الكتاب: إيماءة قلب -  المؤلف: محمود الديب
الكتاب: إيماءة قلب - المؤلف: محمود الديب


كتب

إيماءة قلب: بين التعبيرية الرمزية والشيئية!

أخبار الأدب

الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 01:30 م

‭ ‬هدى‭ ‬توفيق

‭ ‬يزخر‭ ‬سرد‭ ‬القاص‭ ‬المصرى‭محمود‭ ‬الديب‭ ‬بحساسية‭ ‬المبدع‭ ‬التعبيرية‭ ‬شديدة‭ ‬الرهافة،‭ ‬والحساسية‭ ‬الخلاقة‭ ‬لتجعل‭ ‬من‭ ‬إشارات‭ ‬الواقع‭ ‬البسيطة‭ ‬تصورات‭ ‬وتخيلات‭ ‬تتجاوز‭ ‬منطق‭ ‬الواقع،‭ ‬بتشكله‭ ‬المادى‭ ‬إلى‭ ‬محسوسات‭ ‬مجردة‭ ‬داخل‭ ‬المتخيل‭ ‬السردي،‭ ‬وبرؤى‭ ‬تخييلية‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬دوائر‭ ‬الواقع‭ ‬الضيقة‭ ‬والمغلقة،‭ ‬لنتبعه‭ ‬فى‭ ‬منهج‭ ‬محدد‭ ‬حتى‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشغلنا‭ ‬من‭ ‬فنيات‭ ‬المخيال،‭ ‬والتخيل‭ ‬السردى‭ ‬القابع‭ ‬خلف‭ ‬أطروحاته‭ ‬الفنية‭. ‬وقع‭ ‬اختيارى‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬قصص‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬إيماءة‭ ‬قلب‮»‬،‭ ‬تجسد‭ ‬القصص‭ ‬الثلاث‭(‬سياج،‭ ‬مقام‭ ‬ملعون،‭ ‬حبة‭)‬،‭ ‬والتى‭ ‬أبدع‭ ‬المؤلف‭ ‬منها‭ ‬بطولاته‭ ‬الحياتية‭ ‬الذاتية‭ ‬وسط‭ ‬واقعه‭ ‬المأساوي‭. ‬تحكى‭ ‬قصة‭ (‬سياج‭) ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬معقدة‭ ‬وشائكة‭ ‬بين‭ ‬رجل‭ ‬ضائع،‭ ‬ومشرد،‭ ‬وجائع،‭ ‬وبين‭ ‬كلبه‭ ‬الذى‭ ‬يماثله‭ ‬فى‭ ‬الهيئة‭ ‬والتكوينات‭ ‬الظاهرية،‭ ‬والداخلية‭ ‬من‭ ‬ضياع‭ ‬وتشرد،‭ ‬وجوع،‭ ‬ليتحمل‭ ‬الفعل‭ ‬السردى‭ ‬القصصى‭ ‬مستويات‭ ‬دلالية‭ ‬ووظيفية‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬إذ‭ ‬يتحول‭ ‬الفعل‭ ‬القصصى‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬الشخصية‭ ‬والحدث‭ ‬بتعزيز‭ ‬أهم‭ ‬عنصرين‭ ‬فنيين‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬وهما‭: ‬الشخصية‭ ‬والحدث،‭ ‬ويولى‭ ‬اهتماماً‭ ‬استثنائياُ‭ ‬لهما‭. ‬وهذه‭ ‬الثنائية‭ ‬البارزة‭ ‬والمشتركة‭ ‬فى‭ ‬القصص‭ ‬الثلاث‭ ‬أى‭ (‬الشخصية‭ ‬والحدث‭)‬،‭ ‬تجسد‭ ‬المعول‭ ‬الأساسى‭ ‬لبؤرة‭ ‬التكوين‭ ‬القصصى‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬فى‭ ‬القصص‭ ‬الثلاث،‭ ‬وهى‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬رئيس‭ ‬شيدته‭ ‬متاريس‭ ‬الواقع‭ ‬المر‭ ‬والقاسي‭. ‬كما‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬سياج‭ ‬التى‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬تعبيرية‭ ‬واقعية‭ ‬عصيبة،‭ ‬وهى‭ ‬تصور‭ ‬لنا‭ ‬لحظات‭ ‬مصيرية‭ ‬وحاسمة‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬ورفيقه‭ ‬الكلب،‭ ‬وتتناول‭ ‬القصة‭ ‬حياة‭ ‬رجل‭ ‬ما‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬غير‭ ‬مسماة،‭ ‬وغير‭ ‬محددة‭ ‬المكان‭ ‬مخربة‭ ‬ومهدمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمرتها‭ ‬المليشيات‭ ‬الإرهابية‭ ‬وسلبتها‭ ‬خيراتها‭ ‬وأمنها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬يتضور‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬والعوز‭ ‬والحرمان‭ ‬والجوع‭ ‬القاتل،‭ ‬ويصل‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬قطع‭ ‬متناثرة‭ ‬من‭ ‬الخبز‭ ‬وبقايا‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬فتات،‭ ‬ويراقبه‭ ‬كلبه‭ ‬المشرد،‭ ‬وعيناه‭ ‬تصرخان‭ ‬من‭ ‬الجزع‭ ‬والجوع‭ ‬الفتاك‭ ‬التى‭ ‬تصل‭ ‬به‭ ‬للشعور‭ ‬بالفجيعة‭ ‬عندما‭ ‬تلتقط‭ ‬عيناه‭ ‬سيده،‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬اللقمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فى‭ ‬فمه‭ (‬كدجاجة‭ ‬مشوية‭). ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬بينما‭ ‬هى‭ ‬محض‭ ‬لقم‭ ‬وبقايا‭ ‬طعام‭ ‬من‭ ‬الخرابات‭ ‬أو‭ ‬القمامة‭. ‬فيفطن‭ ‬الرجل‭ ‬لذلك‭ ‬الذعر،‭ ‬ويخرجها‭ ‬من‭ ‬فمه‭ ‬ليعطيها‭ ‬لكلبه‭ ‬المسكين‭. ‬لتتحول‭ ‬تلك‭ ‬اللقمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لفكرة‭ ‬حاذقة‭ ‬غيرت‭ ‬مسار‭ ‬حياة‭ ‬الرجل‭ ‬الضائع‭. ‬الذى‭ ‬يتمنى‭ ‬الموت‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬حتى‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬الجوع‭ ‬المبرحة،‭ ‬وتلك‭ ‬الحياة‭ ‬البائسة‭. ‬والتى‭ ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬ولا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭ ‬وسط‭ ‬الخراب،‭ ‬والدمار،‭ ‬والحطام‭ ‬التام‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭. ‬ملاحظة‭ ‬أخيرة‭ ‬فى‭ ‬حضور‭ ‬إبداعى‭ ‬لقصة‭ ‬سياج،‭ ‬يوجد‭ ‬تعالق‭ ‬ولو‭ ‬ضمنى‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬بين‭ ‬دلالة‭ ‬الاستهلال،‭ ‬وبين‭ ‬التوظيف‭ ‬السردى‭ ‬داخل‭ ‬مقترحات‭ ‬المتخيل‭ ‬السردي،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬التأويل‭ ‬عن‭ ‬رؤى‭ ‬النص‭ ‬القصصى‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬انشغالات‭ ‬النص‭ ‬المنغلق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬بؤرة‭ ‬الشخصية‭ ‬والحدث،‭ ‬بينما‭ ‬الطرح‭ ‬ينسج‭ ‬وتيرة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬التأويلات،‭ ‬مع‭ ‬ضبابية‭ ‬ظهور‭ ‬واقع‭ ‬زمنى‭ ‬أو‭ ‬مكانى‭ ‬بارز‭ ‬فى‭ ‬أرضية‭ ‬واقع‭ ‬المتن‭ ‬الحكائي‭. ‬

لنطرح‭ ‬سؤالاً‭ ‬إشكاليًا‭ ‬مهماً‭ ‬عن‭: (‬كيف‭ ‬تكتمل‭ ‬الدائرة‭ ‬السردية‭ ‬التى‭ ‬تبدأ‭ ‬وسط‭ ‬العزلة‭ ‬واليأس‭ ‬وتنتهى‭ ‬فيها؟‭). ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الفنى‭ ‬فى‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬مقام‭ ‬ملعون‮»‬،‭ ‬التى‭ ‬تحكى‭ ‬عن‭ ‬فتى‭ ‬يحاول‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬والده‭ ‬فى‭ ‬الغيط‭ ‬فى‭ ‬قريته‭ ‬الصغيرة‭ ‬بأسرع‭ ‬وقت،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬تلك‭ ‬الحارة‭ ‬الضيقة‭ ‬الملتوية،‭ ‬لكن‭ ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬يخاف‭ ‬من‭ ‬عبورها‭ ‬فى‭ ‬الليل‭ ‬والنهار‭. ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الملعون‭ ‬الذى‭ ‬يُحكى‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬لعنته‭ ‬أوغرت‭ ‬قلوب‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬أهالى‭ ‬القرية‭ ‬بالخوف‭ ‬والرهبة‭ ‬والخشية‭.‬

من‭ ‬عنوان‭ ‬قصة‭ (‬مقام‭ ‬ملعون‭) ‬تبدأ‭ ‬تيمة‭ ‬التعبيرية‭ ‬الرمزية‭ ‬الذى‭ ‬يوحى‭ ‬بسرد‭ ‬يفصح‭ ‬عن‭ ‬لعنة‭ ‬ما‭. ‬توجد‭ ‬فى‭ ‬قرية‭ ‬ما‭ ‬غير‭ ‬مسماة‭ ‬أيضاً‭. ‬كسابق‭ ‬العهد‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬السابقة‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬أسماء‭ ‬أى‭ ‬كائن‭ ‬حى‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬مادي‭. ‬وبدون‭ ‬تاريخ‭ ‬أو‭ ‬جغرافيا‭ ‬محددة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬تقص‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬مقام‭ ‬ملعون‭ ‬فى‭ ‬بقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬ما،‭ ‬وفى‭ ‬زمن‭ ‬ما‭ ‬احتوتهما‭ ‬المتخيل‭ ‬السردى‭ ‬للقصة‭. ‬ومن‭ ‬عنوان‭ ‬القصة‭ ‬مقام‭ ‬ملعون‭ ‬تبدأ‭ ‬تيمة‭ ‬الواقعية‭ ‬الرمزية‭ ‬الذى‭ ‬يُوحى‭ ‬بسرد‭ ‬معبر‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬فى‭ ‬قرية،‭ ‬وهو‭ ‬مقام‭ ‬ملعون‭. ‬وفى‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬يتضمنه‭ ‬المتخيل‭ ‬السردى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬فتى‭ ‬صغير‭ ‬يحاول‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬والده‭ ‬فى‭ ‬الغيط‭ ‬فى‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭. ‬ليقدم‭ ‬إجابة‭ ‬غير‭ ‬شافية‭ ‬داخل‭ ‬الدائرة‭ ‬السردية‭ ‬المنغلقة‭. ‬وعن‭ ‬كيف‭ ‬تكتمل‭ ‬الدائرة‭ ‬السردية‭ ‬التى‭ ‬تبدأ‭ ‬وسط‭ ‬فتى‭ ‬منعزل‭ ‬حائر‭ ‬يشعر‭ ‬بالخوف،‭ ‬واليأس‭ ‬بمفرده،‭ ‬ويحاول‭ ‬عدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مراده‭ ‬الطبعي،‭ ‬والمنطقى‭ ‬فى‭ ‬دوران‭ ‬السرد‭ ‬التخييلي،‭ ‬فقط‭ ‬وجوب‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬والده‭ ‬سريعاً‭. ‬تفترض‭ ‬القصة‭ ‬افتراضاً‭ ‬سردياً‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬مقام‭ ‬ملعون‭ ‬يحاط‭ ‬بالحجب‭ ‬والأسرار،‭ ‬التى‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬مقاما‭ ‬مخيفا‭ ‬يثير‭ ‬الرهبة،‭ ‬والقشعريرة،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬الأمر،‭ ‬بأنه‭ ‬يصب‭ ‬اللعنات‭ ‬لمن‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يزيله،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يتجرأ‭ ‬بالمرور‭ ‬بجانبه‭ ‬للامتثال‭ ‬أمامه،‭ ‬لأنه‭ ‬يخيف‭ ‬ويؤذى‭ ‬أى‭ ‬شخص‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬قدره،‭ ‬وهذا‭ ‬الافتراض‭ ‬السردى‭ ‬المغاير‭ ‬تماماً‭ ‬عما‭ ‬هو‭ ‬مشاع‭ ‬ومعروف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المقامات‭ ‬الأخرى،‭ ‬التى‭ ‬يستأنس‭ ‬بها‭ ‬أهل‭ ‬القرية،‭ ‬ويقيمون‭ ‬الموالد‭ ‬والاحتفالات‭ ‬بجوارها‭.‬

إن‭ ‬ثنائية‭ ‬تناوب‭ ‬السرد‭ ‬هنا‭ ‬تأتى‭ ‬بين‭ ‬الشخصية‭ ‬والمقام‭ ‬الملعون‭ ‬الذى‭ ‬يحدث‭ ‬غرابة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ما‭ ‬تتسم‭ ‬ببعض‭ ‬الغموض،‭ ‬والإبهام‭ ‬أن‭ ‬يوجد‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الملعون‭ ‬غير‭ ‬المعتاد،‭ ‬والمتعارف‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬المقامات‭ ‬الأخرى‭ ‬المعهودة‭  ‬فى‭ ‬واقعنا‭ ‬الحياتي،‭ ‬ليستخرج‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬التخليق‭ ‬الغريب،‭ ‬بتعبيرية‭ ‬رمزية‭ ‬واسعة‭ ‬الدلالة‭ ‬والتوظيف‭ ‬فى‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬فربما‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الملعون‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬حاكم‭ ‬ملعون،‭ ‬وحرب‭ ‬ملعونة‭ ‬،‭ ‬وفكر‭ ‬ملعون‭ ‬يختبىء‭ ‬فى‭ ‬جوف‭ ‬هذا‭ ‬المقام،‭ ‬فيمنع‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬والانطلاق‭ ‬فى‭ ‬مسارها‭ ‬بحرية،‭ ‬وعدالة،‭ ‬وكرامة‭ ‬،وخاصة‭ ‬أن‭ ‬بطل‭ ‬الحدث‭ ‬هو‭ ‬فتى‭ ‬نقي،‭ ‬وبرئ‭ ‬السريرة،‭ ‬نبيل‭ ‬الهدف‭.‬

وتمثل‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬التعبيرية‭ ‬أبرز‭ ‬عناصر‭ ‬تكوين‭ ‬هذه‭ ‬القصص‭ ‬الثلاث‭. ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬القصة‭ ‬الثالثة‭ ‬بعنوان‭ (‬حبة‭) ‬عنصر‭ ‬التعبيرية‭ ‬الشيئية‭. ‬البطل‭ ‬هنا‭ ‬حبة‭ ‬عرق‭ ‬تسقط‭ ‬على‭ ‬جبين‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬أيضاً،‭ ‬دون‭ ‬مسمى‭ ‬أو‭ ‬تعريف،‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬بتحديد‭ ‬المكان‭ ‬وهو‭ (‬صحراء‭ ‬نجد‭)‬،‭ ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬يؤازر‭ ‬شيئية‭ ‬التكوين‭ ‬القصصي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المؤلف‭ ‬يحكى‭ ‬برهافة‭ ‬وحساسية‭ ‬عالية‭ ‬عن‭ ‬حبات‭ ‬العرق،‭ ‬والتى‭ ‬تشكل‭ ‬رؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬رؤى‭ ‬القصتين‭ ‬السابقتين‭. ‬وإن‭ ‬تشارك‭ ‬الثلاث‭ ‬فى‭ ‬التمكين‭ ‬من‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭ ‬الضيق‭ ‬بخطاب‭ ‬تعبيرى‭ ‬متنوع‭ ‬بين‭ (‬التعبيرية‭ ‬الواقعية،‭ ‬والرمزية،‭ ‬والشيئية‭). ‬التى‭ ‬جميعها‭ ‬تسير‭ ‬فى‭ ‬مسار‭ ‬السرد‭ ‬الذاتى‭ ‬الواقعي،‭ ‬والمنغلق‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬مأزومة‭ ‬داخل‭ ‬عوالم‭ ‬ضيقة‭ ‬ذات‭ ‬عناصر‭ ‬فنية‭ ‬ثنائية‭ ‬بين‭ ‬الشخصية‭ ‬والحدث‭. ‬لذلك‭ ‬أى‭ ‬شحوب‭ ‬زمنى‭ ‬أو‭ ‬مكانى‭ ‬يأتى‭ ‬بضرورات‭ ‬واستدعاءات‭ ‬إبداعية،‭ ‬ابتدعتها‭ ‬مكونات‭ ‬البناء‭ ‬الفنى‭ ‬الداخلى‭ ‬للقصص،‭ ‬لتعمل‭ ‬فى‭ ‬دورانها‭ ‬الإبداعى‭ ‬بين‭ ‬الشخصية‭ ‬والحدث،‭ ‬فأهملت‭ ‬الخلفية‭ ‬المكانية‭ ‬والزمانية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬وهذا‭ ‬تأويله‭ ‬والحديث‭ ‬يشير‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬عن‭ ‬القصص‭ ‬الثلاث،‭ ‬التى‭ ‬تمثل‭ ‬وحدة‭ ‬تتجانس‭ ‬فيها‭ ‬حساسية‭ ‬عالية‭ ‬للمبدع‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭ ‬برؤى‭ ‬متنوعة،‭ ‬والتى‭ ‬تصب‭ ‬فى‭ ‬رافد‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬التشكيلات‭ ‬التعبيرية‭. ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬التالي‭: (‬لقد‭ ‬شحبت‭ ‬الزمانية‭ ‬والمكانية،‭ ‬وبدت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬سرابية‭ ‬بتجربتها‭ ‬الشخصية،‭ ‬وهى‭ ‬تتضور‭ ‬ألماً‭ ‬منها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تستطيع‭ ‬كشف‭ ‬حدود‭ ‬عالمها،‭ ‬وهذه‭ ‬حالة‭ ‬مسوغة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لشخصية‭ ‬ضبابية‭ ‬ترى‭ ‬ولا‭ ‬تفسر‭ ‬إلا‭ ‬بحدود‭ ‬ضيقة،‭ ‬وهى‭ ‬تراقب‭ ‬انحسار‭ ‬دورها،‭ ‬وانعدام‭ ‬أهميتها‭). ‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة