عندما لا يجد طفل أو غلام ما يسد جوعه ويقيه برد الشتاء وحرارة الصيف رغم وجود والديه لفقر الحال.. ألا يعتبر ذلك يتما؟!

أطفال الشوارع أخذوا تسميات مختلفة وتصنيفات متعددة مثل قنابل موقوتة، مسجلين خطر، بؤساء ولكن هناك إحساس لدي العامة تجاهم وهو الخوف من أغلبهم والإحساس بالعطف تجاه بعضهم بإعطائهم قليل من المال لسد جوعهم.

أطفال الطرق هم يتامي رغم أن عمر بعضهم قد يزيد عن العمر المتعارف عليه لليتيم ولكنهم هم ضحايا ظروف اجتماعية وقهر من المجتمع فلم يجدوا من يربيهم ويرعاهم بل تركهم أهلهم ومجتمعهم فلم يجدوا غير الشارع مأوي وغذاؤهم من سلات المهملات ورأسمالهم من التسول بالحسني وأحيانا بالإلحاح.

هذا المشهد البائس لأطفالنا وشبابنا في الشوارع هو القهر بعينه.. قهر لا يفكر فيه أحد فعندما تري طفلة أو طفلا في عمر الزهور بابتسامتهم البريئة التي لم يغيمها الزمان والناس يقفون بجوار السيارات يبيعون مناديل ورق أو أي سلعة من أجل الحصول علي فتات من المال وهم يرتدون ملابس خفيفة وسط برد قارس.. تشعر بمدي قساوة الأيام التي ظلمتهم وتتحسس بأيديك أولادك وتستغفر الله وتتمني ألا يلقوا هذا المصير في وجودك أو في غيابك.

علينا أن نتوسع في فهم معني اليتم فالأب الذي لا يستطيع أن يوفر لأسرته الحد الأدني للحياة وفق مفهوم العصر أو حتي وجبة واحدة فقيرة يوميا لأبناؤهم يتامي.. أب يشعر بالقهر والعجز.. أب خرج للحياة فلم يجد عملا أياما طوال قد تصل إلي شهور وسنين.. وكثيرا ما نشاهد ونقرأ عن أب قتل أسرته بالكامل لعجزه عن الإنفاق عليهم كأنما أراد أن ينهي صراخ الأيام بصرخة واحدة فيها نهاية لكل الصرخات.

هل ينتظر المجتمع ليري أولادنا يتامي في كل الطرق.. هل أغنياء الوطن لا يفكرون سوي في دور الأيتام فقط وهو عمل ايجابي لرعاية الأطفال الذين يتركون في الشوارع وبجوار الملاجئ.

نحن نملك ثروة بشرية من صغار السن وهي ميزة لا تتوافر في مجتمعات كثيرة ولكننا للأسف نتركهم للشوارع يشعرون بالحزن من الناس والمجتمع لتركهم في العراء ويشعرون بالأسي وهم يرون أطفالا مثلهم ينعمون بالحياة.

ألم يأن الأوان أن نستفيق وتتعاون الدولة مع الأثرياء ومجتمعات العمل الحقوقي والمدني والمنظمات الإنسانية العالمية بأن تقيم مشروعات اجتماعية تعليمية اقتصادية تعيد هذه الفئة التي تعد بالملايين إلي رباط المجتمع فيزداد قوة.

أليس من الممكن أن تصبح رعاية الأيتام دورا ترعي الطفولة في بواكيرها وتكسبها الحنان والعطف فاليتيم في طفولته الأولي لا يحتاج إلي الغذاء فقط بل الحنان هو بمثابة الغذاء الروحي الذي تنشأ عليه شخصيته السوية في المستقبل حتي لا يصير عدوا للناس والمجتمع. لقد شاهدت للأسف في إحدي دور الأيتام أطفالا يتسم بعضهم بالإحساس بالانكسار النفسي لأن الدور تقدم لهم الغذاء فقط دون رعاية عاطفية وجدانية، وأطفالا لم تستسلم للانكسار ولكن ظهر عليها مبكراً العداء للآخر سواء صغيراً أو كبيراً.

أناشد جميع الباحثين الاجتماعيين أن يدرسوا ظاهرة أطفال الشوارع عن قرب فالأمر خرج عن توفير لقمة عيش أو عمل لهم فالخلايا العاطفية الفقيرة في وجدانهم والتي تتسم بالعداء للمجتمع نتيجة إحساسه بالقهر منذ أن كان رضيعا أحق بأن تعالج نفسياً حتي نجد في نهاية الطريق دور اجتماعية تخرج لنا جيلا سويا نعتمد عليه ونثق فيه.

أدعو الناس في يوم اليتيم ليس للابتسامة والزيارة فقط لدور الايتام بل لبث الأمل في نفوسهم لحياة أفضل. هم أولادنا اجتماعيا حتي وإن ضن أهلهم عليهم