بقلم:إيهاب فتحى
عروس داعش وقرار لندن
السبت، 25 سبتمبر 2021 - 01:37 م
بقلم:إيهاب فتحى
قبل عام كانت بريطانيا كلها مشغولة بقصة رئيسية واحدة عنوانها عروس داعش أو شيموم بيجوم الفتاة الانجليزية من أصل بنجالى والتى سافرت إلى سوريا فى العام 2015، وانضمت إلى داعش وتزوجت من داعشى هولندى وتحولت إلى إرهابية.
كان يمكن لقصة بيجوم أن تمر كما مرت غيرها من قصص الداعشيات اللائى انضممن للتنظيم الإرهابى الأخطر فى العالم وانتهت حياتهن إما بالموت أو الاختفاء الغامض عقب انهيار التنظيم الداعشى فى سوريا والعراق.
نجت بيجوم من الموت وقتل زوجها الداعشى الهولندى فى المعارك بعد أن أنجبت منه وتوفى طفلها عقب ولادته بفترة قصيرة وعلى عكس زميلاتها المختفيات أو الهاربات من عضوات التنظيم، تصدرت بيجوم واجهة الأخبار الانجليزية والعالمية لأن بعد القبض عليها وإيداعها أحد المعسكرات الخاصة بنساء داعش فى شمال شرق سوريا تفاخرت بانضمامها إلى داعش ورأت أن أعمالها الإرهابية أعمالا عظيمة ولكنها بعد قليل تحولت وطالبت بالعودة إلى بريطانيا وأن يغفر لها المجتمع البريطانى انضمامها إلى داعش.
دموع بيجوم التى سالت و نبرة الضعف فى صوتها التى أجادت استخدامها حركت موجة من التعاطف داخل المجتمع البريطانى ممن لا يعلمون الحقيقة كاملة وصدقوا الدموع والضعف، بدأ المتعاطفون يضغطون على الحكومة الانجليزية حتى تسمح بعودة عروس داعش إلى لندن.
جاء رد الحكومة الانجليزية واضحًا وصادمًا للمتعاطفين وللعروس التى ظلت الدموع تسيل على خديها فى براءة كأنها لم تنضم لأخطر التنظيمات الإرهابية وعاشرت القتلة وأصبحت واحدة منهم بمحض إرادتها، أصدرت الحكومة الانجليزية قرارًا بسحب الجنسية البريطانية من العروس لأنها تمثل خطرًا كبيرًا على الأمن القومى البريطانى.
لم تستسلم عروس داعش أمام قرار الحكومة البريطانية واستمرت فى ابتزاز مشاعر المتعاطفين معها الذين لايعلمون حقيقة ما فعلته فى سوريا وقت أن كانت عضوًا مؤثرًا فى تنظيم داعش.
من ناحية أخرى دشنت عروس داعش واحدة من أشرس المعارك القضائية بينها وبين الحكومة البريطانية التى امتلكت معلومات مؤكدة عن طريق أجهزتها الأمنية بأن شيموم بيجوم ليست تلك المرأة المسكينة كما تصور نفسها بل هى إرهابية تمثل أعلى درجة من الخطورة على الأمن القومى البريطانى فى حال عودتها إلى الأراضى الانجليزية.
بدأت المعركة عندما رفع ذوى شيموم بيجوم دعوى قضائية أمام المحاكم البريطانية لأجل أن تسترد بيجوم جنسيتها المسحوبة وحسب القانون البريطانى يجب أن يأتى رافع الدعوى القضائية بنفسه أمام القضاء.
سمحت أحدى درجات التقاضى فى الدعوى بعودتها ويبدو أن المتعاطفين المغيبين عن الحقيقة أثمر تعاطفهم عن هذا الحكم وهنا تدخلت وزارة الداخلية ممثلة للحكومة البريطانية للطعن فى قرارعودة بيجوم ووصلت الدعوى الى أعلى سلطة قضائية أوالمحكمة العليا التى يرأسها اللورد روبرت ريد.
تقدم السير جيمس إيدى نائبًا عن الحكومة البريطانية إلى جلسة الاستماع التى حددتها المحكمة العليا قبل الفصل فى القضية وأوضح موقف حكومته دون أى تفاصيل أوأسباب غيرسبب واحد قاله فى مرافعته إن شيموم بيجوم تمثل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومى وأن جهاز المخابرات الداخلية البريطانية "MI5" أخبر وزيرالداخلية فى عام 2019 بأن بيجوم عضوخطيرفى داعش وسيتم تفادى المخاطرالتى تشكلها على الأمن عندما تحرم من جنسيتها.
أصدراللورد روبرت ريد رئيس المحكمة العليا أعلى سلطة قضائية بريطانية حكمه فى القضية وتكشف تفاصيل الحكم الى أى قيمة انحازت المحكمة العليا البريطانية بعيدًا عن المتعاطفين المخدوعين فى دموع عروس داعش
تسمح المحكمة العليا باستئناف وزارة الداخلية ولا تجيز ذلك للسيدة بيجوم لأن المحكمة(المقصود المحكمة التى سمحت بالعودة). لم تعطِ قرار وزيرالداخلية الاحترام الذي كان ينبغي أن يحظى به لأن وزيرالداخلية تمنحه مسئوليته إجراء تقييمات للأمن القومي.
أجرت المحكمة(نفس المحكمة التى أجازت العودة)تقييمها الخاص لمتطلبات الأمن القومى وفضلته على تقييم وزيرالداخلية رغم عدم وجود أي دليل ذى صلة معروض أمامها.
نأتى للسبب الأخيرالذى أرتأته المحكمة العليا البريطانية لعدم عودة بيجوم أومناقشة موضوع سحب جنسيتها وهويوضح طبيعة الفكرالقضائى البريطانى وأى الأولويات يضعها فى المقام الأول بعيدا عن رأى عام مخدوع فى عروس داعش "أن الحق في محاكمة عادلة ليس مقدماً ولايتفوق على كل الاعتبارات لأخرى مثل سلامة الناس والمجتمع وإذا كانت المصلحة العامة تجعل من المستحيل الاستماع إلى القضية بشكل عادل فلايمكن للمحاكم في الأحوال العادية أن تنظرفيها".
لقد وضعت المحكمة العليا البريطانية سلامة الناس والمجتمع قبل أى اعتبار حتى قبل المحاكمة العادلة وارتكنت فى ذلك الى تقييم الأجهزة الأمنية المختصة أوالسلطة التنفيذية دون أن تتشكك لحظة فى هذا التقييم واعتبرته أمرًا مسلمًا به.
كان يمكن عند هذا الحد وبعد هذا الحكم أن تنزوى عروس داعش فى معسكرها المحتجزة فيه بشمال سوريا خاصة مع إدراك المتعاطفين معها أن هناك أمرًا غامضًا فى قصتها، فالمعلومات التى صنفت سرية ووضعتها الحكومة البريطانية أمام أعلى سلطة قضائية فى البلاد لايمكن أن تكون بها شك. فإصرار الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية على موقفهم وتأييد السلطة القضائية لهذا الموقف يؤكد أن عروس داعش ليست هذه البريئة المسكينة.
قبل أيام عادت عروس داعش للظهور مرة أخرى على شاشة قناة "ITv" البريطانية فى برنامج صباح الخير بريطانيا من داخل معسكرها فى شمال شرق سوريا، ولكن بدلا من الإطلالة بالنقاب والدموع ظهرت شيموم بيجوم بمكياج كامل وشعر منسدل وملابس ليس لها أى علاقة بنقابها السابق أو كما وصفتها الصحافة الانجليزية فى إطلالتها الجديدة بأنها مثل شابة انجليزية ذاهبة للتسوق فى شارع أكسفورد.
طالبت عروس داعش فى المقابلة الصحفية من الشعب البريطانى الصفح لأنها كانت جاهلة بما تفعله داعش والجرائم التى ارتكبها التنظيم الدموى وأنهاهى الأخرى فقدت أحباءها بسبب داعش ! ولم تكتف بالاعتذار بل عرضت المساعدة على رئيس وزراء بريطانيا بورس جونسن فى مكافحة الإرهاب لأنه لايعرف ماذا يفعل !
حاولت بيجوم أن تنكر ماقالته فى أول ظهور لها قبل سنوات عندما ألقى القبض عليها وتفاخرت بانتمائها لداعش وسعادتها بالأعمال الإرهابية التى ارتكبها التنظيم قبل أن تدخل فى إطلالة الدموع والاستضعاف وأخيرًا إطلالة فتاة شارع أكسفورد التى تعتذر وتعرض المساعدة.
أمام هذا التلون المستمر من عروس داعش سربت أجهزة الاستخبارات البريطانية بعض المعلومات عن حقيقة شيموم بيجوم ودورها فى داعش فهى لم تكن مجرد ربة منزل في الرقة عاصمة التنظيم الدموى بسوريا بل كانت عضوًا في قوات الحسبة التابعة للتنظيم الإرهابي المسئولة عن حفظ أمن التنظيم وكانت مسئولة عن تجهيز السترات الناسفة للمفجرين الانتحاريين الذين يقومون بالأعمال الإرهابية، وأنها كانت تتجول فى شوارع عاصمة التنظيم الإرهابى حاملة رشاش كلاشينكوف.
لم تكتف الدولة البريطانية بالتسريبات فخرج وزيرالصحة البريطاني ساجدجاويد الذي أسقط جنسيتها البريطانية فى عام 2019 عندما كان يشغل منصب وزيرالداخلية وقتها قائلا فى تصريحات واضحة "أن بيجوم تكذب بشأن أنها كانت مجرد أم وزوجة عندما كانت في سوريا وأضاف جاويد لن أخوض في تفاصيل القضية لكن ماسأقوله هو أنكم بالتأكيد لم تطلعواعلى نفس الوقائع التي علمت بها إذاعرفتم ما أعرفه فأى شخص عاقل ومسئول كان سيتخذ نفس القراربالضبط ولايوجد لدى شك فى ذلك"
عقب تصريحات الوزير جاويد خرج ريتشاردوالتون،الذى تولى منصب رئيس مكافحة الإرهاب في شرطة لندن بين عامى 2011 و2016 ليصرح هو الآخر مؤكدا أنه لايجب التساهل بأى شكل من الأشكال مع بيجوم وأكد على ضرورة معاملتها كإرهابية. وسخر والتون من إطلالة بيجوم الجديدة قائلا :إنها تريد أن تعامل كما لوكانت مجرد طالبة ضاعت أوتاهت على شاطئ في تايلاند، بينما هى فى الواقع اعترفت بارتكاب جرائم إرهابية حتى في المقابلة الأخيرة التي أجرتها"
عندما نتابع قصة عروس داعش منذ لحظة هروبها إلى سوريا وانضمامها إلى التنظيم الإرهابى والقبض عليها ثم إطلالاتها الثلاث المتلونة نجد أن موقف الدولة البريطانية لم يتغير على كافة المستويات التنفذية والقضائية والتشريعية لأن أغلب النواب فى مجلس العموم البريطانى أيدوا سحب جنسيتها وعدم عودتها إلى أراضى المملكة المتحدة، يعطى هذا الموقف البريطانى إشارة هامة بأن الدولة وظيفتها الأولى والأخيرة هى الحفاظ على أمنها القومى وسلامة مواطنيها وأنه لا تسامح أو تهاون مع الإرهاب والإرهابيين مهما كانت الإطلالات والدموع والاعتذارات.
بالتأكيد هذا الموقف الصلب من الإرهاب والإرهابيين ستجده فى واشنطن كما فى لندن أو أى عاصمة غربية حتى لو لم يرتكب الإرهابيون جرائم على أراضيهم لكن لعبة المصالح والضغوط والادعاءات باسم حقوق الإنسان تدفع هذا الغرب للتلون مثل عروس داعش، ويطالب الغرب الآخرين بالصفح عن الإرهابيين وتركهم يمارسون إرهابهم مادام هذا الإرهاب الدموى يخدم المصالح الغربية.