عاطف زيدان
عاطف زيدان


يوميات الأخبار

ياتبر سايل بين شطين

عاطف زيدان

الإثنين، 20 سبتمبر 2021 - 05:10 م

«لم تسلم مصر الحضارة ، ونيلها العظيم ، من مؤامرات الأعداء . التى توالت فى مختلف العصور ، لكنها باءت جميعا بالفشل»

اثق كل الثقة ان نهر النيل الذى أوجده الله سبحانه وتعالى لن يوقفه بشر ، مهما بلغ ظلمهم شدة ، ومؤامراتهم دقة . فإذا كان البعض استغل انشغال أهل مصر بأحداث ثورة يناير 2011 ، وقام بالشروع فى بناء سد النهضة المشئوم ، فإن مصر المحروسة وقيادتها الحكيمة قادرة على حماية مصالح البلاد المائية فى مياه نهر النيل ، والحفاظ على تدفق النهر بشكل طبيعى إلى الأبد .

لقد أدرك أجدادنا الفراعنة قيمة هذا النهر العظيم لحياة المصريين ، فقدسوه أعظم تقديس . ونظموا اول رحلة لاكتشاف منابعه عام 2200 قبل الميلاد ، اى منذ 4421 عاما . وحرصوا على تأمين تدفق النهر ، وسجلوا ذلك فى مخطوطاتهم الأثرية .

ولم تسلم مصر الحضارة ، ونيلها العظيم ، من مؤامرات الأعداء . لدرجة أن أحد ملوك أوروبا حاول إقناع ملك الحبشة تحويل مجرى النيل وإلقاء مياه بحيرة تانا فى المحيط كيدا فى مصر وحاكمها القوى الذى ازعج أوروبا محمد على باشا . وتوالت المؤامرات فى مختلف العصور ، لكنها باءت جميعا بالفشل . وأكاد أجزم أن المؤامرة الحالية سوف تلقى نفس المصير . فمصر ليس كأى بلد . لقد ذكرها الله عشرات المرات فى الكتب السماوية . كما تجلى سبحانه وتعالى على أرضها .

وجعل سبحانه النيل من   انهار الجنة . ففى صحيح البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رفعت لى السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران: فالنيل والفرات، وأما الباطنان: فنهران فى الجنة)).
وفى (صحيح مسلم) عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة.
لقد أبدع المصريون قديما وحديثا فى التغنى بالنيل

عرفانا بقدره ونعمه على الناس، من بين هذه المدائح الدينية نص يعود إلى عصر الدولة الوسطى يقول: «المديح لك يا حعبي، الذى يخرج من الأرض، ويأتى ليعيد الحياة لمصر»، وفى موضع آخر يمدح المصرى القديم النيل ويدعوه إلى الفيضان :
«يا مسبب الخضرة، ليتك تأتي. يا حعبى ليتك تأتى إلى مصر يا خالق القرابين، يا مسبب خضرة الضفتين لتعطى الحياة للناس والحيوانات من منتجاتك من الحقول، يا مسبب الخضرة ليتك تأتي».

كما يشير نص مديح فى بردية تورينو، تعود إلى الأسرة 19، أورد ترجمته العالم المصرى رمضان عبده فى دراسته «حضارة مصر القديمة» يقول:
«إنه هو الذى يروى المراعي، هو المخلوق من رع (إله الشمس) ليغذى الماشية، وهو الذى يسقى الأرض الصحراوية البعيدة عن الماء. ماؤه هو الذى يسقط من السماء، إنه هو الذى يأتى بالقوت، وهو الذى يكثر الطعام، وهو الذى يخلق كل شيء طيب، ويمدحه الناس».

وتورد العالمة الفرنسية كلير لالويت، فى دراستها «نصوص مقدسة ونصوص دنيوية» ضمن سلسلة منظمة اليونسكو أبيات شعرية تجمع بين الحب والنيل سجلتها قطع عُثر عليها لسطح إناء، محفوظ فى المتحف المصري، يحضر فيها النيل بقوة فى مشهد غرامى جمع حبيبين كهذا المقتطف:
«حبيبي، كم يحلو لى أن أرحل، أن أنزل إلى النهر واستحم ، وأنا فى سروالى (المصنوع) من الكتان الملكي، من أرقّه، أنا معطرة بالطيب الزكي، أغوص فى الماء بجوارك، من أجل حبك، أخرج ممسكة بسمكة حمراء بين أصابعي

وتبارى الشعراء حديثا فى مديح النيل ، خاصة شاعر النيل حافظ ابراهيم وامير الشعراء أحمد شوقى . لكن تبقى اغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ، ياتبر سايل بين شطين ، كلمات الشاعر سمير محجوب وألحان محمد الموجى الأقرب إلى قلبى شخصيا ، والاشهر بين مختلف الأغانى حول نهر النيل ، لدرجة أن البعض يصنفها على أنها اغنية عاطفية ، موجهة إلى الحبيب .
ياتبر سايل بين شطين
يا حلو يا اسمر
لولا سمارك جوه العين
ما كانت تنور
يا حلو يا اسمر
الدنيا من بعدك مره
يا ساقى وادينا الحياه
د اللى يدوق طعمك مره
م المستحيل ابدا ينساه
يا نعمه من الخلاق .. يا نيل
دى ميتك ترياق .. يانيل
يا حلو يااسمر
خيرك علينا مالوش اخر
ياللى القلوب بتعيش بهواك
خلتنا نحكى ونتفاخر
على الوجود كله بذكرك
ياريحه من الاحباب .. يانيل
واهل مش اغراب .. يانيل
يا حلو يااسمر ، يا حلو يااسمر .
عيون القلب
الخميس :
عدت إلى المنزل متعبا ، بعد يوم عمل شاق . تناولت طعامى ، ووجدتنى امدد على الفراش دون أن أغير ملابسى . ورحت فى نوم عميق . افقت من نومى بعد منتصف الليل ، كان كل أفراد الأسرة ، قد خلدوا للنوم . حملت علبة سجائرى مع فنجان شاى متين الى البلكونة ، حيث جلستى المفضلة . وما ان شغلت المروحة وارتحت على مقعدي. وقعت عيناى على القمر ، بكامل استدارته ، فى كبد السماء . ياه ، مااجملك . قلتها بقلبى وكل جوارحى . فقلما أشاهد البدر فى ليل القاهرة . بينما كنت اعايشه وأكاد احادثه طوال سنوات الطفولة ، بليالى قريتى الجميلة ، كفر القلشى . وفوجئت بصوت مطربتى المفضلة نجاة الصغيرة ، ينساب إلى مسامعى من محل المكوجى اسفل العمارة ، ليكتمل مشهد المتعة ، مع رائعة الموجى والابنودى : عيون القلب .
دا قالى فى يوم .. يا حبيبتى خدى القمر
ورحت معاه .. وما ادانى إلا السهر
وأنا رمشى ما داق النوم .. وهوا عيونه تشبع نوم
روح يا نوم من عين حبيبى .. روح يا نوم ..
تقولى كلام .. وافرح بيه .. انا افرح بيه
اسيب النوم .. وافكر فيه .. انا افكر فيه.
سهرنى حبيبى .. حبك يا حبيبي
بكتب ع الليالى .. اسمك يا حبيبي
حبيتك يا حبيبى من غير مااسأل سؤال
وهسهر يا حبيبى مهما طال المطال
انا بس اللى محيرنى وما خلانيش انام
ازاى انا بقدر اسهر وازاى تقدر تنام
و أقوله حبيبى .. كل ما فيك حبيبى .. و حلو
صوتك حلو .. قلبك حلو
و حتى لما تتعبنى و اسهرلك .. سهرك حلو
حفريات فى القلب

الثلاثاء:
أستمتع كثيرا بما يجود به قلم الكاتب الكبير سعيد الخولى حول حياة الريف. وأشتمُّ فى مفردات ذلك الكاتب روائح الياسمين والورد البلدى وزهور ربيع الريف الفواحة، وروح كل من الكاتب الكبير الراحل يحيى حقى والروائى القدير محمد عبد الحليم عبد لله، افضل من نقل ورصد حياة الريف المصرى فى رواياتهما. وقد ثمنت كثيرا تفضل الزميل العزيز سعيد الخولى باهدائى كتابه الممتع «حكايات المتعة والعذاب، نعكشة فى الذاكرة»، الذى يعد الجزء الثانى من سيرته الذاتية بعد كتابه الأول «أوراق العمر الاخضر» الذى يمثل الجزء الأول من السيرة. لقد رصد الكاتب بقلب فنان مرهف الحس، فى كتابيه عالم الريف الرحب، واستطاع ان يحفر فى قلبى وأبناء الريف أمثالى عن كنوز دفينة، لذكريات أجمل سنوات العمر. ووقف باحساس الفنان عند مواقع قد يمر عليها الآخرون مرور الكرام. وهذه فقرة صغيرة عن مشهد مقابر قريته نكلا العنب، تعكس قدرة الكاتب الابداعية الرفيعة: «فى شرق البلدة الوادعة يرقد بهدوء من أتموا رسالتهم بالحياة وشُيعوا إلى هناك ينتظرون من يقضى بعدهم ليلحق بهم. مقابر البلدة كما لو كان من اختار مكانها آثر ألا يحرم الراقدين بها من الائتناس بأهليهم وأحبابهم الأحياء فاختار منتصف شرق البلدة فى الطريق إلى جسر البحر كما يسميه أهل بلدى الذى يطل من أعلى على فرع نيل رشيد الذى يحد القرية فى أقصى شرقها ويصاحب حدودها إلى منطقة تسمى الموردة جنوبا وقرية جزيرة نكلا شمالا.
وهكذا يأنس ساكنو المقابر بالذاهب إلى حقله بطرح النهر صباحا وبحركة الرائحين الغادين طوال النهار ثم العائدين مساء إلى دورهم فلا ينقطع أنسهم ولا يعدمون من يقرأ الفاتحة لهم ممن يروحون ويغدون».

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة