محمد صلاح
محمد صلاح


يوميات الأخبار

رمسيس والمقريزى.. والجمهورية الجديدة

الأخبار

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021 - 05:30 م

بقلم/ محمد صلاح

وفجأة نظر الملك رمسيس الثانى الى المقريزى وقال له: قمت بتأليف كتابك عن خطط القاهرة فى خمسة وثلاثين عاماً، فكم تحتاج من السنين لذكر خطط العاصمة الإدارية الجديدة فقط.

- ماذا لو كان القدماء يعيشون بيننا الآن؟
سؤال كثيراً ما يراود العديد من المثقفين فى كل العصور، حقاً ماذا سيقول بعض من سبقونا فى عصور مضت عما نعيشه الآن من تقدم وبناء.
 أخطأنا حين اعتبرنا أن التاريخ للقدماء، فنحن نبنى تاريخ اليوم والغد.

الملك رمسيس الثانى
رمسيس الثانى أحد أشهر ملوك الفراعنة الذين حكموا مصر قبل الميلاد، فهو ثالث حكام فراعنة الأسرة التاسعة عشرة، استلم الحكم فى مصر بعد وفاة والده، تذكر بعض المصادر أنه حكم مصر حوالى 77 عاماً، يعد الفرعون الأكثر شهرة والأقوى، طوال عهد الإمبراطورية المصرية القديمة، وقد لقبه من خلفه من الحكام بالجد الأعظم. قاد الكثير من الحملات العسكرية بنفسه، ركز الملك رمسيس الثانى فى فترة حكمه الأولى على تشييد المعابد والمدن والمعالم الأثرية العظيمة، قام ببناء عدد كبير من المبانى يفوق أى فرعون مصرى، أتم بناء المعبد الذى بدأه والده فى أبيدوس، ثم بنى معبدا خاصا به بجوار معبد والده ولكنه تهدم ولم يتبق منه إلا أطلال، أتم بناء المعبد الذى بدأ جده رمسيس الأول بناءه فى الكرنك.

قام ببناء مدينة بى رمسيس التى تقع فى منطقة الدلتا والتى قامت على أنقاض مدينة أواريس عاصمة الهكسوس سابقًا، وجعل منها عاصمة جديدة، وجعلها قاعدة رئيسية لحملاته العسكرية، كما أقام فى مدينة طيبة معبدا جنائزيا ضخما بناه لآمون ولنفسه، ويوجد له رأس ضخم أخذ من هذا المعبد ونقلت إلى المتحف البريطانى، أطلق العلماء على هذا المعبد اسم الرومسيوم، كما بنى معبد أبو سمبل المنحوت فى الصخر وعلى بابه أربعة تماثيل ضخمة، كما بنى معبدًا صغيرًا منحوتًا فى الصخر لزوجته الملكة نفرتارى وكرسه لإله الحب حتحور، ويوجد على مدخله ستة تماثيل ضخمة. أقام رمسيس الثانى العديد من المسلات منها مسلة مازالت بمعبد الأقصر، وأخرى موجودة حاليا فى فرنسا بميدان الكونكورد بباريس.

المقريزى
تقى الدين أبى العباس أحمد بن على المقريزى صاحب كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» المعروف باسم «الخطط المقريزية»، ذلك الكتاب الذى يعد فريداً فى موضوعه، وطريقته، ومادته الغزيرة، فالكتاب يعد بلا جدال من أهم كتب التراث العربى، فهو أشمل وأوسع كتاب تحدث عن مدينة وتناول فيه المؤلف بطريقة تدعو إلى الانبهار الظواهر التاريخية والعمرانية للمدينة، حيث تحدث عن القاهرة وطوبوغرافيتها: شوارعها، أسواقها، أحيائها، جوامعها، كنائسها، مدارسها، قصورها، حماماتها، أسوارها، أبوابها.... ويذكر أنه استغرق حوالى خمسة وثلاثين عاماً فى كتابته وتعديله. ولولا هذا الجهد الكبير فى جمع مادته ما استطاع أحد التعرف على تاريخ القاهرة العمرانى، والطوبوغرافى فى العصور الوسطى. وقد حرص على أن يذكر مصادر المعلومات التى وردت فى الكتاب. وقد قسم الكتاب إلى سبعة أجزاء تحدث خلالها عن: جغرافية مصر ونيلها، وجبالها.. والمدن المصرية، وسكانها، والفسطاط، والقاهرة، وأحوالها، وقلعة الجبل، والسلاطين، وعن اليهود، والمسيحيين المصريين، وكنائسهم، وأديرتهم.  
 فالكتاب يعد كنزا تاريخيا يسجل تاريخ مصر العمرانى، والاجتماعى، والفنى، والاقتصادى.

اللقــاء
 التقى الملك رمسيس الثانى والمقريزى فى مشهد خيالى، بحى الحسين التاريخى، ووسط عبق التاريخ، تعارفا، وبدأ كل منهما الحديث عن نفسه وعن أعماله، وأهميتها، وسرعان ما تحركا بشوارع وحوارى الحى العتيق، وحيث التطوير الذى تشهده المنطقة ضمن مشروع تطوير القاهرة التاريخية، وأثناء الانبهار بما يتم بهذا المشروع الضخم، ومن حديث بعض العمال بذلك المشروع عن الإنجازات التى تمت بمصر خلال السبع سنوات الماضية، وبالتحديد منذ تولى الرئيس السيسى مسئولية البلاد، قرر المقريزى تحديث كتابه عن الخطط فاصطحب رمسيس الثانى فى جولة سريعة للمدن المصرية للتعرف على الاختلاف الذى حدث خلال السنوات السبع الماضية.

