لابد أن أبدأ بهدف اللاعب الموهوب رمضان صبحي في مرمي نيجيريا.
الهدف الذي أعادنا إلي بطولة الأمم الأفريقية بعد غياب طويل امتد لثلاث دورات متتالية وهو ما لم يحدث من قبل.. الهدف الذي أعاد الأمل في الكرة المصرية وجعلنا نتذوق من جديد طعم الفوز علي الكبار.. ونعيد أيام المعلم حسن شحاتة والجنرال محمود الجوهري. الهدف الذي فرح المصريين وجعلهم يعودون إلي ملاعب الكرة من جديد يشجعون بحماس منتخب بلادهم.. وينسون التعصب السخيف لأنديتهم ويعيدون للملاعب جمالها وبهجتها بوجود جماهير واعية متحمسة بعيدا عن حماقة وغباوة الألتراس الذين أفسدوا كل شئ في الرياضة.
كرة القدم تفرح المصريين.. وتنسيهم الكثير من همومهم.. وتعطيهم قدرا كبيرا من الأمل.. وتعيد إليهم بعض الثقة في قدراتهم.. لاشك في ذلك.. ويجد فيها رجال السياسة والأمن أحيانا مخرجا لبلاويهم وبئرا يدفنون فيه اخفاقاتهم.. وجسرا يعبرون عليه أزماتهم. نعم.. هذه هي كرة القدم التي تجمع كل طبقات المجتمع وتوحد أحاديثهم.. وتتراجع معها كل المشاكل.
ويجيئ الانتصار الرياضي المصري علي فريق مثل نيجيريا له سمعته الكروية العريضة.. في يوم كادت فيه سمعتنا في العالم تضيع إلي الأبد بسبب رجل مجنون أهبل متهور اختطف طائرة مصرية بركابها لهدف لا يعلمه أحد إلا هو وطليقته القبرصية.. ولولا هدوء وحكمة وشجاعة قائد الطائرة وفريق الضيافة لكان الأمر مختلفا.. فنحن لم نفق بعد من ضربة طائرة شرم الشيخ التي قصمت ظهرنا وجعلتنا نتسول السائحين إلي بلد من أجمل البلدان سياحيا.. وتعتمد علي دخلها من السياحة في فتح بيوت الملايين من مواطنيها.
يجيء الهدف أيضا بعد أن حققت الحكومة هدفها.. بإلقاء بيانها المتفائل بعد أن أجرت التعديل الوزاري المتخبط بناء علي رغبة توافقية من أعضاء مجلس النواب.. وهو كما قلت تعديلا متخبطا أعاد لنا الصورة القديمة والمتكررة لنظام التعديلات الوزارية في كل العهود السابقة.. فهو لم يوضح لنا لماذا خرج هؤلاء ولماذا جاء هؤلاء ولماذا بقي هؤلاء.. أهو تعديل والسلام من أجل الحصول علي ثقة البرلمان.. مع أنها ثقة موثوق منها. ما أثارني هو استمرار بعض الوزراء الذين كان يجب خروجهم لكثرة الاعتراضات الشعبية عليهم وعلي أدائهم.. والإبقاء علي وزارات لا لزوم لها.. واستحداث وزارات لا اختصاص لها.. والأهم هو تكليف بعض ممن هم ليسوا جديرين بهذا المنصب الذي يتطلب مواصفات خاصة.. والآن نسينا حكاية الوزير سعفان وتهنئته محمد مرسي بنصر أكتوبر ووصفه بأنه أحد صانعيه.. ونسينا الوزير صاحب الصور الغريبة في كندا.. والوزيرة مديرة الشركة المتخاصمة مع محافظ البنك المركزي.. ليت الهدف لا ينسينا كل هذا.
ليت الهدف أيضا لا ينسينا بعض ما جاء في بيان الحكومة من صورة غير مرضية عن الوضع الاقتصادي المصري.. وألا ينسينا أن أمامنا جهدا كبيرا لابد أن يبذل حتي تستعيد علي الأقل ما كنا عليه.. وحتي يمكن أن نفكر في أي خطوة إلي الأمام.. قال رئيس الوزراء إن الاحتياطي الدولاري للبلاد تراجع من 35 ملياراً عام 2011 إلي 16 مليار دولار.. وانخفضت تنافسية الاقتصاد لتأتي مصر في الترتيب 119 بمؤشر التنافسية العالمي من بين 144 دولة في عام 2015/2016، مقارنة بالمرتبة رقم 81 من 139 دولة في 2010/2011 وتراجع عدد شهور الواردات السلعية، التي يغطيها صافي الاحتياطيات الدولية إلي 3٫2 شهر، مقارنة بأكثر من 8 شهور في يونيو 2010.. وأن فوائد الدين العام 193 مليار جنيه بما يعادل 26٪ من إجمالي المصروفات العامة في عام 2014/2015. وأن الدين الحكومي في يونيو 2015 بلغ نحو 2٫3 تريليون جنيه بنسبة 93٫7٪ من الناتج المحلي الإجمالي.. وارتفع إجمالي الدين الخارجي إلي نحو 46 مليار دولار في سبتمبر 2015 مقابل 33٫7 مليار دولار في يونيو 2010.. كما ارتفعت فاتورة الواردات إلي 61 مليار دولار خلال عام 2014/2015، مقارنة بـ5 مليارات دولار عام 2010/2011. في الوقت الذي تراجعت فيه الصادرات من نحو 27 مليار دولار إلي 22 مليار دولار.. كما شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً كبيراً في أعداد السائحين لتصل إلي نحو 5 ملايين سائح، مقارنة بما يقرب من 15 مليون سائح عام 2010.
الشئ الوحيد الذي ارتفع هو معدلات النمو السكاني إلي 2٫6٪ سنوياً لتكون من أعلي المعدلات علي مستوي العالم.. كنا 77 مليون نسمة في عام 2009 ووصلنا بعون الله إلي 90 مليون نسمة هذا العام يعيشون في مساحة لا تتجاوز 7٪ من إجمالي مساحة مصر.
أتمني ألا ينسينا هدف رمضان كل هذا.