رغم كل الانتقادات والملاحظات التي وجهها النواب لبرنامج الحكومة ومطالبتهم بادخال تعديلات جوهرية عليه إلا أنه في النهاية لم يكن أمامهم إلا الموافقة عليه ومنح الثقة للحكومة لأن البديل «مخيف».. رفض البرنامج كان يستتبعه -طبقا للدستور - أن يكلف رئيس الجمهورية الحزب أو الائتلاف الحاصل علي أكثرية المقاعد بتشكيل حكومة جديدة وهو ما يعجز عنه فعليا أي حزب أو ائتلاف قائم.. وحتي إذا وصلنا لتشكيل حكومة جديدة إذا لم ينل برنامجها ثقة مجلس النواب خلال ٣٠ يوما اعتبر البرلمان منحلا.
إذن الخوف من الوصول إلي لحظة يصبح فيها حل البرلمان حتميا كان الدافع الأهم للتصويت بالموافقة علي برنامج الحكومة أمس رغم كل الانتقادات والملاحظات التي طالت محاوره السبعة وقبل أي حجة أخري كالقول أن الموافقة هدفها الأساسي أن تدور العجلة لتبدأ الحكومة تنفيذ برنامجها ويؤجل الحكم علي أدائها لأسابيع أو شهور قادمة.
لنطو هذه الصفحة إذن ونتابع أداء الحكومة آملين أن تحقق فعلا ما نصبو إليه من طموحات في جميع المجالات.
هذا ما نأمله بالنسبة لأداء الحكومة.. فماذا نأمل بالنسبة لأداء مجلس النواب ؟
لا يخفي علي أحدموقفي الناقد لأداء مجلس النواب حتي الآن.. ذكرت ذلك في مقالات سابقة وفي حوارات تليفزيونية وإذاعية من منطلق وحيد هو حرصي علي مصلحة الوطن وصورة مجلس النواب أمام الرأي العام ونجاحه في مهمته الأساسية وهي التشريع والرقابة علي أعمال الحكومة وهو ماكان يستلزم أن يسرع المجلس في إنهاء الاجراءات التي كان من المحتم أن تسبق تشكيل لجانه النوعية حتي يتمكن من الانطلاق في ممارسة مهامه وأهمها وضع لائحته الداخلية التي استغرق إعدادها وقتا طويلا جدا بسبب خلافات النواب ومحاولاتهم الحصول علي أكبر قدر من السلطات والامتيازات وعندما تم تذليل كل العقبات ولم يتبق إلا مسألة زيادة المخصصات التي تصرف للنواب واحتدم الخلاف حولها لم يجد د.علي عبدالعال رئيس المجلس للخروج من هذا المأزق إلا اقتراح إلغاء هذه المادة منعا لمزيد من الإتقسامات !!
وبعد اقرار المجلس للائحته الداخلية تأخر صدورها حوالي أسبوعين آخرين فماذا كانت النتيجة؟ اللجان النوعية للمجلس لم تشكل حتي الآن وانتخابات هيئات مكاتبها لم تتم رغم مرور أكثر من مائة يوم علي بدء الدورة البرلمانية.. وأتمني أن تنتهي هذه الخطوة في أسرع وقت بعيدا عن الصراعات علي رئاسة وعضوية هيئات مكاتب اللجان التي تعتبر المطبخ الحقيقي لأي برلمان والذي يتم فيه مناقشة التشريعات وطلبات الاحاطة والأسئلة.
ملاحظة أخري مهمة وهي ضعف اقبال النواب علي حضور الجلسات حتي تجاوز الأمر كل الحدود وأصبح النداء عليهم عبر الميكروفونات ورجاؤهم التوجه إلي القاعة حتي يتسني بدء الجلسة أمرا معتادا مما يضطر رئيس المجلس أحيانا لتأجيل بدء الجلسة لأكثر من ساعتين.. لماذا لايقبل النواب علي حضور الجلسات وكأن في القاعة سما قاتلا!! هذا أهم سؤال يوجه لنواب البرلمان !
ماذا يفعل النواب داخل القاعة؟ لا تخلو جلسة من خلافات ومشادات بين النواب.. ويحدث هرج ومرج و«زعيق» وفوضي مما يضطر رئيس المجلس أحيانا لرفع الجلسة.. ومن لم يشارك في ذلك فلأنه يكون مشغولا بالحديث في المحمول أو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي.. هل هذا معقول؟ وهل هذا ما ننتظره من برلمان ٣٠ يونيو ؟.
لا أتصور فيما ذكرته سبا وقذفا للمجلس ولكنها الحقيقة التي لا تصل إلي الرأي العام «موثقة» بسبب عدم إذاعة الجلسات علي الهواء وبسبب منع مصوري الصحف من التواجد داخل القاعة لأكثر من دقائق معدودة في بداية كل جلسة ثم يغادرونها ليمضوا باقي اليوم في ردهات المجلس.. أما الصحفيون فقد سلبت منهم شرفة الصحافة التي كانت وسيلتهم الوحيدة للمتابعة الحية للجلسات ولا يسمح لهم الآن بالتواجد إلا في الشرفات العلوية المخصصة لضيوف البرلمان وبمعدل صحفي واحد لكل صحيفة والباقي يتابعون من مكتب الصحافة.. حتي هذا الصحفي محظور عليه التصوير بالموبايل من أعلي القاعة وهناك موظفون مختصون بمراقبة الصحفيين لمنعهم من التصوير وهو أمر لم يحدث في تاريخ الحياة النيابية في مصر.
والأدهي.. هذا الموقف المتحامل علي الاعلام والاعلاميين بصفة عامة.. لا خلاف علي ضرورة احترام المجلس ونوابه وأن هناك فرقا بين النقد البناء والاساءة للمجلس بعبارات فيها سب وقذف لكن القانون وحده هو الفيصل واذا وجد المجلس أو أحد نوابه أن هناك تجاوزا في حقه فليلجأ إلي القضاء دون حاجة إلي التهديد والتلويح المستمر بالعقاب.
القضاء هو المعني بالفصل في مدلول أي عبارة وهل تعتبر نقداً أم سبا وقذفا وليس رئيس المجلس أو نوابه.
لعل الرسالة قد وصلت.