الأب ونجليه
فى النخيلة .. أب ونجليه دفعوا ثمن مرورهم أمام منزل خصومهم
الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 02:54 م
محمود مالك
..كان السؤال الذي يلوح في الأفق منذ الإعلان عن القبض على «عزت حنفي» ورجاله في مارس من عام٢٠٠٤ حتى إعدامه وشقيقه «حمدان» في يونيو ٦٠٠٢ داخل سجن برج العرب بالإسكندرية.. هل انتهت أسطورة الدم في قرية النخيلة؟
الإجابة للأسف كانت لا.. لأن «عزت حنفي» أورث الكثير من أهالي وعائلات النخيلة بمركز أبو تيج بميراث الدم، وجعل أتفه خصومة بين عائلتين تنتهى بالقتل حتى ولو مجرد المرور من شارع محظور عليك المرور به لأسباب ثأرية وهذا ما حدث حرفيا في تلك الواقعة.
يقع بيت "جابر درويش" أحد أفراد عائلة "العريان" في شارع كل سكانه من أفراد عائلته، وليس بينهم أي شخص من عائلة أخرى.
والمعروف عن عائلة "العريان" أنهم في خصومة ثأرية مع عائلة "عمار"، وأن تلك الخصومة انتهت بجلسة صلح وهدنة، تقتضي بألا يمر أي شخص من عائلة "عمار" من أمام بيوت عائلة "العريان"، والعكس صحيح، ألا يمر أي شخص من عائلة "العريان" من أمام بيوت عائلة "عمار".
وعلى هذه الشروط بدأت بين العائلتين فترة زمنية كبيرة كان الهدوء عنوانها، لكن لأن الهدوء ليس موجودًا في قاموس العائلتين، أو في أي عائلة أخرى من عائلات النخيلة، توقع الكثير أن حالة السلم هذه ستنتهي، وهو ما جعل العائلتين على أتم الاستعداد للتعامل مع أي خرق لبنود الصلح، والذي يعد بمثابة إعلان الحرب بينهما من جديد وهو ما حدث.
قبل فجر الخميس الماضي، استيقظ "جابر درويش" وولديه الاثنين "أحمد" و "محمد". ارتدى الثلاثة ملابسهم وخرجوا يتابعون عملهم في الأرض، وأثناء وقوفهم أمام بيتهم ينتظرون من سيأتي معهم، لمحوا أفرادًا من عائلة "عمار" يمرون من أمام بيوتهم، وهذا يُعد في عاداتهم وتقاليدهم القبلية والتي تسودها العصبية إعلان حرب، وهو ما كان.
مشاجرة
اعترض أبناء "جابر درويش" على مرور خصومهم من أمام منزلهم، في تلك المنطقة المحظور المرور منها على أي شخصً من عائلة "عمار"، ومع اعتراضهم هذا، حصلت مشادة كلامية تحولت إلى تشابك بالأيادي بين "جابر درويش" ونجليه "محمد وأحمد" وبين هؤلاء الأشخاص الذين مروا من أمام بيتهم.
احتدم الخلاف، ومن مشاجرة كلامية أصبحت مشاجرة بالعصي والشوم، وعلى اصوات المشاجرة استيقظ الكثير من أهالي النخيلة على أصوات مفزعة كتلك الأصوات التي اعتادوا سماعها وقت مشاجرات "عزت حنفي" ومن بعده.
كان الوضع صعبًا، وأصوات صرخات النساء نذير خطر، ودموع الأطفال مستمرة ولاح في الأفق لون الدم وهو ما جعل الكثير من أهالى القرية يركضون نحو المشاجرة في محاولة لتهدئة الوضع قبل تفاقمه، وقبل أن تعود "ريمة" لعادتها القديمة.
لكن الأهالي لم يسعفهم الوقت لإنهاء المشاجرة قبل تفاقمها وظلت المشاجرة قائمة، وتزداد شيئا فشيئا، كنار يوضع فيها من حين لآخر حطب، فتزداد اشتعالا، وتزداد التهابًا، وتلتهم نيرانها ضحايا جدد كل فترة.
ضرب ولدا "جابر درويش" أفراد عائلة "عمار" بالعصي والشوم، مما جعل أحد أفراد عائلة "عمار" يطير جريًا إلى منزله، ومن هناك حمل بندقيته وخرج بها من منزله قاصدًا بيت "جابر درويش"، وما أن وقف أمام البيت حتى أمطر كل الموجودين بوابل من الرصاص وجعل من هذا الخلاف مجزرة، سقط على إثرها "جابر درويش" ونجليه "أحمد ومحمد".
وابل من الرصاص ينهال على منزل "جابر درويش" تسبب في مقتل الأب ونجليه، ليسقط ثلاثتهم صرعى برصاصات أبناء "عامر" في الحال، وتتحول أجسام الأب ونجليه لجثث مزقها الرصاص.
مسلسل الدم
بدأ مع تلك المجزرة فصل جديد من فصول الدم، لن ينتهي بضبط الجناة ولا حبسهم، وحتى بعد أن تأخذ عائلة "العريان" ثأرهم من عائلة "عمار" لن تنتهي المجزرة، بل هي حلقة تلو حلقة، ومسلسل لا تنتهي حلقاته، والتتر عبارة عن دم، والذين يمثلون فيه راحلون، وفي كل حلقة قتلى تاركين أمهات ثكلى وأطفال يتامى.
الإجابة عن هذا السؤال الذي طرحناه في البداية، بعيدًا كل البعد عن أحلام الصغار في غدٍ أفضل، وكأنها لعنة، أصيبت بها النخيلة، جعلت اشتياق عائلاتها للدم اشتياقهم إلى الطعام. وجعلت من القتل طريقًا سهلا، السير فيه لا يحتاج إلا سلاح ناري، والضغط على الزناد أسهل ما فيه والقتلى.. كل القتلى.. حلقات مستمرة.
وبات حلم الأطفال في مكان آمن بمثابة حلم يستحيل تحقيقه، في بيئة كهذه حملت إرث"عزت حنفي" بكل ما فعله وجاء به.
انتهت المشاجرة بسقوط الضحايا وهروب الجناه وبقى الوضع كما هو عليه، عائلة رجالها هاربة، وعائلة ترفض إقامة سرادق عزاء لموتاهم. حتى يحين الموعد، ويأخذون ثأرهم.
كردون أمني
في سياق متصل، تلقى اللواء دكتور عمر السويفي مدير أمن أسيوط إخطارًا من اللواء وائل نصار مدير إدارة البحث الجنائى بورود بلاغ من أهالي قرية النخيلة، مركز شرطة أبوتيج، بإطلاق أعيرة نارية أسفرت عن مقتل أب ونجليه.
على الفور تم تشكيل فريق بحث تحت إشراف العميد أحمد البديوي رئيس مباحث المديرية، وبرئاسة الرائد أحمد صلاح رئيس مباحث المركز ومعاونيه.
وبالانتقال إلى مسرح الجريمة، وبإجراء المعاينة والتحريات؛ تبين مقتل جابر درويش، ونجليه "أحمد" و"محمد"، ينتمون لعائلة "عريان"، إثر تجدد خصومة سابقة مع احد أفراد عائلة "عمار" وبعد مشاجرة بالعصي والشوم، قام أفراد عائلة "عمار" بإطلاق أعيرة نارية مما تسبب في مقتل المجني عليهم، وتم فرض كردون أمني بالقرية، ونقل المجني عليهم إلى مستشفى صدفا المركزي.
تحرر محضر بالواقعة وجار العرض على النيابة العامة لتباشر التحقيقات وسرعة ضبط المتهمين الذين لاذوا بالهروب من موقع الحادث بعد إطلاق النيران وتجري أجهزة البحث تضييق الخناق للقبض عليهم.
انتهت الواقعة ومنها ستبدأ وقائع جديدة، وسيسقط ضحايا جدد، ولون الدم ما زال يسود في هذه القرية الملعونة.