لم يعد هناك كلام يمكن أن يقال بعد أن وضع الرئيس الذي وضع فيه الشعب كل ثقته النقاط علي الحروف.
لم يزوق الرئيس عبد الفتاح السيسي كلامه.. أوضح للشعب كله في لقائه ببعض ممثليه الصورة كاملة.. ولم يشأ أن يبتعد بالشعب عن الحقيقة.. ولا يدخله في متاهات ويغرقه في بحور الظلمات.. وعندما اقترب من حساب الذات.. لم يتهرب من المسئولية.. لكنه تحملها بثقة.. والمسئولية والثقة هما وجهان للأمانة وحب الوطن.
كنت أنوي الحديث عن هذا الجدل المحموم الذي أثير طوال الأسبوع الماضي بسبب الاتفاقية الخاصة بترسيم الحدود البحرية.. وتحديد المنطقة الاقتصادية البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية ضمن الاتفاقيات العديدة التي تناولت تدعيم التعاون بين البلدين.. والتي وقعت خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر. تلك الاتفاقيات التي أهمل الجميع الحديث عنها واقتصر حديثهم عن اتفاقية الحدود.. واختلط الأمر لدي الجميع عندما بادر البعض من خلال شبكة التواصل الاجتماعي بالهجوم والتجاوز متهمين الدولة والرئيس والحكومة ببيع أرض مصر.
هل باعت مصر أرضها.. هل فرط الرئيس والحكومة في جزيرتين من تراب مصر.. إن كان هذا قد حدث بالفعل.. فلا يمكن أن يمر هذا الأمر مرور الكرام ولا اللئام.. الذي يفرط ويبيع هو بالطبع خائن يستحق منا ويستحق من الشعب أقسي العقاب.
ولكن الشعب الذي يثق في رئيسه لم يقع في الفخ الذي نصبته له بعض المنصات الإعلامية فاقدة الوعي والمسئولية والمترصدة والمروجة للشائعات خاصة تلك التي تسيء إلي مصر.. والمعتمدة في برامجها وحواراتها ومذيعيها وضيوفها علي من لهم حساباتهم الخاصة حتي لو كانت ضد حسابات الوطن.. وهي كذلك في أغلب الوقت.
مصر لم ولن تفرط في أي حق من حقوقها، ولم ولن تفرط في ذرة تراب من أرض مصر وكل ما حدث هو أنها أعادت للمملكة حقوقها. تلك هي رسالة الرئيس للشعب.. وأنه لم يسبق طرح مسألة جزيرتي تيران وصنافير إعلامياً حتي لا تؤذي مشاعر الرأي العام المصري والسعودي، لاسيما أن الظروف السياسية والأمنية التي كانت قائمة لفترة زمنية طويلة كانت تحتم تولي مصر حماية أمن الجزيرتين.
وفي شهادته للتاريخ.. أوضح الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون وأحد محاربي مفاوضات استعادة طابا أنه لا يوجد في القانون الدولي مفهوم «وضع يد» أو «تقادم» وبالتالي من حق السعودية الحصول علي الجزيرتين وقال.. كما قلنا جميعا : كلنا فتحنا عنينا علي أن جزيرتي تيران وصنافير ضمن الحدود المصرية لمدة 60 عاماً وأكثر، وانطبع في ذهننا الخلل بين الإدارة والسيادة فالإدارة مؤقتة إلا إذا تم التنازل، والمملكة العربية السعودية لم تتنازل علي هذه الأرض ولكنها كانت حريصة علي استعادتها مرة أخري. وأشار إلي أن السعودية كانت ترسل خطابات دائمة منذ عقود تؤكد لنا فيها أنها لم تتنازل عن الجزيرتين.. وكل الخطابات المتبادلة تؤكد طوال التاريخ أنها سعودية، ومصر لم تدع مطلقا أنها ملكية خاصة لها. وأنه وقع مع الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية الأسبق علي مذكرة فنية تؤكد ملكية الجزيرتين للسعودية وهذه مسألة قانونية.
القضية لا تحتمل كل هذا التجاوز الذي حدث.. وعلي الرغم من وجود روايات متناقضة.. فإن علينا أن نتفق علي وثيقة واحدة ورواية واحدة.. وأن نثق فيمن قدم وضحي وحارب.. وعلينا أن نبحث جدوي هذا الاختلاف.. وأن نسأل أنفسنا : ماذا سنستفيد أو سنتضرر إن كانت الجزيرتان مصريتين أم سعوديتين؟.. وما هو الوضع فعلا علي الأرض بصرف النظر عن الوضع علي الورق؟.. وما هو البديل في كل حالة.. وما هو موقف الشريك الثالث في الأمر؟.. وهو الذي احتل الجزيرتين ثلاث مرات ثم انسحب منهما.. والذي أعلن مؤخرا أن إنشاء الجسر بين مصر والسعودية هو بمثابة إعلان حرب.
لماذا نفعل كل هذا بأنفسنا.. ونخرج من جراب الماضي حكايات لا لزوم لها.. ونفسد خطوة طيبة كنا في حاجة إليها.. ونفتح علي أنفسنا أبوابا لا يعلم إلا الله كيف يمكن أن نسدها؟.
أقول قولي هذا وأنا لا أهتم إذا كانت الجزيرتان مصريتين أو سعوديتين.. وهو رأي شخصي.. ولكني أهتم كثيرا جدا بألا تكونا اسرائيلتين محتلتين.. فلسطين علي الورق عربية.. فهل هي كذلك في الواقع ؟
افهموا بقي.. وإن كانت بعض الأبواق الإعلامية تفتقد إلي الحكمة.. فيجب ألا نكون نحن كذلك.