رغم رفضي المطلق لكل ما ساقته مؤسسات الدولة المصرية من مبررات لتسليم أراض ولدت وعشت عمري كله الذي كاد يقترب من الخمسين عاماً وأنا أعلم بأنها ملكي كمواطن مصري.
إلا أن الذي أريد طرحه اليوم هو فكرة إنشاء الجسر البري ما بين المملكة ومصر عبر جزيرة تيران أو غيرها من مسارات يمكن طرحها، فالفكرة التي صاحبها الكثير من ضجيج التهليل والترحاب، لم يقل لنا أحد مدي تأثيرها علي الاقتصاد المصري، وهل صحيح أن هذا الجسر حال إنشائه لن يؤثر سلباً علي عائدات قناة السويس من الرسوم التي نفرضها علي شحنات البضائع المختلفة التي تنقلها السفن عبرها من الخليج والسعودية والتي ستتحول إلي الطرق البرية الجديدة (الشاحنات وقطارات البضائع) التي ستمر إلي الأراضي المصرية ومنها إلي المغرب العربي وجنوب أوروبا عبر الجسر بدلاً من القناة..
ولم يقل لنا أحد هل تم تقدير حجم الخفض الذي ستفيد منه بضائع سعودية وخليجية منافسة لبضائع مصرية في أسواق المغرب وأوروبا وما إن كان سيعظم من فرصها للمنافسة وضرب طموحاتنا الوطنية لتسويق البضائع المصرية إلي هذا القسم من العالم في مقتل؟
والأهم لم يقل لنا أحد كيف سيؤثر هذا الجسر علي نوعية السياحة في شرم الشيخ، ولا سيما أنه سيسهل إنتقال الطرف الآخر إلي سيناء لا المصريين إلي جزيرة العرب، وهو ما لا يمكن لأحد أن ينكره فمصر تسمح لرعايا المملكة بدخول أراضيها من دون قيد ولا شرط، في حين لا يسمح للمصريين بدخول المملكة إلا للحج والعمرة أو في حالات التعاقد للعمل.
صحيح أن الجسر قد أعلن بالفعل عن إنشائه وفي سياق قيادي تصعب مراجعته، إلا أن جسامة المخاطر الاقتصادية والبيئية والديمغرافية والأخيرة يعززها طبيعة التركيبة البدوية القبلية لسكان سيناء كلها، وليس فقط الجنوب، كل ذلك يدفعنا دفعاً إلي مطالبة الرئيس والمؤسسات بإجراء مراجعة شاملة لتأثيرات هذا المشروع، وهو بالمناسبة قديم وسبق دراسته والتعرف إلي مضاره، وليس أقل من مراجعة وحدة البحوث الاقتصادية بهيئة قناة السويس والعودة إلي ما تسببت به توسعات سابقة لخط أنابيب سوميد من إضرار بعائدات قناة السويس.. ويكفينا خسائر تنفيذ مشروعات دون نظر لجدواها الاقتصادية.