سعيد الخولي
سعيد الخولي


يوميات الأخبار

إنهم يدعون لدين جديد!

سعيد الخولي

الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021 - 06:51 م

 

 إنها كلمة السر فيما يجرى ويتم تنفيذه ليتحول الأمر فى النهاية إلى ما يطلقون عليه «الدين الإبراهيمي الجديد» وهو البوتقة التى سيصهرون فيها الديانات السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام فى خليط ومزيج يصنعون منه ديانة مشتركة يتم فرضها.

على رمال أرض سيناء وبعد رفع العلم المصري على مدينة العريش، قرر الرئيس محمد أنور السادات أن يصلي ركعتين شكرا الله بمجرد وصوله لمطار العريش بسيناء، بعد استعادتها، هو ومن يرافقه، وقام شيخ الأزهر آنذاك بإمامة الصلاة.

وأدى البابا شنودة صلاة شكر مع أهالي سيناء، وكان ذلك في يوم 26 يونيه 1979، أي بعد حرب أكتوبر، وفي العام التالي في السادس من أغسطس عام 1980 وجه السادات رسالة من على أرض الفيروز أشار فيها إلى أن: «عالمنا الآن وما يدور فيه من أحداث جسام أشد ما يكون إلى رمز ما يذكرنا بوحدة المصير الإنساني ووحدة الرسالة السماوية، مشهد يجسد مفهوم الإخاء بين كافة المؤمنين بالأديان الإبراهمية الثلاثة».

كان حلم السادات أن يقيم على أرض سيناء، جبل الوادى المقدس، حيث أول حوار بين السماء والأرض، وحيث تسلم الإنسان أولى الشرائع والنواميس الإلهية المكتوبة، مجمعا لعبادة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، يضم مسجدا وكنيسة ومعبدا.. مجمعا يوجه عباد الرحمن معا إلى رفع الصلوات والتراتيل والابتهالات، والتكبير فى خشوع والسجود والركوع، للعزة الإلهية.

وبعد تمام أربعة عقود على دعوة السادات التى وئدت مع اغتياله تعود نغمة عالية يتردد صداها فى العالم هنا وهناك لترسخ فى الأذهان مصطلح «الإبراهيمية» منذ الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات بين كلٍّ من «الإمارات العربية المتحدة» و»مملكة البحرين» مع إسرائيل، برعاية أمريكية، فى أغسطس 2020، والذى جرى توقيعه فى البيت الأبيض فى العاصمة الأمريكية واشنطن، فى منتصف سبتمبر 2020، بحضور وفودِ أطرافِ الاتفاق الثلاثة، مع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، وأُطلق اسمُ «أبراهام» على الاتفاق.
على أن هذا لم يكن بدايةَ ظهورِ هذا المصطلحِ، أو وجودِ مضمونِه ومدلولِه فى صورة مصطلحات أخرى فـ»الإبراهيمية» نسبة إلى نبيّ الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ هى مصطلح وافد من الغرب جرى إطلاقُه فى القرن التاسع عشر؛ حيث بدأ منذ 1811 الحديث عن «الميثاق الإبراهيمى» الذى يجمع بين المؤمنين فى الغرب، وذلك قبل أن يتحوّل اسمُ إبراهيم إلى اصطلاح بحثيٍّ لدى المؤرّخين فى الخمسينيات من القرن العشرين، رسّخه «لويس ماسينيون» فى مقالة نشرها عام 1949 تحت عنوان: «الصلوات الثلاث لإبراهيم، أبِ كلِّ المؤمنين».

هيلارى وبعث الإبراهيمية

وتقفز بنا الأحداث إلى عشر سنوات مضت بعد أن أصيبت مسارات ثورات الربيع العربى بالتباين من بلد لآخر واشتعال إوار ما سمى بالإسلام السياسى ووصوله للحكم، حيث اختارت الدبلوماسية الأمريكية مسارا جديدا لها فى التعامل مع هذه المنطقة من العالم؛ فلجأت أمريكا نيابة عن إسرائيل لما سمى بالدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمى على يد وزيرة خارجيتها هيلارى كلينتون فى رئاسة باراك أوباما الذى تبنى منذ خطابه بجامعة القاهرة مقولة «نحن أبناء إبراهيم»، إنها كلمة السر فيما يجرى ويتم تنفيذه ليتحول الأمر فى النهاية إلى ما يطلقون عليه «الدين الإبراهيمى الجديد» وهو البوتقة التى سيصهرون فيها الديانات السماوية: اليهودية والمسيحية والإسلام فى خليط ومزيج يصنعون منه ديانة مشتركة يتم فرضها على نطاق إسرائيل الكبرى الذى أطلقوا عليه: «مسار إبراهيم» يعنون به مسار سيدنا إبراهيم ما بين تركيا والعراق وفلسطين ومصر وصولا إلى مكة والبيت الحرام.
 الدبلوماسية الروحية بدأت فى الإدارة الأمريكية رسميا عام 2013 على يد هيلارى كلينتون التى أنشأت فى وزارة الخارجية الأمريكية إدارة خاصة بفريق خاص يضم 100عضو نصفهم رجال دين من الديانات الثلاث يعملون جنبا إلى جنب مع الدبلوماسيين فى الوزارة، ولم تمت الدبلوماسية الروحية بذهاب أوباما ووزيرة خارجيته التى تبنتها، بل استمرت فى إدارة ترامب والذى قال بومبيو وزير خارجيته فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة يوم 19 يناير 2019 «إننا جميعا أبناء إبراهيم».

البيت الإبراهيمي

ومضت قاطرة الإبراهيمية الجديدة لتصل إلى محطتها الأهم بالإمارات العربية المتحدة الشقيقة من خلال  المؤتمر العالمى  للأخوة الإنسانية الذى عقد هناك فى فبراير 2019، بهدف تفعيل الحوار حول التعايش والتآخى بين البشر وسبل تعزيزه عالمياً. وتزامن المؤتمر مع الزيارة المشتركة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى هناك، اللذين وقعا وثيقة الأخوة الإنسانية. ومن خلال المؤتمر والوثيقة كان مشروع «بيت العائلة الإبراهيمية»، وهو إحدى المبادرات الأولى التى دعت إليها الوثيقة، حيث سيضم البيت كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً، تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات، من أجل تعزيز قيم التعايش السلمى، والقبول بين العقائد والجنسيات والثقافات المختلفة. وهو ما يبدو من ظواهر الأمور.

كل هذا تلخيص ما طالعته مؤخرا فى كتابين يرصدان الأمر ومراحل الإعداد له وتنفيذه والجهات المشاركة فيه والجهات التى تموله من الدول العربية والجهات الدولية ومن بينها صندوق النقد الدولى. أما الكتابان اللذان يحملان التفاصيل فأولهما هو كتاب «الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمى.. المخطط الاستعمارى للقرن الجديد»، تأليف الدكتورة هبة جمال العزب عضوة المجلس المصرى للشئون الخارجية ومدرسة العلوم السياسية والدراسات المستقبلية بمعهد التخطيط القومى، وتميز الكتاب بهيئته الرصينة بثياب الدراسات البحثية الأكاديمية منهجا وصياغة. وأما الكتاب الآخر فهو «مؤامرات اليهودية الإبراهيمية» للمؤلف مرسى الأدهم والذى أتى مليئا بالحماس وتخلى عن النبرة الأكاديمية فى تناول الموضوع مشحونا بالعاطفة الدينية والقومية.

الإنسانية بديل القومية 

ويراهن رعاة المشروع والتخطيط على فشل مفهوم الدول القومية والحدود المستقلة، ويطرح أنصار هذا المفهوم مثل مركز أبحاث بجامعة فرجينيا أن الدول القومية ستضعف قدرتها على التصدى لتحديات التنمية المستدامة والحل هو اتحاد فيدرالى بين الدول القومية لتتحول إلى ولايات يكون التحكم فى الموارد من قبل الدول التى تمتلك قدرات تكنولوجية كبيرة ومتقدمة تؤهلها لتكون فى السلطة الفيدرالية، والمرشح لتلك القيادة فى دول المسار الإبراهيمى ـ كما يذكر كتاب هبة جمال العزب ـ هى إسرائيل أولا ثم تركيا ثانيا والباقى مفعول به.
 ويذكر الكتاب أيضاً ـ أنه وفقا لدراسة صادرة عن مؤسسة بروكنجز وطرح قدمه مركز راند عام 2007 عن المفهوم الأمريكى للاعتدال الإسلامى ـ أشار إلى إثارة صراعات دينية بين أبناء الدين الواحد وهو ما تجسد فى الصراع السنى الشيعى بين  السعودية وإيران كبديل عن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية ككل. وتكوين الولايات المتحدة مؤسسات أخرى تدعم التيار المعتدل بالمعايير الأمريكية مع السماح بإنشاء المزيد من المؤسسات التى تخدم المصالح الأمريكية ويكون الخلاص منها بالقبول بالمشترك الإبراهيمى.
 وهناك دور مرصود للصوفية كقوة عالمية لإنجاح الدبلوماسية الروحية الممهدة للمشترك الإبراهيمى بديلا عن القوى السنية والشيعية، وهى ليست الصوفية الإسلامية كما يشير تقرير راند وبروكنجز الدوحة إنما حركة صوفية عالمية غربية غير إسلامية تتواصل تحت مسمى الصوفية مستغلة عدم العلم بمضمون ما تدعو إليه من شعارات ماسونية.

وبدأ تسويق ما يسمى بالمسار الإبراهيمى أو مبادرة طريق إبراهيم وهو يشمل الدول والمناطق التى مر بها أو عاش فيها سيدنا إبراهيم وتشمل تركيا ولبنان وفلسطين وإسرائيل والأردن ومصر، وهذا هو المسار اليهودى، يضاف إليه فى المسار الإسلامى الوصول حتى مكة، وأنشئ الكيان الخاص بترويج المسار، ويقع المقر الرئيسى للمؤسسة فى بولدر بولاية كولورادو الأمريكية ويديرها ويليم أورى صاحب الفكرة الأولية وكان مساعدا للرئيس جيمى كارتر خلال مفاوضات السلام فى الشرق الأوسط طوال حياته.
 أما محاور التنفيذ لنشر المسار بين سكان المنطقة المحليين فتتلخص فى عدة آليات أولاها بناء هوية جديدة باستخدام علم الإنسان بديلا عن الأعلام الوطنية، وتعتمد على الاحترام المتبادل كبديل عن سبب الاختلاف حول ملكية الأرض، وواضح بالطبع الهدف الرئيسى من هذه الآلية والخاص بتنازل الفلسطينيين عن نزاعهم مع المحتل الإسرائيلى لاستعادة أرضهم المحتلة. ثم آلية أخرى خطيرة تعتمد على «خلق» قضايا مشتركة خاصة البيئية كقضية «نقص المياه» لبحث سبل الحل والحفاظ على الآثار الدينية على طول المسار بوصفها ميراثا إنسانيا مشتركا، والربط غير خافٍ بين هذه الآلية وما جرى ويجرى فى أزمة سد النهضة ومعرفة من وراء التصعيد والتعنت الإثيوبى غير المفهوم مصدره ودوافعه.

إسرائيل الكبرى

ومع سمو المصطلح ونعومة المقصد ونبل الأهداف المعلنة فى وثيقة الأخوة الإنسانية لابد أن نتساءل عن مشروع صفقة القرن وأين ذهب بعد ذهاب ترامب وإدارته بمن فيهم جاريد كوشنر صهر ترامب ومتولى ملف الشرق الأوسط فى إدارة ترامب؟ وهل هذا المشروع أو الصفقة قد انتهى بذهاب تلك الإدارة للبيت الأبيض؟ هل هو بالفعل مشروع دينى مجتمعى يهدف إلى شيوع المحبة والتعايش ونبذ الحروب؛ أم هو مشروع سياسى يستدرج العالم العربى نحو خريطة جديدة للمنطقة تذوب فيها الحدود ما بين دجلة والفرات حيث الحلم الأكبر: «إسرائيل الكبرى» جغرافيا واقتصاديا وعسكريا ودينيا أيضا استعدادا لحرب الهرمجدون ونهاية الكون كما يراها متطرفو إسرائيل؟.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة