عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الاسبوع

أخطر من كوفيد .. ولا تفسير علميا

الأخبار

السبت، 25 سبتمبر 2021 - 06:32 م

 

أن يلتئم أكثر من 19 ألفا من العلماء والباحثين والمتخصصين فى مرض السرطان وفى صناعة الأدوية المعالجة لهذا الداء، المنتمين إلى القطاعين العام والخاص من مجموع دول العالم فى منتصف الشهر الجاري، لبحث سبل مكافحة داء السرطان، فهذا حدث يكتظ بالدلالات و الرسائل والمؤشرات.
هذا الحشد الهائل من العلماء والمختصين فى مرض معين، اختار بدقة التوقيت المناسب لفتح ملف إحدى أهم القضايا الطبية الشائكة، تزامنا مع استمرار تداعيات انتشار وباء كوفيد 19 اللعين، وهو يكشف على فحوى رسالة واضحة لا تحتاج إلى أى جهد لتفكيك رموزها والتى أصر هؤلاء العلماء على توجيهها إلى الرأى العام العالمى وإلى المنظمات الدولية خصوصا المتخصصة منها ، وفى مقدمتها منظمة الصحة العالمية، مفادها أن مرض السرطان الخبيث يعتبر أكثر خطورة من فيروس كورونا الذى جثم على أنفاس العالم طيلة حوالى سنتين، و خلف ما خلفه من خسائر فى الأرواح وفى الاقتصاد، قد تبدو خطيرة إذا ما نظر إليها بمعزل عما يتكبده العالم من خسائر أخرى وما يدفعه من تكاليف فى مجالات متعددة.
هؤلاء العلماء والمختصون والباحثون، يثيرون الانتباه إلى أن مرض السرطان يمثل خطرا حقيقيا على الصحة العامة وعلى حياة الأشخاص والجماعات فى العالم أكثر بكثير مما يمثله وباء كوفيد 19، والمعطيات والإحصائيات المتوافرة تؤكد هذه الحقيقة التى قد يكون التهويل الإعلامى الذى رافق ظهور أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19 فى منتصف الشهر قبل الأخير من السنة الماضية فى الصين وفر الظروف المناسبة للخوف والقلق من هذا الفيروس اللعين .
فالإحصائيات المتعلقة بما خلفه انتشار جائحة كورونا تشير إلى وفاة أقل من خمسة ملايين شخص فى العالم لحد الآن (لفترة استمرت 19 شهرا كاملا) وإن كان عدد المصابين بها تجاوز 232 مليون شخص،  وقد تبدو هذه الخسائر فى الأرواح البشرية متواضعة إذا قورنت بنظيرتها التى يخلفها مرض السرطان، حيث تؤكد الإحصائيات الرسمية المتعلقة به أن عدد الأشخاص الذين أصيبوا بهذا المرض الخبيث تجاوز العشرين مليون شخص، وأن عشرة ملايين شخص منهم لقوا حتفهم فى سنة 2020 لوحدها، أى بما يضاعف مرتين ما خلفته الجائحة الحالية لفترة امتدت لسنتين، وليس لسنة واحدة، كما أن معدل الفتك يصل إلى 50 بالمائة، كما تبين ذلك الأرقام، ناهيك عن عدد حالات الإصابات التى لم يتم الكشف عنها، و قد تكون أدت إلى الوفاة، وفى هذا الصدد مثلا تشير المصادر الطبية الرسمية الفرنسية إلى أن 93 ألف حالة إصابة بمرض السرطان لم يتم الكشف عنها فى سنة 2020 لوحدها.
الإحصائيات الرسمية التى تكشف الخطورة البالغة لهذا الداء تتجلى أيضا فى الأرقام المتعلقة بالصناعة الدوائية المتعلقة به، حيث تؤكد أن قيمة هذه السوق تتجاوز حاليا 164 مليار دولار ، وهى قد تضاعفت مرتين بالنظر إلى ما كانت عليه قبل خمس سنوات ، وتشير المصادر المختصة إلى أن هذه القيمة ستصل فى سنة 2025 إلى 270 مليار دولار. وتوضح هذه المصادر أن قيمة دواء واحد من الأدوية المضادة للسرطان تصل حاليا إلى ما يناهز 14٫5 مليار دولار. كما تؤكد أن داء السرطان هو السوق العالمية الأولى فى صناعة الأدوية فى العالم بمعدل نمو سنوى لا يقل عن 15 بالمائة، وهو بذلك أكثر أسواق الأدوية ربحا.
ليس هذا فحسب ، بل الأكثر إثارة فى هذا الصدد ، أن السرطان ظل واستمر داء فتاكا خطيرا لحقب طويلة من الزمان، ولحد الآن يعتبر من العناوين البارزة لفشل العلوم المتخصصة فى إيجاد دواء فعال يقضى عليه بصفة نهائية، واكتفت كل الجهود العلمية الكثيرة والمتعددة التى بذلت إلى حد اليوم على محاصرته وعلاجه فى بعض الحالات النادرة، أوتأجيل الوفاة لبضعة أيام و شهور. و فى سياق هذا الحديث تثار التساؤلات المحرجة والمقلقة والتى يمكن صياغة بعض منها على الشكل التالي:
لماذا لم يحظ رهان القضاء على هذا الداء بما حظى به تحدى مواجهة انتشار كوفيد 19 رغم أن شراسة و شراهة السرطان أكثر فتكا ودمارا من كوفيد 19؟ لماذا لم تتسابق كبريات الشركات العالمية إلى تنفيذ الاستثمارات الكبرى فى صناعة دواء يقى من السرطان ، ويعالج منه بالقضاء عليه ، كما يشهده قطاع الاستثمارات فى صناعة اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد 19 حاليا؟
قد يكون الأمر يتعلق بأسئلة بسيطة ومتواضعة، وحتى سطحية، يطرحها من لا علم و لا ثقافة له بعالم الأمراض والطب وصناعة الأدوية، ولكنها مع كل ذلك تبقى أسئلة مطروحة لدى الرأى العام، وتكتسب مشروعيتها من استمرار داء السرطان عصيا عن العلوم ومتمردا عن صناعة الأدوية، مواصلا حصد أرواح ملايين الأشخاص كل سنة فى مختلف أصقاع المعمور بما فى ذلك العظمى التى تتغنى بتقدمها فى مجالات العلوم والتكنولوجيات والصناعات .
لذلك حينما يلتئم أكثر من 19 ألف شخص من المختصين فى مرض السرطان ومن الخبراء فى الصناعة الدوائية فى العالم فى هذه الظروف العصيبة التى تجتازها البشرية جمعاء لبحث سبل مواجهة السرطان والقضاء عليه، فإن فى ذلك رسالة إلى الرأى العام الدولى مفادها أن هناك من الأمراض والأوبئة ما هو أكثر خطورة وفتكا من كوفيد 19 اللعين، لكنه لم يحظ باهتمام حقيقى من المجتمع الدولى مما مكنه أن يعمر بين ظهرانى البشرية لحقب طويلة، قطف فيها أرواح مئات الملايين من الأرواح، لكن لا أحد يهتم .
< نقيب الصحفيين المغاربة 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة