في كل الأحوال الخارج علي الحاكم مُعاقب رغم أن خروج أهل القوة الناعمة هو مجرد كلام موزون صار شعرا أو كتاب يجعلك تفكر أو رواية أو فيلم أو مسرحية تمتعك.

هكذا تسمي الثقافة والفنون عند أهل الحكم في بلادنا. وبالتأكيد هم لا يقصدون أنها القوة التي تتسلل إليك بنعومة ، لأن ذلك يعني أيضا أنها القوة التي يمكن أن تخدعك كما تخدع الحية ضحاياها. لكنهم يقصدون القوة التي لا تحمل الرصاص ولا السلاح. ورغم أنها القوة الناعمة فهي أكثر القوي المُستهدفة من الحكم والحكام. فالمصادرات للكتب تاريخ وعدم عبور الكتب بين البلاد العربية بسبب الرقابة تاريخ والسجون ياما شافت كتاب وشعراء بالذات لأن علاقتهم بالجمهور أسرع. إذن هو اصطلاح يراد به أن تكون قوة طيبة لا تهش ولا تنش. وفي الأيام الأخيرة حاصروها بقانون ازدراء الأديان وقانون خدش الحياء. هي القوة المخيفة لمن يملك الجيوش والبوليس والسلاح والحزب الحاكم إذا وجد. وهذا هو المعني الحقيقي لها عند الحكم والحكام وإلا ما وقفوا أمام ممارسيها أو مبدعيها. وطبعا كما يحدث دائما علي طول تاريخ المسلمين يقف مع الحكام في هذا الأمر رجال الدين. والذين قد يسمحون بشئ من التجديد في الخطاب الديني. أقول قد. لكنهم لايسمحون أبدا في التجديد في القول بأن الخروج علي الحاكم هو خروج علي الله. هذا لايمكن الخروج عليه ليس عند أهل السلف فقط لكن عند الجميع. المتطرفون يجعلون عقاب هذا الخروج القتل أو الصلب أو الخوزقة أي الوضع علي الخازوق. والمعتدلون يجعلون العقاب السجن أو النفي زمان. في كل الأحوال الخارج علي الحاكم مُعاقب رغم أن خروج أهل القوة الناعمة هو مجرد كلام موزون صار شعرا أو كتاب يجعلك تفكر أو رواية أو فيلم أو مسرحية تمتعك. لكن هكذا أطلقوا عليها القوة الناعمة واعتبروها أقوي القوي وأكثرها خطرا لأنها متاحة للجميع ، موهوبين وغير موهوبين ، بينما السلاح غير متاح إلا لأهله من الجيش أو البوليس أو لغير أهله من اللصوص والمجرمين وهؤلاء دائما يتكفل بهم القانون كما أنهم وهم يحملون السلاح يعرفون أنهم خارجون عن القانون بينما أهل القوة الناعمة يعرفون أنهم يريدون مجتمعا أفضل وحياة أحسن. لا أكثر ولا أقل. في الحقيقة أن اصطلاح القوة الناعمة لا يعجبني لأنها لم تعامل كذلك أبدا. وإذا أردت أن تعرف كيف عوملت في تاريخ الإسلام فاقرأ كتاب «موسوعة العذاب» لكاتبه العراقي عبود الشالحي. سبعة أجزاء لايمكن أن تكملها. لتعرف من وكم من الكتاب والمفكرين والمتصوفة والشعراء تم قتلهم أو سجنهم أو سحلهم. حدث ذلك في المسيحية طبعا في العصور الوسطي والقديمة. أنا أراها القوة الحقيقية ، ببساطة لأن جيشا ما يمكن أن ينتصر ويمكن أن يهزم لكن كتابا ما أو قصيدة ما مهما واجه صاحبها لا تنهزم. يمكن أن يُسجن صاحبها أو يموت لكنها تبقي علامة إدانة لمن فعلوا به ذلك. والأهم أن هذه القوة الناعمة هي التي احتفظت للتاريخ بذكري الملوك والحكام سواء مما تركه الفراعنة من آثار قام بها فنانون طبعا وليس أحدا آخر أو ما تركته الحقبة الإسلامية في مصر من آثار تاريخية مثل القصور والجوامع وكل الحقب قبلها مسيحية رومانية أو يونانية قبل المسيحية. أي أن هؤلاء الحكام جميعا أصحاب الجيوش والسفن ماتوا وذهبوا ولم يبقَ منهم غير ما تركته القوة الناعمة خلفها من آثار. ومن ثم لا يستقيم القول بأنها القوة الناعمة. هي القوة الخشنة إذن ! كلمة خشنة سيئة النطق والمعني التراثي. هي إذن قوة الروح التي لا تفني بل كلما مر بها الزمن اتسعت وملأت فضاء العالمين. قوة الروح في كل العصور. عصور الانحطاط وعصور التقدم وهي لا تنحط أبدا علي عكس أي قوة أخري.