة «الإخوان» في فترة مبكرة من حياته!
وهناك العديد من التقارير التي تشير إلي انضمام عدد من شباب الجماعة إلي تنظيم «داعش» في أعقاب الإطاحة بحكم الجماعة عام ٢٠١٣، فضلا عن ضبط وزارة الداخلية لخلية من هؤلاء الشباب واتهامهم باغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات العام الماضي.
حادث آخر لم يحظ بالاهتمام الكافي من التحليل لكنه يضيف بعدا مهما إلي المشهد، وهو مقتل رفاعي طه قائد الجناح العسكري السابق للجماعة الإسلامية بغارة أمريكية لطائرة بدون طيار في سوريا، وكان الرجل الذي خرج من مصر بعد فض اعتصام «رابعة»، في مهمة «تكوين جيش إسلامي» من الفصائل (الإرهابية) في سوريا بحسب ما نشر قياديو الجماعة، الذين وصفوا «طه» بـ«الشهيد»، فإذا ما تذكرنا أن الجماعة الإسلامية كانت ولاتزال أحد أهم حلفاء «الإخوان» وداعميهم في مرحلة ما بعد «ثورة ٢٥ يناير»، وعضوا بارزا فيما سمي «تحالف دعم الشرعية» وإذا ما تأملنا بعمق كل الشواهد السابقة لأدركنا أن هجوم «داعش» علي «الإخوان» ليس سوي هجوم فارغ من المضمون ولا يخدم إلا مصلحة الجماعة لأنه «مدح بصيغة الذم» !!