الكتاب: لا باب للبيت -  المؤلف: د. على الشلاه
الكتاب: لا باب للبيت - المؤلف: د. على الشلاه


كتب

لا باب للبيت: جماليات التعطل والارتباك وغياب المعنى

أخبار الأدب

الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 01:34 م

محمد‭ ‬سليم‭ ‬شوشة

فى‭ ‬ديوانه‭ ‬الأحدث‭ ‬“لا‭ ‬باب‭ ‬للبيت”‭ ‬يقارب‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقى‭ ‬على‭ ‬الشلاه‭ ‬حالات‭ ‬إنسانية‭ ‬ثرية‭ ‬مشحونة‭ ‬بالقلق‭ ‬والارتباك‭ ‬والتعطل‭ ‬وفيها‭ ‬تنوع‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬وموقعها‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬والآخرين‭ ‬ومواقفها‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬وإحساسها‭ ‬بالوطن‭ ‬والتاريخ‭ ‬والتصوف‭ ‬والمرأة‭ ‬والعشق‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬ويتجول‭ ‬فى‭ ‬نصوصه‭ ‬عبر‭ ‬معان‭ ‬طازجة‭ ‬وخاصة‭ ‬وقيم‭ ‬دلالية‭ ‬تتسم‭ ‬بالتنوع‭ ‬بين‭ ‬المباشر‭ ‬وما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طاقات‭ ‬المتلقى‭ ‬لاستنطاقها‭. ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬المجمل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬دواوين‭ ‬شعر‭ ‬التفعيلة‭ ‬التى‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬ثوابت‭ ‬شعرية‭ ‬راسخة‭ ‬وتستثمرها‭ ‬مثل‭ ‬الوزن‭ ‬العروضى‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬توزيعى‭ ‬مغاير‭ ‬ومتجدد،‭ ‬وكذلك‭ ‬القافية‭ ‬برونقها‭ ‬وقفلاتها‭ ‬ووقفاتها‭ ‬واتساقها‭ ‬مع‭ ‬المعنى‭ ‬السارى‭ ‬أو‭ ‬الجارى‭ ‬بتدفق‭ ‬كماء‭ ‬النهر‭ ‬العذب،‭ ‬وهى‭ ‬كذلك‭ ‬تأتى‭ ‬وفق‭ ‬استعمال‭ ‬مغاير‭ ‬حيث‭ ‬تتجاوز‭ ‬فكرة‭ ‬التوزيع‭ ‬الكمى‭ ‬أو‭ ‬ثباتها‭ ‬بعد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التفعيلات‭ ‬أو‭ ‬الأسطر‭ ‬الشعرية،‭ ‬بل‭ ‬تبدو‭ ‬قافية‭ ‬حرة‭ ‬منطلقة‭ ‬مثل‭ ‬باقى‭ ‬تركيب‭ ‬القصيدة‭ ‬واستراتيجيها‭ ‬البنائية‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬ذهنية‭ ‬الشاعر‭ ‬ووجدانه‭ ‬وفى‭ ‬تصورى‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬دراسة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬شكل‭ ‬القصيدة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإيقاع‭ ‬أو‭ ‬التوزيع‭ ‬الإيقاعى‭ ‬والقافية‭ ‬وتشكيل‭ ‬الذهنية‭ ‬الشاعرة‭ ‬أو‭ ‬المبدعة‭ ‬وقدر‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬سمت‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسيا‭ ‬وقدر‭ ‬جموحه‭ ‬أو‭ ‬تحرره‭ ‬وانطلاقه‭ ‬أو‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬القفز‭ ‬والعجز‭ ‬والتعطل‭ ‬والسكون‭ ‬أو‭ ‬الارتباك،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البنية‭ ‬منفصلة‭ ‬تماما‭ ‬فى‭ ‬شكلها‭ ‬النهائى‭ ‬عن‭ ‬الروح‭ ‬المبدعة‭ ‬التى‭ ‬أنتجت‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬التوزيع،‭ ‬تبعا‭ ‬لمنطق‭ ‬إنتاج‭ ‬اللغة‭ ‬فى‭ ‬الدراسات‭ ‬اللسانية‭ ‬الأحدث‭ ‬التى‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الأبعاد‭ ‬الإدراكية‭ ‬العميقة‭ ‬فاعلة‭ ‬فى‭ ‬توليد‭ ‬الكلام‭ ‬ومصادره‭ ‬العميقة‭ ‬أو‭ ‬بنيته‭ ‬العميقة‭.‬

الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬مثلا‭ ‬لدى‭ ‬الشاعر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬ذهنيته‭ ‬وتخييله‭ ‬ورؤيته‭ ‬للعالم‭ ‬وكذلك‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬تحصل‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬اختزال‭ ‬للتجارب‭ ‬الشعرية‭ ‬التراثية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬توافر‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬إحساس‭ ‬خاص‭ ‬باللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬ومعطياتها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬الاستيعاب‭ ‬للميراث‭ ‬الجمالى‭ ‬الأدبى‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وليس‭ ‬الشعرى‭ ‬فقط،‭ ‬إذ‭ ‬بعض‭ ‬جماليات‭ ‬التصوير‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬التصور‭ ‬كذلك‭ ‬لها‭ ‬روافد‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالنثر‭ ‬أو‭ ‬بالتصوف‭ ‬والعشق‭ ‬الإلهى‭ ‬والأساطير‭ ‬العراقية‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬غير‭ ‬الشعرية‭ ‬أحيانا‭. ‬وتبدو‭ ‬المساحات‭ ‬التى‭ ‬ترتادها‭ ‬القصائد‭ ‬شاسعة‭ ‬وواسعة‭ ‬ليس‭ ‬بحجم‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬الوجود،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬عنهما،‭ ‬إلى‭ ‬رحابة‭ ‬الماضى‭ ‬والتاريخ‭ ‬والخيال‭ ‬المنطلق‭ ‬ومساحات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭ ‬أو‭ ‬مساحات‭ ‬الخلود‭ ‬أو‭ ‬مساحات‭ ‬الخواء‭ ‬والتعطل‭ ‬بعد‭ ‬الحياة‭. ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬المتلقى‭ ‬يتجول‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الفضاءات‭ ‬ويركض‭ ‬وراءه‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬والتجوال‭ ‬سواء‭ ‬الجسدية‭ ‬أو‭ ‬الروحية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬طاقة‭ ‬جمالية‭ ‬إضافية‭ ‬أقرب‭ ‬للمتعة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬السياحة‭ ‬والسفر‭. ‬

وفى‭ ‬الديوان‭ ‬كذلك‭ ‬حالة‭ ‬جمالية‭ ‬خاصة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬أنسنة‭ ‬الأشياء‭ ‬وإلباسها‭ ‬مشاعر‭ ‬إنسانية‭ ‬نابضة‭ ‬وفق‭ ‬تصوير‭ ‬شعرى‭ ‬طازج‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬سيرورة‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬ديناميكيتها‭ ‬الدلالية‭ ‬والتكوينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬عالم‭ ‬سائل‭ ‬ينفتح‭ ‬على‭ ‬بعضه،‭ ‬ويطل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬فلا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حواجز‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إنسانى‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الوجود،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬قوله‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬أنيتا‭: ‬

أنيتا

ارتطام‭ ‬المعانى‭ ‬بأجسادها

كسر‭ ‬قفل‭ ‬التمني

ارتباك‭ ‬المياه‭ ‬بمرأى‭ ‬الحريق

وخوف‭ ‬المسافة‭ ‬فى‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬زجاج

أنيتا‭...‬

يشكل‭ ‬التركيب‭ ‬النحوى‭ ‬بذاته‭ ‬بابا‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬التحفيز‭ ‬القرائية‭ ‬والجمالية‭ ‬لأنه‭ ‬يمنح‭ ‬القارئ‭ ‬دافعا‭ ‬للتأويل‭ ‬والتأمل،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬الضمير‭ ‬فى‭ ‬كلمة‭ ‬بأجسادها‭ ‬له‭ ‬احتمالان،‭ ‬لأنه‭ ‬متصل‭ ‬بالجمع،‭ ‬فهل‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬أنيتا‭ ‬وحينها‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جسد،‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬المعاني،‭ ‬وهكذا‭ ‬يكون‭ ‬للمعانى‭ ‬أجساد،‭ ‬وترتطم‭ ‬ببعضها‭ ‬فتكون‭ ‬أنيتا،‭ ‬أو‭ ‬أنيتا‭ ‬هى‭ ‬ارتطام‭ ‬المعانى‭ ‬بأجسادها،‭ ‬أى‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬بعدها‭ ‬المادى‭ ‬وحين‭ ‬ترتطم‭ ‬ببعضها‭ ‬تتحقق‭ ‬وتكون‭ ‬أنيتا‭ ‬موجودة،‭ ‬فكأنها‭ ‬هى‭ ‬التى‭ ‬أخرجت‭ ‬المعانى‭ ‬إلى‭ ‬وجودها‭ ‬أو‭ ‬حققتها‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬نتاج‭ ‬هذا‭ ‬التحقق،‭ ‬وشخصيا‭ ‬أميل‭ ‬لهذا‭ ‬التخريج‭ ‬النحوي؛‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬فيها‭ ‬جمالا‭ ‬إضافيا‭ ‬يرتبط‭ ‬بإخراج‭ ‬المعنوى‭ ‬المجرد‭ ‬بصورة‭ ‬المادى‭ ‬الملموس،‭ ‬وجعل‭ ‬المعانى‭ ‬كائنات‭ ‬وأشياء‭ ‬حية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬الصور‭ ‬الشعرية‭ ‬التالية‭ ‬فى‭ ‬المقطع‭ ‬ذاته‭ (‬قفل‭ ‬التمني‭) ‬فيكون‭ ‬التمنى‭ ‬وهو‭ ‬القيمة‭ ‬المعنوية‭ ‬جسدا‭ ‬وحقيقة‭ ‬مادية‭ ‬ملموسة،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أنها‭ ‬تجسدت‭ ‬فى‭ ‬قفل‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وهى‭ ‬استعارة‭ ‬طريفة‭ ‬لأنها‭ ‬أبرزت‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬التمنى‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬انسداد‭ ‬وانتظار‭ ‬ورجاء‭ ‬موقوف،‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬التمنى‭ ‬سدا‭ ‬بين‭ ‬ذاتين‭ ‬أو‭ ‬شيئين‭ ‬أو‭ ‬هدفين،‭ ‬وهى‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬التعطل‭ ‬والتوقف‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬بالأساس‭ ‬نابع‭ ‬مما‭ ‬يسكن‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬من‭ ‬معانى‭ ‬الانتظار‭ ‬والرجاء‭ ‬والتوقف‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الأنثوى‭ ‬لهو‭ ‬أقرب‭ ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬معادلا‭ ‬لكل‭ ‬منتظر‭ ‬ومنقوص‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الوجود‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬وترجوه‭ ‬أو‭ ‬تتمناه‭. ‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬كذلك‭ ‬بقوة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المطقع‭ ‬الشعرى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التصوير‭ ‬الشعرى‭ ‬المدهش،‭ ‬الحاصل‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ (‬ارتباك‭ ‬المياه‭ ‬بمرأى‭ ‬الحريق‭) ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حقيقى‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬متخيل‭ ‬فى‭ ‬الصورة،‭ ‬فالصور‭ ‬الشعرية‭ ‬المميزة‭ ‬واللافتة‭ ‬جديرة‭ ‬بالدراسة‭ ‬المنفصلة‭ ‬أو‭ ‬المستقلة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬دراستها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكلية‭ ‬للنص‭ ‬الشعري،‭ ‬فعلى‭ ‬طريقة‭ ‬قدماء‭ ‬البلاغيين‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬تناول‭ ‬الصورة‭ ‬منفصلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬مفيدا‭ ‬مع‭ ‬إضافة‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الحداثية‭ ‬مثل‭ ‬التكوين‭ ‬النفسى‭ ‬أو‭ ‬الأساس‭ ‬اللغوى‭ ‬أو‭ ‬اللسانى‭ ‬فى‭ ‬الصورة‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬أو‭ ‬التبئير‭ ‬الداخلى‭ ‬أو‭ ‬بالصور‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬المصادر‭ ‬التى‭ ‬استمد‭ ‬منها‭ ‬الخيال‭ ‬هذا‭ ‬التصوير،‭ ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬ارتباك‭ ‬الماء‭ ‬متسقة‭ ‬مع‭ ‬سيولته‭ ‬أو‭ ‬تدفقه‭ ‬بارتباك‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬ارتباك‭ ‬الأيدى‭ ‬التى‭ ‬تحمله‭ ‬محاولة‭ ‬الإطفاء،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الشق‭ ‬الحقيقى‭ ‬فى‭ ‬الصورة،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬استخدم‭ ‬الحريق‭ ‬وليس‭ ‬النار،‭ ‬بما‭ ‬فى‭ ‬الحريق‭ ‬من‭ ‬الانفلات‭ ‬من‭ ‬التوظيف‭ ‬الإنسانى‭ ‬أو‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان،‭ ‬فالنار‭ ‬هى‭ ‬الاسم‭ ‬المطلق‭ ‬الذى‭ ‬يتفرع‭ ‬عنه‭ ‬الاستخدام‭ ‬البشرى‭ ‬أو‭ ‬النار‭ ‬التى‭ ‬تكون‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬البشر‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنها،‭ ‬والحريق‭ ‬هو‭ ‬النار‭ ‬المنفلتة‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬البشرية،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬الماء‭ ‬قويا‭ ‬أمامها‭ ‬لكنهما‭ ‬يبدوان‭ ‬وحشين‭ ‬أمام‭ ‬بعضهما‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬صراع‭ ‬له‭ ‬احتمالات‭ ‬غير‭ ‬محسومة،‭ ‬ولهذا‭ ‬يأتى‭ ‬الارتباك‭ ‬منطقيا‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬اللافتة‭ ‬وفى‭ ‬ذروتها‭ ‬الجمالية‭ ‬المتمثلة‭ ‬فى‭ ‬تحويلات‭ ‬الأنسنة‭ ‬وإلباس‭ ‬الأشياء‭ ‬والجمادات‭ ‬مشاعر‭ ‬الإنسان‭ ‬وعواطفه‭. ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬تحليل‭ ‬الصورة‭ ‬التالية‭ (‬خوف‭ ‬المسافة‭ ‬فى‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬زجاج‭)‬،‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الشعرية‭ ‬الأخرى‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬فى‭ ‬بقية‭ ‬الديوان،‭ ‬وفى‭ ‬تصورى‭ ‬أن‭ ‬الصورة‭ ‬الشعرية‭ ‬لدى‭ ‬على‭ ‬الشلاه‭ ‬جديرة‭ ‬بدراسة‭ ‬مستقلة‭.‬

‭>>>‬

تننظر‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬الكثير،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الانتظار‭ ‬براحا‭ ‬شاسعا‭ ‬تقيم‭ ‬فيه،‭ ‬ويصبح‭ ‬هذا‭ ‬الانتظار‭ ‬ساحة‭ ‬موازية‭ ‬للمتلقى‭ ‬الذى‭ ‬يستريب‭ ‬فى‭ ‬الأشياء‭ ‬ويعيش‭ ‬حالا‭ ‬ثقيلة‭ ‬من‭ ‬التعطل‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الانتظار،‭ ‬فالانتظار‭ ‬يمثل‭ ‬عدم‭ ‬الاكتمال‭ ‬أو‭ ‬النزوع‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬جوهرى‭ ‬لا‭ ‬ترتوى‭ ‬الروح‭ ‬إلا‭ ‬بتحققه‭ ‬أو‭ ‬وجوده،‭ ‬فنرى‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬منتظرة‭ ‬انتفاضة‭ ‬المعاجم‭ ‬وكأن‭ ‬اللغة‭ ‬قد‭ ‬خمدت‭ ‬أو‭ ‬همدت‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬اجتاحتها‭ ‬قوات‭ ‬جمدتها‭ ‬أو‭ ‬سيطرت‭ ‬عليها،‭ ‬ولهذا‭ ‬يقول‭: ‬شرطة‭ ‬يسكنون‭ ‬اللغات‭/ ‬يطلقون‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬الأفعال‭ ‬المضارعة‭/ ‬ويبنون‭ ‬معسكراتهم‭ ‬فى‭ ‬الإضافة‭). ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬هنا‭ ‬تنتظر‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضة‭ ‬التى‭ ‬ترى‭ ‬فيها‭ ‬تحققها،‭ ‬إنه‭ ‬نزوع‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬جديدة،‭ ‬لغة‭ ‬بكر،‭ ‬ولهذا‭ ‬يبتهل‭ ‬الشاعر‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬أخرى‭ ‬قائلا‭: ‬يا‭ ‬الله‭/ ‬ارزقنا‭ ‬انتفاضة‭ ‬المعاجم‭). ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬الانتظار‭ ‬تبدو‭ ‬مهيمنة‭ ‬أو‭ ‬أقرب‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬روحا‭ ‬عامة‭ ‬ممتدة‭ ‬لدى‭ ‬الشاعر،‭ ‬فهو‭ ‬ينتظر‭ ‬المرأة‭ ‬التى‭ ‬تكتمل‭ ‬بها‭ ‬أنوثة‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬تظل‭ ‬أنوثة‭ ‬العالم‭ ‬ناقصة‭ ‬بدونها،‭ ‬وينتظر‭ ‬حرية‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬مختلف،‭ ‬يتوق‭ ‬إلى‭ ‬المطلق‭ ‬والمثالى‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يحده‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬التصور‭ ‬بعد،‭ ‬فالجنة‭ ‬نفسها‭ ‬سجن‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬فسيحة‭ ‬الحدائق‭ ‬والأنهار،‭ ‬وكل‭ ‬علاقة‭ ‬هى‭ ‬قيد‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬علاقة‭ ‬الانعتاق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تنتظره‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬بروح‭ ‬قلقة‭ ‬أيضا‭. ‬

جماليات‭ ‬الشعر‭ ‬غالبا‭ ‬بل‭ ‬الأحرى‭ ‬أنها‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬المعنى‭ ‬أو‭ ‬القضية،‭ ‬حتما‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬رونق‭ ‬الشعر‭ ‬إلا‭ ‬بالجديد‭ ‬من‭ ‬المعانى‭ ‬والتماس‭ ‬مع‭ ‬آفاق‭ ‬طازجة‭ ‬له،‭ ‬وبرؤية‭ ‬خاصة‭ ‬ومغايرة،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬البهاء‭ ‬القولى‭ ‬وما‭ ‬يمنحه‭ ‬الصفة‭ ‬الأدبية‭ ‬إنما‭ ‬يكون‭ ‬غالبا‭ ‬متجسدا‭ ‬فى‭ ‬البنية‭ ‬والشكل‭ ‬والإيقاع،‭ ‬بالصورة‭ ‬واللغة‭ ‬المغايرة‭ ‬فى‭ ‬أنساقها‭ ‬التكوينية‭ ‬أو‭ ‬النحوية،‭ ‬فى‭ ‬التقديم‭ ‬والتأخير‭ ‬والتقسيم‭ ‬أو‭ ‬التناسب‭ ‬التركيبى‭ ‬والتماسك‭ ‬فى‭ ‬الجمل‭ ‬والتناسق‭ ‬فى‭ ‬المفردات،‭ ‬والتناغم‭ ‬الصوتى‭ ‬أحيانا،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السمات،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬نلمح‭ ‬مثلا‭ ‬فى‭ ‬سمات‭ ‬التركيب‭ ‬النحوى‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬الابتداء‭ ‬أو‭ ‬الجملة‭ ‬الاسمية‭ ‬المتحررة‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬والتى‭ ‬تطرح‭ ‬معانيها‭ ‬كأنها‭ ‬بديهيات‭ ‬توصلت‭ ‬إليها‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬وصارت‭ ‬لديها‭ ‬يقينا،‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭:‬

البيت‭ ‬ضريح‭ ‬بباب

الباب‭ ‬لحظة‭ ‬سجن،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬حرية‭.‬

الضريح‭ ‬بيت‭ ‬بلا‭ ‬باب

والباب‭ ‬غاية‭ ‬السجن‭ ‬وغاية‭ ‬الحرية‭.‬

فهذه‭ ‬الجمل‭ ‬المشحونة‭ ‬بالبراءة،‭ ‬وليست‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬التأكيد‭ ‬أو‭ ‬القصر‭ ‬أو‭ ‬الاستثناء،‭ ‬بل‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬بوصفها‭ ‬مسلمة‭ ‬أو‭ ‬حقيقة‭ ‬بديهية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬انقلب‭ ‬الشاعر‭ ‬نفسه‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬حالا‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬والشعرى‭ ‬ويجعلها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬العامة‭ ‬الممتدة‭ ‬فى‭ ‬القصيدة،‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬تطرح‭ ‬تصوراتها‭ ‬عما‭ ‬حولها،‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬والأبواب،‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والقيود‭ ‬والسجن‭ ‬والأضرحة‭. ‬فتطرح‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬معانى‭ ‬هاجسيّ‭ ‬أو‭ ‬يجوس‭ ‬بخيالها‭ ‬وخاطرها‭ ‬بلا‭ ‬مقدمات‭ ‬وبأبسط‭ ‬التراكيب،‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬تصورى‭ ‬ما‭ ‬يمنحه‭ ‬القوة‭ ‬والتحقق‭ ‬فيصير‭ ‬يقينا‭. ‬يقول‭: (‬الباب‭ ‬لحظة‭ ‬سجن‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬حرية‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬انتباه‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬الحقائق‭ ‬وامتزاجها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معه‭ ‬الفصل‭ ‬بينها،‭ ‬فالباب‭ ‬هو‭ ‬الاحتمال‭ ‬للغلق‭ ‬فيكون‭ ‬سجنا‭ ‬والاحتمال‭ ‬للفتح‭ ‬فيكون‭ ‬مؤشرا‭ ‬للحرية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬المعنى‭ ‬بالأساس‭ ‬حاصلا‭ ‬فيه‭ ‬دون‭ ‬تقيد‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الغلق‭ ‬أو‭ ‬الفتح،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬علامة‭ ‬أقرب‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬دائما‭ ‬مزدوجة‭ ‬الدلالة،‭ ‬فيها‭ ‬الشيء‭ ‬ونقيضه‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها‭. ‬

‭>>>‬

تبدو‭ ‬الذات‭ ‬الشاعر‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬وفى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القصائد‭ ‬الأخرى،‭ ‬مدفوعة‭ ‬بجموح‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬الأشياء‭ ‬وضبط‭ ‬القيم‭ ‬والمعانى‭ ‬والمفاهيم‭ ‬وفق‭ ‬منطقها‭ ‬الخاص،‭ ‬وفق‭ ‬شعورها‭ ‬ورؤيتها،‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬فى‭ ‬قصيدة‭ ‬لا‭ ‬باب‭ ‬للبيت‭:‬

الموت‭ ‬تكسُّر‭ ‬المعاني

وتلاشى‭ ‬السجن‭ ‬بحرية‭ ‬سوداء

الموت‭ ‬توقف‭ ‬المفاهيم‭ ‬عن‭ ‬دلالاتها

والدلالات‭ ‬عن‭ ‬إشاراتها

والرموز‭ ‬عن‭ ‬حضورها

فهو‭ ‬يعيد‭ ‬تعريف‭ ‬الموت‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬يكتشف‭ ‬المتلقى‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يتحقق‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الفهم‭ ‬التقليدى‭ ‬أو‭ ‬الصيغة‭ ‬القديمة‭ ‬الراسخة،‭ ‬فالموت‭ ‬هو‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬التى‭ ‬يصفها‭ ‬من‭ ‬التعطل‭ ‬وافتقاد‭ ‬الأشياء‭ ‬لفاعليتها‭ ‬وقدراتها،‭ ‬أن‭ ‬تتكسر‭ ‬المعاني،‭ ‬ويتلاشى‭ ‬السجن،‭ ‬ولكن‭ ‬المفارقة‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬بحرية‭ ‬سوداء،‭ ‬فلا‭ ‬يدرى‭ ‬المتلقى‭ ‬أيهما‭ ‬أفضل،‭ ‬السجن‭ ‬أم‭ ‬تلاشيه‭ ‬لكن‭ ‬بحرية‭ ‬سوداء،‭ ‬وهى‭ ‬حال‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬يسكن‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬يتحقق‭ ‬بها،‭ ‬ثم‭ ‬يكون‭ ‬الشاعر‭ ‬أكثر‭ ‬صراحة‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬التعطل‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬الموت‭ ‬توقف‭ ‬المفاهيم‭ ‬عن‭ ‬دلالاتها‭ ‬والدلالات‭ ‬عن‭ ‬إشاراتها‭.. ‬إلخ،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬فعل‭ ‬التوقف‭ ‬المسند‭ ‬لهذه‭ ‬الفواعل‭ ‬صريح‭ ‬فى‭ ‬تصويره‭ ‬الاستعارى‭ ‬للتعطل‭ ‬والجمود،‭ ‬ولا‭ ‬يعنى‭ ‬الموت‭ ‬بشكل‭ ‬حرفى‭ ‬أو‭ ‬بدلالاته‭ ‬التقليدية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬أن‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬إنما‭ ‬اكتشفت‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التعطل‭ ‬والجمود‭ ‬صورا‭ ‬أخرى‭ ‬للموت‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬المتلقى‭ ‬عارفا‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬يحسها،‭ ‬وهنا‭ ‬تكون‭ ‬الإضافة‭ ‬الممتعة‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬السبيل‭ ‬الذهنية‭ ‬أو‭ ‬العقلية‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬قصائد‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬خطين‭ ‬واضحين‭ ‬من‭ ‬الجموح‭ ‬العاطفى‭ ‬الموازى‭ ‬للنزعة‭ ‬العقلية‭ ‬والفكرية‭ ‬التى‭ ‬تتجلى‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬التى‭ ‬يقارب‭ ‬فيها‭ ‬النص‭ ‬الشعرى‭ ‬مسألة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬يصنع‭ ‬تماسكه‭ ‬وترابطه‭ ‬الدلالى‭ ‬عبر‭ ‬منطق‭ ‬حجاجي،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المواضع،‭ ‬وليست‭ ‬النزعة‭ ‬العقلية‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬عيبا‭ ‬فى‭ ‬الشعر‭ ‬مادامت‭ ‬مشربة‭ ‬بقوة‭ ‬العاطفة‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬النابض‭ ‬والجامح‭ ‬أو‭ ‬المتفاوت‭ ‬فى‭ ‬إيقاعه،‭ ‬والتجاور‭ ‬أمر‭ ‬حتمى‭ ‬لأنه‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬النوازع‭ ‬الطبيعية‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬الذى‭ ‬يتشكل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬فصل‭ ‬تام‭ ‬بين‭ ‬العاطفة‭ ‬والعقل‭ ‬والفكر،‭ ‬بل‭ ‬تتجلى‭ ‬كلها‭ ‬متلبسة‭ ‬ببعضها‭ ‬وفى‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬والتحول‭ ‬أو‭ ‬التماوج‭ ‬بينهما،‭ ‬ويكون‭ ‬النص‭ ‬الشعرى‭ ‬ذا‭ ‬مساحة‭ ‬وفضاء‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬إشباع‭ ‬مشارب‭ ‬ونوازع‭ ‬عدة‭. ‬

وتتفاوت‭ ‬نصوص‭ ‬الديوان‭ ‬فى‭ ‬طولها‭ ‬أو‭ ‬امتداد‭ ‬فضائها‭ ‬القولي،‭ ‬بحسب‭ ‬الحال‭ ‬الشعورية‭ ‬أو‭ ‬النفسية‭ ‬التى‭ ‬يقاربها،‭ ‬بين‭ ‬نصوص‭ ‬قصيرة‭ ‬خاطفة‭ ‬وأخرى‭ ‬طويلة‭ ‬ممتدة‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الجموح‭ ‬والاندفاع‭ ‬القولى‭ ‬بحماسة‭ ‬لا‭ ‬تفتر‭ ‬أو‭ ‬مدفوعة‭ ‬بدلالات‭ ‬ثقيلة‭ ‬شحنت‭ ‬النفس‭ ‬بها‭ ‬وهكذا‭ ‬تلبست‭ ‬أو‭ ‬تجسدت‭ ‬فى‭ ‬قول‭ ‬شعرى‭ ‬يبدو‭ ‬الشاعر‭ ‬مجبرا‭ ‬عليه‭. ‬وهناك‭ ‬نصوص‭ ‬طويلة‭ ‬فيها‭ ‬روح‭ ‬سردية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الامتداد‭ ‬بما‭ ‬يقترب‭ ‬نسبيا‭ ‬من‭ ‬الشكل‭ ‬الملحمى‭ ‬أو‭ ‬حوارات‭ ‬ممتدة‭ ‬وربما‭ ‬مشاهد‭ ‬حوارية‭ ‬كاملة،‭ ‬طرفها‭ ‬الشاعر‭ ‬وذات‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مؤنسنة‭ ‬مثلما‭ ‬أنطق‭ ‬الثوب‭ ‬فى‭ ‬مرة‭ ‬آمرا‭ (‬لا‭ ‬تغنوا‭) ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬الموت‭ ‬يبكي،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬والحوارات‭ ‬الممثلة‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬مصطنعة‭ ‬للأشياء‭. ‬

‭>>>‬

ومن‭ ‬أجمل‭ ‬قصائد‭ ‬هذا‭ ‬الديوان‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬يقارب‭ ‬فيها‭ ‬حالة‭ ‬التعطل‭ ‬ويشير‭ ‬بالرمز‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬العرب‭ ‬الحضارية‭ ‬وأنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬عالقين‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬وربما‭ ‬الأجمل‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الطابع‭ ‬السردى‭ ‬أو‭ ‬النزعة‭ ‬الدرامية‭ ‬التى‭ ‬دعمت‭ ‬الرمزية‭ ‬فى‭ ‬القصيدة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬فى‭ ‬الخاتمة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬بازخة‭ ‬بالجمال‭ ‬الأدبى‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التلميح‭ ‬بخطورة‭ ‬هذا‭ ‬التعطل‭ ‬وبقاء‭ ‬طائرتهم‭ ‬عالقة‭ ‬بهذه‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬وحتمية‭ ‬شد‭ ‬الأحزمة،‭ ‬بما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬حال‭ ‬شعرية‭ ‬متكاملة‭ ‬فى‭ ‬جمال‭ ‬رمزها‭ ‬ومنطقيتها‭ ‬وتفاعل‭ ‬الكلامى‭ ‬أو‭ ‬الصوتى‭ ‬مع‭ ‬الدرامي،‭ ‬فى‭ ‬إيقاع‭ ‬شعرى‭ ‬متناغم‭ ‬ومحكم‭ ‬ودون‭ ‬أدنى‭ ‬ترهلات،‭ ‬ليعكس‭ ‬حال‭ ‬الجمود‭ ‬والخطر‭ ‬والتعطل‭ ‬فى‭ ‬بلاغة‭ ‬عظيمة‭ ‬جديرة‭ ‬بالتأمل‭ ‬وتصوير‭ ‬طريف‭ ‬وخاص‭ ‬يصبح‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬شعر‭ ‬على‭ ‬الشلاه‭ ‬وأسلوبه‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬شعريته‭ ‬ولكن‭ ‬نزعته‭ ‬الفكرية‭ ‬وقدر‭ ‬انشغاله‭ ‬بالمصير‭ ‬الحالى‭ ‬للعرب‭ ‬ومشاكلهم‭ ‬الحضارية‭. ‬وربما‭ ‬نلاحظ‭ ‬بسهولة‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬التعطل‭ ‬والجمود‭ ‬حاضرة‭ ‬هنا‭ ‬بثقلها‭ ‬وجسومها‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬الشاعر‭ ‬وعاطفته‭ ‬ولكنه‭ ‬تمثلها‭ ‬بشكل‭ ‬جمالى‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬أشكالها‭ ‬وتجلياتها‭ ‬فى‭ ‬نصوص‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الديوان‭.‬

ومن‭ ‬القصائد‭ ‬المهمة‭ ‬كذلك‭ ‬قصيدة‭ ‬ارتباك‭ ‬التى‭ ‬ترتبط‭ ‬بالسياق‭ ‬ذاته‭ ‬ولكن‭ ‬وفق‭ ‬تجل‭ ‬مغاير‭ ‬نفسيا‭ ‬وأدبيا،‭ ‬فالتعطل‭ ‬والجمود‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬يأتى‭ ‬فى‭ ‬العاطفة‭ ‬والحب،‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬الفرص‭ ‬الكثيرة‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عنها‭ ‬الأنثى‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬حين‭ ‬تتحدث‭ ‬للشاعر‭ ‬وتطالبه‭ ‬بأن‭ ‬يأخذها‭ ‬ولا‭ ‬يسأل،‭ ‬أى‭ ‬ينتهبها‭ ‬دون‭ ‬سؤال‭ ‬أو‭ ‬يؤجل‭ ‬سؤاله،‭ ‬هذا‭ ‬التحريض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الذات‭ ‬المتحدثة‭/‬المؤنثة‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬الشعرى‭ ‬إنما‭ ‬بالأساس‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لدى‭ ‬الذات‭ ‬المخاطبة‭/ ‬المذكر‭ ‬من‭ ‬انتظار‭ ‬واستكانة‭ ‬وتخاذل‭ ‬ربما،‭ ‬فالتحريض‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬الفاعلية‭ ‬أو‭ ‬كونها‭ ‬مؤجلة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

والحقيقة‭ ‬هو‭ ‬ديوان‭ ‬ثرى‭ ‬وفيه‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬بحثه‭ ‬ودرسه‭ ‬وتأمله‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬سواء‭ ‬الدلالات‭ ‬أو‭ ‬الصور‭ ‬أو‭ ‬القيم‭ ‬الجمالية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬السرد‭ ‬وحالات‭ ‬الذات‭ ‬الشاعرة‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالوجود‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭.‬

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة