بعد حمد الله علي انتهاء أزمة الطائرة المصرية المخطوفة إلي قبرص بسلام، من الضروري أولاً أن نوجه الشكر والتحية لكل من ساهم في إخراج هذه النهاية السعيدة. وأن نشيد بطاقم الطائرة وبحسن إدارته للأزمة حتي لو تمت تلك الإدارة بتوجيه من سلطات الأمن، وأن نحيي المضيفة المصرية التي ساهمت برباطة جأش في هذه النتيجة الإيجابية، وانتهاء بكل الأجهزة الأمنية التي سارعت بوعي وكفاءة عالية إلي التعامل مع الأزمة.
هناك من يقول - وله بعض الحق - إنه لولا ضعف وارتباك الخاطف وهذا الخلل في تصرفاته لحدث ما لا تحمد عقباه. مع ذلك فأنت لا تستطيع التنبؤ بتصرفات شخص مختل عقلياً حتي لو كان أعزل ولا يحمل حزاماً ناسفاً أو حتي رصاصة أو أي نوع من السلاح الأبيض، ومن الطبيعي أن يؤخذ أي تهديد علي محمل الجد مهما بدا تافهاً أو غير منطقي. كما أنك في مثل تلك المواقف لا تستطيع تشخيص حقيقة الخلل الذهني أو درجته لدي من يمثل خطراً علي أرواح الركاب. أذكر أنني مررت بتجربة مشابهة قبل نحو عشرين عاماً وكنت ضمن رحلة رسمية للتبادل الشبابي مع إحدي الدول العربية الشقيقة. ضمت الرحلة للأسف أحد الأشخاص أبدي تصرفات غير طبيعية تنبئ بوجود خلل ما في قواه النفسية والذهنية، وقد أشاع هذا الشخص مناخاً من التوجس والرعب بين أفراد الرحلة وكان علينا التعامل معه بقدر كبير من الحذر وأن نحيّده بقدر المستطاع ونتحمل عشرته طيلة أكثر من عشرين يوماً في الغربة، ناهيك عن الجهود الحثيثة للملمة آثار تصرفاته وإنقاذ سمعة البعثة المصرية.
أعرف هذا الشعور جيداً، وأنت لا تدري ما إذا كان محدثك أو جارك في مقعد الطائرة أو غرفة الفندق مريضاً بحق أم «يسوق الهبل علي الشيطنة»، أقدر مشاعر الركاب وهم لا يستطيعون السيطرة علي شخص غريب الأطوار، يثير من الجلبة والهرج والرعب أكثر مما يثير السخرية أو حتي الشفقة، فما بالك وهو يهدد بنسف الطائرة وهم لا يدرون أهو إرهابي حقاً أم مجرد شخص مصاب بالذهان.
لكن بعد هذا - وربما أثناءه - لابد أن تذهب السكرة وأن تأتي الفكرة. من الضروري أن نتدبر ظروف وملابسات الحادث وتداعياته. بعيداً عن شماتة الشامتين وصائدي الأخطاء من الباحثين عن أي سقطة حتي لو كانت كاذبة للنيل من سمعة مصر في الوقت الذي تحيط بها المكاره من كل جانب لاسيما في مجال تأمين الطائرات والمطارات. في هذا الحادث ثبت كذب ادعاء الجاني بحمله حزاماً ناسفاً، من ثم فإنه لا غبار علي إجراءات التفتيش والتأمين، ومن الطبيعي ان نتوقع دقة في تلك الإجراءات خاصة بعد حادث الطائرة الروسية، وإلا كان العائد وبيلاً. ومن حق مصر أن يترجم العالم هذا الحادث لصالحها وليس ضدها، إلا إذا كانت النية مبيتة لعقابها اقتصادياً تحت أي ظرف وبأي حجة.
مع ذلك تبقي بعض الأسئلة تحتاج جواباً شافياً، فقد تردد في الأنباء المتناثرة أن الخاطف قدم قائمة بأسماء سجينات طالب بالإفراج عنهن، فهل هذه القائمة حقيقية وصحيحة؟ ومن أين له بمثل هذه القائمة؟
مصير هذا الجاني أيضاً أمر يجب ان يشغل حيزاً من التفكير والجهد الدبلوماسي لاسيما بعد أن ترددت الأنباء عن احتمال عدم تسليمه لمصر من أجل محاكمته فيها، والادعاء بأن القانون والاتفاقات الجوية الدولية ترخص للبلد الواقع فيها حادث إرهابي تولي محاكمة الجناة علي أرضها، الأمر الذي قد يتيح لقبرص عدم تسليم المجرم لمصر. ما أفهمه أن «الترخيص» بالمقاضاة لا يعني «الإلزام»، ومن ثم فإن هذا لا يمنع الدولة التي وقع فيها الحادث من تسليم المجرم لبلده إن هي أرادت.. كما إن حكاية طلب اللجوء السياسي الذي تقدم به الخاطف لعبة مكشوفة ومعروفة للتهرب من المثول أمام قضاء بلده وسيكون من غير المنطقي أن يستجيب الاتحاد الأوروبي لطلب خاطف طائرة يعني «إرهابي بدرجة ما» حسب التوصيف القانوني الدولي للإرهاب، بينما هو يدقق ويشدد في السماح لضحايا الإرهاب من السوريين باللجوء إليه. ولو حصل هذا فلا تلومن أوروبا إلا نفسها وهي تحتضن المجرمين والإرهابيين بحجة رعاية حقوق الإنسان.
يوم اليتيم
اليوم أول جمعة من أبريل.. هو موعد سنوي لكي ترسم بسمة علي وجه طفل يتيم. أن تقدم لمسة دفء حانية صادقة وتشارك في إشاعة البهجة في نفوس أطفال حرمهم القدر من نعمة وجود الوالدين، لهو خير من عشرات رحلات العمرة والحج التي تقوم بها سنوياً. إن أتاك الله من فضله فلا تبخل ببعض منه، حمداً علي نعمة صحتك وصحة أولادك عساه جل علاه أن يتقبل منك، وعساك أن تبيض بهذا العمل صفحة كتابك الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها