محافظ الشرقية ذهب إلي قريتنا لتقديم العزاء في استشهاد محمد حسن اسماعيل.. ووعد بحل كل مشكلات القرية.. ولكن للأسف لم يحدث شيء مما قال!

كتبت مقالي السابق عن قريتي التي لم تعد كما كانت - وكل ما كتبته لا يخص قريتي فقط.. ولكنه ينطبق علي جميع قري المحروسة.. فكلها نسخة مكررة.. ليس بينها اختلاف.. العشوائية هي أسلوب الحياة.. بدءاً من التعدي علي الأراضي الزراعية وانتهاء بتحويل الترع إلي مصارف للمجاري والصرف الصحي.
وجاءتني تعليقات كثيرة تؤيد ما ذكرته.. ولكنها في نفس الوقت تحمل رسالة عتاب للحكومة بسبب أهمالها للقري لدرجة أنها سقطت من دفاترها.. وأن المحروسة في نظر حكومتنا الرشيدة هي القاهرة فقط.. وما عدا ذلك فهو بعيد عن فكر وعطف الحكومة.
فعلي سبيل المثال مشروع الصرف الصحي غير موجود في معظم القري وفي قريتنا ميت حمل بلبيس بدأ قبل عام 2011.. وتوقف بسبب ثورة 25 يناير ولنفاد التمويل.. ومازال حتي الآن - محلك سر! - وأصبح الأهالي يصبون مياه المجاري في الترع التي تروي منها الأراضي الزراعية أما الطريق الرئيسي فأصبح مثل الدروب الصحراوية.. بعد أن تم شقه إلي نصفين.. لمد مواسير الصرف الصحي.. وتوقف المشروع وبالتالي مازال الطريق بدون رصف.. مما جعل المرور عليه مغامرة غير مأمونة العواقب.
أما الفلاح.. فمازالت معاناته مستمرة.. يشكو همه وآلامه للأرض.. وتبادله نفس الهم والآلام.. بعد أن بلغ التعدي عليها إلي أبعد مدي.. إضافة إلي شكواها من تلوث المياه التي تروي بها.. فهي عبارة عن مياه مجاري تحمل الكثير من السموم والأمراض وتخاف أن ينتقل كل هذا للفلاح الذي يحنو عليها رغم قلة الإمكانيات المتاحة له.. وكانت وزارة الري تقوم سنوياً بتنظيف الترع والمصارف بالكراكات للسماح بمرور المياه بسهولة.. أما الآن - فقد اختفت المياه.. واصبح الفلاح يعتمد علي المياه الجوفية في ري أراضيه أو مياه المجاري التي أصبحت تصب في الترع.. وانتشرت أمراض لم نكن نسمع عنها من قبل.. مثل الفشل الكلوي والكبدي.
اما مستلزمات الانتاج فأصبحت في يد الجمعيات الزراعية وبنك الائتمان الزراعي اللذين يحددان السعر الذي يحقق لهما أعلي سعر.. بغض النظر عن امكانيات الفلاح المادية.. وإذا زرع واجتهد لا يجد من يشتري المحصول.. وتخلت الدولة عن القطن ومنعت زراعة الأرز المحصول الرئيسي للفلاح لنقص المياه التي تم تحويلها لأصحاب المزارع والمنتجعات الخاصة.
أما شباب القرية.. فهم ليسوا من أبناء الصفوة.. فبعد التخرج في الجامعة.. يجدون المقاهي في انتظارهم.. ومن يجد وظيفة في مصانع العاشر من رمضان.. لا تكون مناسبة للمؤهل الذي حصل عليه.. وإذا أراد الزواج فعلي والده أن يتكفل به ويوفر له السكن والزوجة ومصاريف الحياة. لذلك يلجأ الكثير من شباب القرية إلي الهروب واللجوء إلي الهجرة غير الشرعية.. املاً في الثراء السريع.. فيقع فريسة للعصابات أو يلقي مصرعه غرقا في البحر أو يزج به في أحد السجون دون أن يعرف عنه أحد شيئا.. ولديه استعداد لتكرار التجربة إذا فشلت المحاولة الأولي.. علي الرغم من علمه بأن مستقبل المغامرة مجهول.
هذا قليل من كثير تعاني منه القرية المصرية.. لأنها دائماً بعيدة عن مركز صنع القرار.. فكل اهتمامات الحكومة بالعاصمة فقط سواء في توزيع الأراضي السكنية في المدن الجديدة والتي ولا يستطيع الشاب إبن القرية المصرية أن يوفر ثمن متر واحد.. أو في بناء المساكن والشقق التي تتطلب الآلاف كمقدم لها أما المحافظات وما تتخللها من مدن وقري فهي أبعد ما تكون عن تفكير المسئولين.