قوات أحمد مسعود
وادي بنجشير.. هل يكون مقبرة طالبان؟!
الأحد، 19 سبتمبر 2021 - 03:01 م
تقرير يكتبه: عمرو فاروق
..رغم الحديث عن سقوط وادي بنجشير، مازالت الأوضاع مشتعلة بين قوات أحمد مسعود، وحليفه نائب الرئيس الأفغاني أمر الله صالح، الذي نصب نفسه رئيسًا شرعيًا لأفغانستان، ووحدات الجيش الأفغاني، وبين حركة طالبان المسيطرة فعليًا على الساحة الأفغانية بالكامل، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، بعد انسحاب قواتها التي ظلت لأكثر من 20 عامًا وفقًا لاتفاق تم بالعاصمة الدوحة في 29 فبراير 2020.
تتكون جبهة المقاومة الأفغانية من جنود وقادة وطيارين رفضوا الاستسلام، عندما اجتاحت طالبان كل الولايات الأخرى في أفغانستان، إذ تمكنوا من شق طريقهم إلى وادي بنجشير، شمال شرق كابول، على رأسهم وزير الدفاع الجنرال بسم الله خان محمدي الذي قاتل ضد طالبان في عهد مسعود، وكانت بنجشير معقلاً للمقاومة المناهضة للسوفيت في الثمانينيات، والمقاومة المناهضة لطالبان في التسعينيات، وظلت بعيدة عن سيطرة طالبان حتى دخول القوات الأمريكية وسقوط طالبان.
عمل مسلحو جبهة المعارضة على تعزيز الدفاعات الطبيعية للوادي المتمثلة في الجبال الشاهقة والمداخل الضيقة، من خلال تأمين مخابئ المدافع الرشاشة وقذائف الهاون وأكياس الرمال، في نقاط استراتيجية تطل على الوادي تحسبًا لهجوم طالبان.
يقع «وادي بنجشير» (وتعني خمسة أسود باللغة الفارسية) على بعد 130 كيلومترا شمال شرقي العاصمة كابول، بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية، ومحاط بالجبال الشاهقة، وتبلغ مساحته 3610 كيلو متر مربع، وعدد سكانه 173 ألف نسمة وغالبيتهم من قومية الطاجيك التي ينتمي إليها أحمد مسعود أيضًا.
يعود السبب الرئيسي في عدم قدرة طالبان على بناء قاعدة جماهيرية لها في»وادي بنجشير»، إلى كون غالبية أنصار الحركة ينتمون إلى قومية البشتون، و لذلك، لم تلقَ طالبان ترحيبًا في هذه المنطقة.
التاريخ يعيد نفس رواية المعارضة المسلحة ضد حركة طالبان، بتولي زمامها أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود مؤسس «قوات تحالف الشمال»،التي شاركت بشكل مباشر في إسقاط طالبان عام 2001، تحت مظلة الإدارة الأمريكية حينها، إذ ظل صامدًا أمام كثير من الصعاب حتى لقي حتفه في تفجير لتنظيم القاعدة قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001.
كان «تحالف قوات الشمال» بوادي بنجشير، الذي أسسه شاه مسعود، يمثل أكثر من 30 % من سكان الأفغانستان، وتم دعمه من قبل الولايات المتحدة، بهدف السيطرة على كابول والإطاحة بطالبان من السلطة بعد أحداث 11 سبتمبر التي نفذتها القاعدة وراح ضحيتها 3000 أمريكي.
لم يتردد أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود في توجيه نداء عاجل لواشنطن وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، لدعمه بالمال والسلاح للوقوف أمام طالبان ومحاولتها في فرض إرادتها المطلق وتوجهاتها الفكرية والمذهبية بقوة السلاح على التراب الأفغاني.
وأضاف أحمد مسعود؛ «ما زال بإمكان أمريكا أن تكون ترسانة كبيرة للديمقراطية» عبر دعم مقاتليه «الذين أصبحوا مستعدين مرة أخرى لمواجهة (طالبان)».
وأوضح أحمد مسعود في مقالته: «أن أفرادًا من الجيش الأفغاني؛ بمن فيهم بعض من «وحدات الصفوة» من القوات الخاصة، هبوا لنصرته، وناشد الغرب تقديم يد المساعدة. وأضاف: «لدينا مخازن ذخيرة وأسلحة جمعناها بصبر منذ عهد والدي؛ لأننا كنا نعلم أن هذا اليوم قد يأتي»،.وتابع: «إذا شن أمراء طالبان هجومًا؛ فإنهم سيواجهون بالطبع مقاومة شديدة من جانبنا».
يتمتّع أحمد مسعود بخبرة عسكرية نظرًا لدراسته في أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية الملكية البريطانية، وحصوله على درجة علمية في دراسات الحرب من جامعة «كينغز كوليدج» البريطانية، ودرجة الماجستير في السياسة الدولية من جامعة «سيتي» في لندن، ما جعله مستهدفًا من قبل «طالبان»، التي حاولت خلال الأيام الماضية تحييده وتفكيك جبهته المسلحة تحت نشر شائعات تفيد مبايعته للحركة مقابل موافقتها على مشاركته في تشكيل الحكومة الجديدة.
الكثير من التقارير تشير إلى وجود ما يزيد على 8 آلاف مسلح، من فلول وحدات الجيش والقوات الخاصة وكذلك مجموعات الميليشيات المحلية، تجمعوا في وادي بنجشير، ينتمي غالبيتهم إلى القوات الخاصة الأفغانية، المعروفة بـ «الكوماندوس»، التي تقدر بنحو 20 ألف مقاتل، من إجمالي 300 ألف مُقاتل، يمثلون مجموع أفراد الجيش الأفغاني، وتحت يدهم 20 قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى بعض الطائرات الهليكوبتر والمركبات العسكرية.
خاضت القوات الخاصة الأفغانية مئات المواجهات ضد حركة طالبان، وتشير التقديرات الغربية إلى أن 80 % من المواجهات الميدانية بينهما، أدت لهزيمة مقاتلي حركة طالبان، لاسيما في السنوات الثلاث الأخيرة، بعدما اكتسبت هذه القوات خبرات متتالية منذ العام 2007، وقت تأسيسها، وأن عملية سقوط كابول جاءت نتيجة خيانة، وليس هزيمة للقوات العسكرية والأمنية.
يتمتع أفراد الجيش الأفغاني، بالكثير من الخبرات والتدريبات التي تلقوها على يد القوات الأمريكية، على مدار أكثر من 20 عامًا، بجانب الفرق الخاصة المعنية بمجال الاتصالات والحرب عبر الطائرات المُسيرة والأسلحة الحرارية.
توقعت التقارير الغربية العسكرية صمود المعارضة الأفغانية المسلحة في حال تعثر الأزمات بينها وبين حركة طالبان، وتمكنهم من الحصول على دعم لوجيستي الذي يصعب سقوط وادي بنجشير في يد الحركة، مثلما تعثر سقوطها في التسعينات، لا سيما أن المعركة الميدانية ستكون متمركزة في نمط «حرب العصابات»،وليس استراتيجية الجيوش النظامية.
اتخذت طالبان عدة قرارات أهمها تشكيل مجلس لإدارة الدولة الأفغانية كنوع من تصدير حالة المشاركة السياسية أمام دوائر صنع القرار العربي والغربي، بينما رفضت مشاركة كل من الجنرال، عبد الرشيد دوستم، والجنرال محمد نور، والممثلين عن أمراء الرحب الأفغان، لما لهما من تاريخ طويل في مكافحة حركة طالبان، على مدار السنوات الماضية.
كما عينت الحركة كلا من جول أغا سيكون وزيرًا للمالية، وصدر إبراهيم وزيرًا للداخلية، ونجيب الله لرئاسة المخابرات،والملا شيرين، حاكمًا على كابول، وحمد الله نعماني، محمد إدريس، رئيسًا لمصرف أفغانستان .
مازالت مصادر تمويل حركة طالبان مثيرة للشك والريب لاسيما في ظل قيام موقع «ناشونال إنترست» الأمريكي المعني بالشئون العسكرية والاستراتيجية، بنشر تقرير حول المصادر الـ6 للحركة والتي تنحصر في تجارة المخدرات وفرض الضرائب، واستخراج المعادن، وغسيل الأموال التبرعات والعقارات.
ويضيف الموقع أنه، خلال السنوات العشرين الماضية، تزايدت ثروة مسلحي طالبان، خاصة بعد سقوط نظامها عام 2001، إثر الغزو الأمريكي، وأنه في السنة المالية التي انتهت في مارس 2020، حقتت طالبان عائدات وصلت إلى 1.6 مليار دولار، وفق تقرير سري في الحركة تسرب لوسائل الإعلام.
وأشار الموقع إلى أن الأمم المتحدة، أكدت في تقرير المخدرات الذي صدر عام 2020، أن أفغانستان شكلت نحو 84 % من إجمالي إنتاج الأفيون العالمي، خلال السنوات الخمس الأخيرة ، وأن أرباح هذه المخدرات ذهبت لحركة طالبان، التي تدير زراعة الأفيون في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لاسيما أنها تفرض ضريبة تصل إلى 10 % على كل مرحلة من مراحل إنتاج الأفيون، وأن خزينة طالبان، تكسبت أكثر من 400 مليون دولار من تجارة الأفيون فقط.
وأضاف الموقع الأمني، أن طالبان تقوم بعمليات غسيل الأموال، من خلال الاستيراد والتصدير، وفق مجلس الأمن الدولي الذي قال؛ إن الحركة تعمل تحت ستار سلسلة شركات «نورزاي براذرز المحدودة»، التي تستورد قطع السيارات وتبيع السيارات المعاد تجميعها، وأن عائدات الحركة وصلت إلى 240 مليون دولار في سنة واحدة من وراء الاستيراد والتصدير، وأن مكاسب الحركة السنوية من التبرعات والضرائب، بلغت أكثر من 450 مليون مليون دولار.
ويوضح المراقبون،أن الجماعات الأصولية المسلحة، اعتبرت وصول طالبان للحكم جاء نتيجة لثمرة كفاحها على مدار 20 عامًا، رغم أن طالبان سارعت إلى طمأنة الجميع، بأنها لن تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية، في أنشطة مضادة لدول أخرى.
الكثير من التقارير الأممية وثقت استمرار العلاقة طالبان بتنظيم القاعدة، رغم الاتفاق الذي تم بين الحركة والإدارة الامريكية في الدوحة، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر في حزيران يونيو 2021 ، فإن أعدادًا كبيرة من قيادات تنظيم «القاعدة»، وعناصر إرهابية أخرى متحالفة مع «طالبان» موجودين في أجزاء مختلفة من أفغانستان واحتفلوا بخروج القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي من البلاد باعتباره انتصار.