أكاد أن أجزم بأن حكومتنا الرشيدة تقدمت إلي البرلمان ببيانها وهي مطمئنة تماماً وتبتلع في بطنها بطيخة صيفي بحالها. فقد أدركت بحسابات السياسة، ومعطيات الواقع أنها «حكومة ضرورة»، وأن البرلمان بكل هيلمانه لا يملك محاسبتها حساب الملكين ولن يجرؤ علي عدم تمرير بيانها رغم كل الثقوب التي اعترته ومن ثم فإنه لن يحرمها من ثقته وإلا فإن الثمن سيكون باهظاً. ببساطة لأن عدم منحها الثقة سيؤدي تلقائياً إلي حل البرلمان ودعوة أكبر الكتل السياسية لتشكيل حكومة جديدة وتولي المسئولية بدلاً منها. وقد أدركت حكومة المهندس شريف اسماعيل أن كل القوي السياسية بقضها وقضيضها لاتقوي علي القيام بهذه المهمة فلاهي جاهزة بالرؤية ولا بالكوادر والخبرات رغم صوتها العالي ونفوذها السياسي وقدرتها علي الضغط والابتزاز. لكل ذلك جاءت النتائج في جلسة البرلمان الأخيرة مخالفة تماماً لكل المقدمات التي صاحبت مناقشة بيان الحكومة من انتقادات لاذعة واتهامات بغياب الرؤية وعدم الانحياز للفقراء، فخرج التصويت بما يقترب من الإجماع علي تمرير البيان ومنح الثقة للحكومة. كل ما أخشاه أن تكون كل هذه الانتقادات التي قرأنا عنها ليست سوي موجات للتنفيث عن غضب مكتوم وإحساس بالعجز السياسي والفقر التنظيمي لدي الكتل البرلمانية، وأن الحكومة لن تأخذ الانتقادات التي سجلها النواب علي بيانها مأخذ الجد وهي موقنة بأن البرلمان غير جاهز بآلية محكمة لمحاسبتها، وكل الخوف أن يمتد العجز البرلماني عن محاسبة الحكومة إلي ما هو آتٍ من استجوابات أو طلبات إحاطة أو أسئلة قد تتحول إلي «شو» برلماني أجوف. من الضروري إذاَ أن يطور البرلمان أدواته في مراقبة الحكومة ومحاسبة أعضائها ولو بشكل فردي، فمايزال بمقدوره سحب الثقة من أي وزير يثبت خطؤه، أو تقصيره في أداء المهام الملقاة علي عاتقه دون أن يضطر لإسقاط الحكومة بأكملها أو يحل نفسه. كما أنه ما يزال علي القوي السياسية والأحزاب والكتل البرلمانية أن تنحي مصالحها الآنية وتتفرغ لإعداد الدراسات وتجهيز الحلول البديلة لمشاكل الوطن وتربية الكوادر السياسية القادرة علي مجابهة الحلول البالية والعاجزة التي تنتقد الحكومة علي تقديمها، وأن يتجاوز سقف تطلعاتها الحصول علي أكبر عدد من المقاعد النيابية دون ان يكون لديها الكفاءات القادرة علي إدارة البلاد، فمصر تستحق أفضل السياسات والعناصر.
الجولان.. وإبراء الذمة
في زمن العجز العربي غسلت جامعة الدول العربية يدها من الجولان المحتل، كما سبق وغسلت يدها من فلسطين المحتلة. رئيس وزراء الاحتلال يتوجه إلي الجولان ويلتقي جنوده، يتحدي ويعلن من هناك بكل صفاقة ان الجولان جزء من إسرائيل لن ينفصل عنه أبداً، ويبادر العالم الحر بإعلانات عدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للجولان وبأنها في عرفهم أرض سورية محتلة، ثم نجد أن كل ما يخرج من عباءة الجامعة العربية هو اجتماع بروتوكولي طارئ هزيل بدعوة من الكويت علي مستوي المندوبين الدائمين! يعني مجرد تسجيل موقف وتسديد خانة. ألا تستحق الجولان المحتلة من جامعة الدول العربية اجتماعاً طارئاً علي مستوي أعلي من ذلك ؟ ألم يستطع حكام العرب ووزراء خارجيتهم اقتناص يوم من وقتهم لعقد قمة طارئة أو علي مستوي وزراء الخارجية لمناقشة كيفية الرد علي تبجح نتانياهو. ماذا كنا ننتظر من مثل هذا الاجتماع بينما سوريا نفسها ليست ممثلة فيه؟ الكارثة هي خروج إحدي الشخصيات الكبيرة في الجامعة العربية ليصرح بكل خفة لصحيفة هاآرتس العبرية بتصريح يؤكد فيه أن مستوي الاجتماع لن يرتقي عن مستوي المندوبين نظراً للخلافات والانقسامات التي تشق الصف العربي التي حولت الجامعة العربية إلي مجرد كيان فاقد التأثير والقدرة علي اتخاذ القرار وأنها أصبحت رهينة للمزاج السائد في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط!. هكذا طاوع لسان تلك الشخصية العربية أن تعترف أمام صحيفة يصدرها الاحتلال بمقومات العجز العربي فيزداد حكام الاحتلال طمأنينة ويواصلوا العمل علي التهام الأراضي العربية بصك من أصحابها. ولاعزاء لجامعة الدول العربية ولا لحكام العرب.
وداعاً سونيا دبوس
أهلاً ياسكرة.. تحيتها لكل زميلة تلتقيها بابتسامتها الهادئة ونبرتها الحانية. الزميلة والصديقة العزيزة د. سونيا دبوس التي صارعت المرض وحدها، ورحلت بعيداً عن أرض الوطن وهي تحمل دار أخبار اليوم في قلبها. سفيرة الصحافة الدبلوماسية كما أسماها زميلنا الفنان محمد عمر. لم تهتم بالألقاب ولا بالشكليات كل همها كان صفاء العلاقة وصدق نبض المشاعر. قبل تقاعدها زارها المرض اللعين واجهته بشجاعة، كانت تعتقد انها قادرة علي هزيمته بالعمل وتشعر ان دنو الأجل يحملها واجب نقل خبرتها وتجربتها للأجيال الشابة. أسفت لتقاعدها قبل ان تتمكن من إتمام هذه الرسالة. رحمك الله يا سنسن وأسكنك فسيح جناته وجعل كل مساندتك لمن هم أضغر منك في ميزان حسناتك.