ورغم هذا أعتقد ان أهم ما جاء ببيان الحكومة هو أن الاتفاقية ستعرض علي مجلس النواب لمناقشتها والنظر في التصديق عليها من عدمه

لاشك أن المتهم الأول في الفتنة الدائرة حاليا في المجتمع المصري بشأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية وما ترتب عليها من اعتراف الحكومة المصرية رسميا بأن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان هو ذلك التعتيم الذي نصر عليه وإدمان انتظار ردود الأفعال.
أيضا توقيت توقيع الاتفاقية لم يكن موفقا حيث جاء ضمن حزمة اتفاقات تحمل مساهمات ودعماً من السعودية للاقتصاد المصري مما أعطي إيحاء بأن الجزيرتين ثمن لمثل هذه المساعدات وبالمعني الاوسع ثمن لدعم السعودية لمصر في فترة ما بعد ثورة 30 يونيو، وهو أمر مستبعد تماما من الطرفين.
الأمر الثابت لدي غالبية الشعب وأنا منهم أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وطني حتي النخاع ولا يمكن أن يفرط في حبة رمال من أرض الوطن والثابت أيضا أن جيشنا الباسل الذي أريقت دماء أبنائه علي هذه الأرض لن يسمح لأي كائن أن يأخذ حفنة من ترابها، لكن تعامل الحكومة مع القضية هو مكمن الأزمة.
كان الأحري بالحكومة أن تطلع الشعب بشأن مطالبة السعودية بإعادة الجزيرتين منذ بدء مباحثات ترسيم الحدود البحرية والتي قال البيان إنها استغرقت ست سنوات. وكان الأفضل عدم توقيع الاتفاقية إلا بعد حوار مجتمعي ليطلع الشعب علي الحقيقة، لكن ما حدث أننا فوجئنا بالحكومة عقب توقيع الاتفاق وبعد أن امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بدعاوي التنازل عن الجزيرتين أو بيعهما، تصدر بيانا زاد الأمور تعقيدا وبه اعتراف بأن الجزيرتين كانتا ملكا للسعودية وهي التي طلبت من مصر عام 1950 حمايتهما.
الحقيقة بالقطع مهمة أهل الاختصاص وأساتذة القانون الدولي والتوثيق وترسيم الحدود، لكن الغريب أن بيان الحكومة جاء عاما وليس به أي دليل مستندي أو خرائط تدعمه بما يشعل الفتنة التي وجدها أعداء الوطن وأعداء التقارب المصري السعودي فرصة سانحة لترويج دعاوي التفريط في أرض الوطن.
وحسنا فعل السفير سامح شكري وزير الخارجية بتوضيح أن مصر لم تتقاض ثمنا لما تضمنه الاتفاق بشأن تيران وصنافير لكن كان الأهم دعم حديثه بالمستندات التاريخية، مع ملاحظة أن حديث الوزير جاء كرد فعل بعد أن ترددت شائعات علي ان التنازل عن الجزيرتين جاء مقابل ملياري دولار سنويا و25 % من عوائد استغلال موارد الجزيرتين.
ورغم هذا أعتقد ان أهم ما جاء ببيان الحكومة هو أن الاتفاقية ستعرض علي مجلس النواب لمناقشتها والنظر في التصديق عليها من عدمه، وفي ذلك تدارك لخطأ فما لا يدرك كله لا يترك كله.
علي الحكومة أن تبادر فورا لوأد الفتنة في مهدها وقبل أن تطول العلاقات المتميزة التاريخية بين مصر والسعودية، باعتبارهما ركيزة التوازن الاقليمي في المنطقة، بتشكيل لجنة فنية من خبراء القانون الدولي والخبراء العسكريين وشخصيات عامة لفحص كافة الوثائق المتعلقة بالموضوع ووضع تقرير شامل عن القضية وعرض النتائج علي الرأي العام، وبذلك تكون اللجنة قد قطعت قول كل خطيب.
إما أن الجزيرتين مصريتان كما تعلمنا في كتب التاريخ فنتمسك بهما ونرفض الاتفاقية مع كل الاحترام والود والتعاون مع الشقيقة السعودية أو أنهما ملك للشقيقة السعودية بالفعل وفي هذه الحالة لا ضرر من عودتهما إليها.
ألم تكن الحكومة تدرك أن الرأي العام المصري لن يقبل بهذه السهولة وبين ليلة وضحاها بما جاءت به الاتفاقية بشأن الجزيرتين، وكان أمامها حل أسلم وأكثر أريحية وشفافية ولنا فيه باع طويل ومشرف وهو اللجوء للتحكيم فما دامت الحكومة تيقنت من أن الجزيرتين سعوديتان فما المانع أن يكون هذا الكلام نتيجة للتحكيم وهنا لن يعلق أي شخص أو يستغل الموقف للنيل من البلد وقيادتها، ولنا في ملحمة طابا تجربة يشار لها بالبنان.
كل يوم وكل ساعة وكل لحظة إلا وتتحدث الحكومة عن الشفافية والإفصاح وهي منهما براء فالتعتيم كان سببا في كثير من الأزمات التي واجهناها واحدة تلو الأخري وآخرها السماح بعودة هارب اسمه طارق عبد الجابر هاجم بلده وأهانها وتعاون مع الجماعة الإرهابية ثم اعتذر وطلب السماح وعاد لنستقبله استقبال الفاتحين ونفرد له شاشات الفضائيات. نعم من حقه العودة لبلده الأم الحنون فهو مصري، لكن من حق البلد والمجتمع والناس أن يحاكم عما اقترفه من آثام.