وراء كل أزمة.. تجد أصابع الاتهام تشير إلي الإعلام.. أو إلي إعلاميين محددين بصورة خاصة.. وما أكثرهم.
مازالت قضية الإعلام بصفة عامة تحتل مساحة كبيرة من الاهتمام.. بدءا من أصحاب الرسالة وهم الإعلاميون.. إلي من يتلقون رسائلهم أو رسالتهم.. وهم الناس.. الجماهير.. أو الشعب الذي لوح الرئيس أكثر من مرة بأنه سيشكوهم إليه.. الناس الذين يلوحون أكثر من مرة بمقاطعتهم.. أو شن حملة علي مواقع التواصل بمنعهم من الظهور علي الشاشة. طبعا.. لا أتمني أن يصل الأمر إلي هذه الدرجة.. ولكن يبدو ان رسالة الاعتراض لم تكن واضحة للبعض.. منهم من آثر السلامة ورجع إلي الخلف وأعلن توبته عن كل ما قال.. ومنهم من واصل مواقفه المستفزة للناس.. واعتبر الأمر تراجعا من الدولة عن الوعود بحرية الصحافة والاعلام.. ومنهم من زايد علي الناس وعلي نفسه وهاجم زملاءه وركب الموجة واختلق معركة من لا معركة.
مشاكل وهموم الرسالة الصحفية والإعلامية لا تنتهي.. ولكن البعض يخرج عن اطار الرسالة.. ويختار منهج الإثارة علي حساب الوطن أحيانا وعلي حساب الموضوعية غالبا.. والنتيجة هي أن الناس يشكون الإعلام للحاكم عن تجاوزاته.. والحاكم يشكو الإعلام للشعب عن شطحاته.
ولكن لا يمكن أن نغفل أن الإعلامي بشر يصيب ويخطئ.. وهو صاحب رأي ولا يملك إلا رأيه.. ثم إنه لا يجبرك علي الاقتناع به.. فأنت حر في أن تسمعه أو لا تسمعه.. تصدقه أو لا تصدقه. تحبه أو لا تحبه. وما يقوله أي اعلامي هو أمر يخصه.. وهو قابل للجدل والنقاش.. ويحتمل الاعتراض والرد.. ولا يمكن أن يكون حجة إلا عليه.
ومما لا شك فيه.. هو أن هناك دائما من يحاول الوقيعة بين النظام والإعلام.. وقد يكون من بين هؤلاء إعلاميون متطوعون.. أو إعلاميون ممولون.. أو إعلاميون يفتقدون أي احساس بالمسئولية تجاه وطنهم أولا أو مهنتهم ثانيا أو أنفسهم بعد ذلك.. هناك من هم يتطاولون ومن يدعون العلم بما لا يعلمون.. ويتجاوزون في حق الدولة وقياداتها.. وفي حق الشعب أيضا. وهنا لابد أن نسأل : أين دور الدولة التي لم تصدر حتي الآن قانون الممارسات الإعلامية وضوابطها.. أين دور نقابة الصحفيين التي ينتمي اليها معظم أو كل مقدمي البرامج التليفزيونية.. ليس فقط دفاعا عن المهنة.. التي أساء لها بعض المنتسبين لها.. ولكن دفاعا عن وطن ينتمون إليه يحاول البعض أن يقوضوا أساسه.. عن دولة أراد ضعاف النفوس أن يهدموا بنيانها.
لابد أن ننتبه جيدا لحجم المخاطر التي تحيط بالدولة المصرية الآن وتستهدف حصارها اقتصاديا وسياسيا، وتحاول أن تعيد البلاد إلي الوراء وتزيد من أزماتها ومشاكلها.. حتي خلال زيارات رؤساء وملوك وقادة دول صديقة أرادت أن تقدم العون لمصر ايمانا منهم بدورها المحوري الذي لا بديل له من أجل استقرار العالم.. فمصر مستقرة تعني عالما مستقرا.
نحن نؤمن بأن الصحافة والإعلام الحر هما خط الدفاع الأول عن قضايا الوطن والمواطنين.. ويجب ألا يكونا طابورا خامسا يهدم الأمة.. انطلاقا من الإدراك الكامل بأن الإعلام رسالة وأن الحرية مسئولية.
المسئولية تفرض علينا أن نقف صفا واحدا مع الدولة في مواجهة الأزمات والمخاطر التي تحيط بها وأن وقفتهم هي «وقفة أحرار.. وليست وقفة خائفين» لأن الصحافة غير الحرة لايمكن ان تواجه ما يتعرض له الوطن من ازمات يلعب فيها الإعلام الغربي دورا خفيا مما يتطلب إعادة الحضور لدور الإعلام الوطني والمهني في مواجهة الأخطار الخارجية المحدقة بنا عبر تحريره من القيود التي تكبله بدلا من تحويله لمنصة يُحملها الجميع الأزمات التي تواجه المجتمع.
لذلك.. فلابد من سرعة اصدار التشريعات الصحفية والإعلامية التي أعدتها الجماعة الصحفية والإعلامية وتوافقت حولها وانتهت من التفاوض حولها مع الحكومة قبل شهور.. وكذلك قانون حرية تداول المعلومات..فهو الطريق لوقف الانفلات علي الساحة الإعلامية.. لقد حان الوقت لتقوم المؤسسات المعنية بالإعلام بدورها في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ الوطن مع الحفاظ علي التنوع الإعلامي والتعددية السياسية والثقافية عبر وسائل الإعلام باعتبارها الطريق الوحيد لخلق إعلام حر قادر علي مواجهة التحديات.. وإطلاق الحريات العامة وفتح المجال العام أمام الاصوات المعارضة للتعبير عن نفسها فلا تقدم حقيقيا بدون حرية انتقاد. وكما قلنا مرارا وتكرارا فإن الحرية مطلوبة ولانقاش حول أهميتها وضرورتها.. فليس هناك مجتمع يتقدم دون حرية رأي وحرية تعبير.. ولكن الحرية مسئولية تجاه ضمير الإعلامي والتزام تجاه الوطن والدولة ومؤسساتها وتجاه ميثاق الشرف والقوانين التي تحافظ علي سلامة واستقرار الوطن.