المفاجأة
 شاهد الملك والمؤرخ ما تم توفيره من بنية تحتية جاذبة للاستثمار مما يساعد على توفير المزيد من فرص العمل، ويساهم فى رفع معدلات النمو الاقتصادى، وتحقيق التنمية الشاملة، وتذليل العقبات أمام المستثمرين، بالإضافة إلى تطوير المشروعات المتعلقة بالبنية الأساسية للتنمية فى كل المجالات، وما تشهده محافظات مصر حالياً من تنفيذ أضخم مشروع قومى لتبطين الترع، بالإضافة إلى استصلاح المليون ونصف المليون فدان، ومشروعات الصوب الزراعية الكبرى.

ثم مشروع المليون رأس ماشية، وإحياء مشروع البتلو، ومشروعات تنمية الثروة السمكية التى تساعد فى سد الفجوة الغذائية، إلى جانب تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز بل والتصدير، أما فى جانب الاهتمام بالمواطن وحياته فقد تم اطلاق مشروع حياة كريمة، ذلك المشروع السحرى الذى يخدم ملايين المصريين من محدودى ومتوسطى الدخل، حيث يعد أضخم مشروع تنموى على مستوى العالم وعلى مر العصور، أما التعليم والصحة فقد اعتبرتهما الدولة الركيزة الأساسية للتنمية البشرية حيث أولت اهتماماً خاصاً بمجالات التعليم والصحة.  
 وفى مجال تطوير البنية التحتية تم تنفيذ العديد من المشروعات فى مجالات الإسكان، والقضاء على العشوائيات، ومياه الشرب والصرف الصحى، والطرق، وتطوير المناطق غير الآمنة، وغير ذلك من مشروعات الكهرباء، والنقل، والمحاور المرورية الجديدة لربط العديد من المدن وتسهيل الانتقال، إلى جانب إنشاء مطارات جديدة.

العاصمة الإدارية
 بمجرد أن وصل رمسيس والمقريزى إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وتجولا بها، وشاهدا المبانى والأبراج الشاهقة الارتفاع، إلى جانب مركز المؤتمرات، ومدينة المعارض، والحى الحكومى وما به من مبانى الوزارات، ومبنى البرلمان، ومبنى مجلس الوزراء، والحى السكنى، والمدينة الطبية، والمدينة الرياضية، والحديقة المركزية، والمدينة الترفيهية.
وغير ذلك من المبانى الايقونية المتميزة بتصميمها المبهر الذى يعكس براعة المصرى فى تنفيذ المشروعات الضخمة وفق اعلى معايير الجودة، حيث مسجد الفتاح العليم والذى يعد من اكبر المساجد حول العالم، كاتدرائية ميلاد المسيح الاكبر حجماً وسعة بالشرق الاوسط، ومتحف عواصم مصر.. الذى يحاكى تاريخ العواصم المصرية عبر العصور ، فالقاعة الرئيسية تعرض اثار عدد من عواصم مصر القديمة والحديثة : منف، طيبة، تل العمارنة، الاسكندرية، الفسطاط، القاهرة الفاطمية، القاهرة الخديوية، بالاضافة الى عرض مقتنيات تمثل انماط الحياه بتلك العواصم مثل ادوات الحرب والقتال، والوثائق المختلفة . الى جانب جناح خاص بالعالم الاخر عند المصرى القديم ، وغير ذلك من المقتنيات التى يتم عرضها باستخدام احدث الوسائل التكنولوجية .

امام كل هذه المبانى الضخمة ، التى تعكس عظمة المعمارى المصرى، وامام نظام الاضاءة الليلية الساحرة التى تزين المبانى تملكت الدهشة والانبهار الملك رمسيس الثانى أكثر الملوك الفراعنة بناءً، وتقى الدين المقريزى صاحب أشهر وأعظم كتاب تحدث عن القاهرة ومبانيها، عم الصمت، تتحول النظرات من جانب لآخر.

الست وحافظ
 وسط الدهشة، والشرود البصرى، والهول من كثرة المبانى مع التخطيط الجيد المتميز، يزداد الانبهار، وسط كل هذا إذ بصوت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم تشدو من كلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم:
وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدى
وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى
إن مجدى فى الأوليات عريق من له مثل أولياتى ومجدى
أنا إن قدر الإله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رام و راح سليما من قديم عناية الله جندى
كم بغت دولة علىّ وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدى
إننى حرة كسرت قيودى رغم أنف العدا وقطعت قيدى

الخلاصة
 كان صوت كوكب الشرق يبعد شيئاً فشيئاً إلى أن تلاشى، ولكن ظل رمسيس والمقريزى يرددان:
أنا تاج العلاء فى مفرق الشرق ودراته فرائد عقدى
إن مجدى فى الأوليات عريق من له مثل أولياتى ومجدى
 وفجأه نظر الملك رمسيس الثانى إلى المقريزى وقال له: قمت بتأليف كتابك عن خطط القاهرة فى خمسة وثلاثين عاماً، فكم تحتاج من السنين لذكر خطط العاصمة الإدارية الجديدة فقط.

المقريزى: يا جلالة الملك أنت حكمت حوالى 77 عامًا بنيت فيها الكثير، فكم ترى من السنين تحتاج لبناء ما شاهدت فى جولتنا السريعة هذه.
رمسيس الثانى: احتاج مئات السنين يا مقريزى.
المقريزى: السيسى أنجز هذا كله وأكثر فى سبع سنوات.
رمسيس الثانى: إذاً فدعنا من خططك يا مقريزى واترك للتاريخ الخطط السيساوية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة