لا يعقل أن يمر ٨٠ يوما علي بدء الدورة البرلمانية ولجان المجلس لم تتشكل بعد.. ولا يعقل أن يتأخر تقديم برنامج الحكومة إلي البرلمان ٧٧ يوما!!

أخيرا .. وبعد ٧٧ يوما من بدء الدورة البرلمانية قدم المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء بيان حكومته إلي مجلس النواب.. جاء البيان في ٧٩ صفحة واستغرق ساعة وربع الساعة تقريبا بينما جاء برنامج الحكومة الذي تم توزيعه علي النواب في ٢٠٥ صفحات.
استعار رئيس الوزراء شعار «نعم نستطيع» الذي استخدمه من قبل الرئيس الأمريكي أوباما في حملته الانتخابية ليكون شعار البيان الذي ألقاه أمام النواب بينما خلا برنامج الحكومة من أية اشارة إلي هذا الشعار الذي أراد به رئيس الوزراء أن يؤكد قدرة الحكومة علي تغيير واقع الحياة في مصر لكنه - للأسف - لم يقل كيف سيحقق هذا الهدف؟.. وبمعني آخر جاء برنامج الحكومة «كلاسيكي» كتب بدرجة من الحرص تجعل من الصعب وصفه بالانشائي لكن ما يؤخذ عليه بصفة أساسية أنه حدد أهدافا وبرامج كثيرة بينما أغفل الاشارة إلي الآليات والجداول الزمنية التي تضمن تنفيذه بالكفاءة المستهدفة في مواعيد محددة.. وتحدث عن استثمارات وبرامج لتطوير الخدمات علي جميع المستويات في الوقت الذي اعترف فيه رئيس الوزراء أن ٨٠٪ من الموازنة العامة يوجه للأجور والدعم ومتطلبات الدين ما يجعل السؤال عن امكانية الالتزام بتنفيذ الاستثمارات وتطوير الخدمات التي أشار إليها بـ ٢٠٪ فقط من إجمالي الموازنة يتصدر أي حديث عن التقييم الموضوعي لبرنامج الحكومة.
ربما كان أهم ما ينتظره الناس من رئيس الوزراء أن يحدد بدقة سياسة الحكومة فيما يتعلق بسعر الصرف وكيف ستواجه التراجع المستمر لقيمة الجنيه أمام الدولار وأثر ذلك علي معدل التضخم وارتفاع تكلفة المعيشة وكيف ستعالج الزيادة المستمرة في عجز الموازنة واختلال الميزان التجاري وارتفاع نسبة البطالة لكنه لم يفعل !
قال فقط إنه سيكون علينا اتخاذ قرارات صعبة لا يمكن تأجيلها لكنها ستكون مصحوبة ببرامج للحماية الاجتماعية دون أن يحدد ماهية هذه القرارات وملامح هذه البرامج بما يضمن ألا يضار الفقراء ومحدودو الدخل.
ربط رئيس الوزراء تنفيذ أي برنامج للعدالة الاجتماعية بتوافر موارد لتمويله - وهو محق في ذلك بلا شك - حتي لا يتوقف تنفيذ البرنامج.. لكن في ضوء العجز الكبير والمستمر في الموازنة لا يمكن توقع أن تقفز برامج العدالة الاجتماعية إلي الصدارة.
حديثه أيضا عن حرص الحكومة علي استقلال المؤسسات الصحفية والتأكيد علي إقرار التشريعات الإعلامية يتناقض مع عدم التحرك خطوة واحدة حتي الآن لدراسة القوانين التي أعدتها لجنة من الصحفيين والإعلاميين وأساتذة القانون لتنظيم الصحافة والاعلام طبقا لما نص عليه الدستور الجديد وتمت إحالتها إلي مجلس الوزراء منذ أكثر من شهرين.. يحدث هذا رغم ما تشهده الساحة الإعلامية والصحفية من فوضي تستلزم سرعة إصدار القوانين المنظمة لها.. فماذا تنتظر الحكومة ؟
علي أية حال ورغم أية ملاحظات علي برنامج الحكومة فإن مجلس النواب سيوافق علي البرنامج وستحظي حكومة المهندس شريف إسماعيل بالثقة التي تسعي إليها.. علي الأقل لأن النواب ليس أمامهم بديل آخر فلا يوجد ائتلاف أو حزب تحت القبة قادر علي تشكيل الحكومة!
عجائب مجلس النواب
مازلت في حيرة من هذا الأداء المتدني لمجلس النواب.. مهما كانت الأسباب لا يعقل أن يمر ٨٠ يوما علي بدء الدورة البرلمانية ولجان المجلس لم تتشكل بعد بحجة أن اللائحة لم تقر نهائيا.. وبالأمس فقط عرضت لمناقشة ملاحظات مجلس الدولة عليها وسط أجواء ترددت فيها عبارات من بعض النواب بأن المجلس سيد قراره وأنهم غير ملزمين بالأخذ بملاحظات مجلس الدولة!
الخلافات حول تشكيل اللجنة الخاصة بدراسة بيان الحكومة تفجرت منذ اللحظة الأولي لإعلان تشكيلها من ٥٠ نائبا اختارهم ائتلاف دعم مصر «علي مزاجه».. ولكن أمام ثورة النواب اضطر رئيس المجلس لفتح باب الانضمام لعضوية اللجنة لمن يريد من النواب ومعني ذلك أن عدد أعضاء اللجنة سيتضاعف وسيزيد بالتأكيد علي مائة عضو.. و«حلّني بقي» علي ما يجتمعوا ويتناقشوا وأكيد سيختلفون علي نقاط كثيرة.. لقد جرت العادة أن تشكل هذه اللجنة برئاسة أحد وكيلي المجلس وعضوية رؤساء اللجان النوعية وممثلي الأحزاب وعدد من النواب المستقلين وأصحاب الخبرات المهمة وتنهي عملها خلال اسبوعين.. لكن أن يفتح باب الانضمام لعضوية اللجنة بهذا الشكل وتمتد مهلة دراسة بيان الحكومة إلي شهر يعقبها اسبوعان علي الأقل لمناقشته فمعني هذا أن برنامج الحكومة لن يتم التصويت عليه قبل منتصف مايو القادم.. الموازنة العامة التي نص الدستور علي ضرورة عرضها علي البرلمان قبل ٩٠ يوما من بدء العمل بها لم يناقشها مجلس الوزراء إلا أمس وستحال اليوم إلي مجلس النواب «في آخر لحظة» ومناقشتها تحتاج عدة أسابيع أخري بعد إقرار بيان الحكومة فمتي سينظر المجلس القوانين التي نص الدستور علي ضرورة اصدارها في أول دورة برلمانية وهي قانونا تنظيم بناء الكنائس والعدالة الانتقالية.. لقد أضاع النواب وقتا طويلا جدا في إعداد اللائحة وفي السفريات الخارجية والداخلية التي أصبحت حديث كل الناس