في صغري عندما كنت أسافر إلي قرية عائلتي بالمنوفية.. شاهدت مقاما في مقدمة المقابر.. وعندما سألت عن صاحب المقام.. قيل لي انه من أولياء الله الصالحين.. ويعتبرونه حارسا لها.. وسمعت حكايات عن «كراماته».. ومرت الأيام وعرفت ان صاحب المقام كان «أبله».. أو كما وصفوه لي «بريالة».
لم تغب صورة صاحب المقام عن ذهني طوال سنوات متعجبا كيف يعتبر البسطاء مثل تلك الشخصية انها من الأولياء.. واستكمل محدثي الحكايات الوهمية عن المقامات والأضرحة الوهمية قائلا إن من الروايات التي يتناولها الكثيرون أن لصين قاما بسرقة حمار من احدي القري.. وذهبا به إلي السوق.. وفي الطريق نفق منهما الحمار فخافا أن تكتشف جريمتهما فقاما بالحفر ودفن الحمار.. ثم تفتق ذهن أحدهما عن فكرة لجمع الأموال فأخذا يبكيان بجوار القبر.. وكلما مر عليهما احد سكان القرية يسألهما عن حالهما يقولان ان المدفون هو الشيخ «الوفي» الذي كان معهما وتوفي في هذا المكان.. ويسردان حكايات وروايات عن بركاته في شفاء الأمراض.. وانجاب العاقر للأبناء وتزويج البنات.. وغير ذلك.. ويختمان كلامهما بأنه اختار هذه القرية لتحل عليها بركاته لان أهلها طيبون وصالحون.. وأنهم لو يملكان مالا لأقاما له ضريحا.. تناقلت الروايات بين اهل القرية وفي القري المجاورة ليأتي الناس الطيبون من كل صوب ليتبرعوا لبناء الضريح.
الخميس الماضي نشر الزملاء في المحافظات ملفا في ملحق خارج القاهرة عن خرافات الاضرحة والمقامات.. جذبني فيه اكثر من قصة منها مقام الشيخ قناوي في الوادي الجديد الذي علم اهل قرية من 150 سنة صناعة القلل والفخار فأقاموا له مقاما.. وايضا حكاية سيدي عطية ابوالريش في البحيرة والذي يقال علي نمطية سيدنا سليمان ان الله عز وجل اخضع له الوحوش والطيور والتي كانت تأنس به وتتمني رضاه وتأتي إليه كل خلوة وتمكث عنده عدة أيام بدون طعام او شراب.. وان احد تلاميذه دخل عليه ووجده يتخذ من ريشها فراشا ينام عليه.
الحكايات عجيبة وغريبة ويقرر البعض أن هناك اكثر من ألفي مقام وضريح وهمي غير مسجل.. وحتي المسجل فالروايات غير صحيحة مثل مسجد الشيخ عبدالله الاربعين في السويس والذي كان يعتقد أنه آخر 40 مجاهدا قاوموا نظام السخرة واستقدام العمال والفلاحين لحفر قناة السويس.. ليظهر ان المقبرة تضم عظام 40 رجلا وامرأة وطفلا يعتقد انها رفات أحدي الاسر التي توفيت اثناء رحلة الحج.