حركة طالبان
«الديوبندية» عقيدة «طالبان».. بن لادن بايعها والملا عمر أبرز طلابها
الأحد، 26 سبتمبر 2021 - 11:01 ص
كتب.. خالد حمزة
"كل طالبانى هو ديوبندى".. هكذا صرح أكثر من عضو بارز بحركة طالبان ليس اليوم مع دخولهم للعاصمة كابول واستيلائهم على مقاليد الحكم، ولكن منذ عقود حينما تخرج قادتها ومعظم أفرادها من الجامعة الديوبندية ومدارسها المنتشرة فى طول وعرض شبه القارة الهندية، والتى يصفها خريجوها بأنها منارة العلم وأنها مثل أزهر مصر تعد أزهر والباكستان والهنود وما حولهم، أما منتقدوها فيقولون ببساطة إنها مفرخة الإرهابيين الذين روّعوا العالم، وأبرزهم بن لادن الذى باركها فى خطاب شهير ومؤسس طالبان الملا عمر، وآخرون كثر.
الديوبندية لها أصل وتاريخ، كما تؤكد كتبهم المنشورة وموقع جامعتهم الأم فى الهند، وبعض تصريحات المنتسبين إليها وأبرزهم قادة طالبان أنفسهم، فالتاريخ يقول إنه فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر؛ استطاعت بريطانيا فرض سيطرتها على شبه القارة الهندية.
وشهد عام 1857 حدثًا هاما فى الهند، بنشوب الثورة، بعد أن انضمت شرطة العاصمة دلهى إلى المتمردين واستولت عليها وأعلن الجنود المتمردون ولاءهم للشاه بهادر الثانى آخر سلاطين المسلمين بالهند، وانضم الملايين للثورة، وشهدت الأسابيع الأولى انتصاراتٍ للثوار، وهزائم للاحتلال ولكن الأمور تغيرت لصالح الإنجليز، الذين عادوا لاحتلال دلهى، وخلال عامين تم قمع الثورة، وسرت حالة من الصدمة فى صفوف مسلمى الهند بعد فشل الثورة.
ورأى العديد من علماء الهند الشرعيين، ومنهم الشيخ محمد قاسم النانوتوى، الذى شارك فى القتال فى عدد من المعارك ضد الإنجليز، أن المرحلة تحتاج إلى تجنب الصدام المباشر مع الإنجليز الأقوى سياسيًّا وعسكريًّا، والاتجاه إلى الاستعداد طويل المدى، والحفاظ على الدين بنشر العلم الشرعى ومنها جاءت فكرة مدرسة دار العلوم بمدينة ديوبند الصغيرة الواقعة فى ولاية أوتاربراديش الهندية التى تضم أبرز أثر تاريخى إسلامى فى الهند، وهو مقبرة تاج محل الشهيرة.
وكان تأسيس المدرسة بدائيا واشتملت المناهج على فروع العلوم الشرعية واللغة العربية، التى يتلقاها التلاميذ على يد الشيوخ وفق الأسلوب السماعى الشائع فى مدراس التعليم الإسلامى التقليدى.
ويذكر الموقع الرسمى لعلماء ديوبند بما يسميه أدوار المدرسة التاريخية فى مواجهة الاستعمار وذيوله مثل البهائية والقاديانية وانضمامها لحركة تحرير الهند بزعامة غاندى.
واستمر العلماء والطلاب الديوبنديون فى مقاومة الإنجليز، حتى لحظة رحيلهم، مع انفصال باكستان المسلمة عام 1947 من الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وكان ذلك نقطة فاصلة فى تاريخ الديوبندية، فقد أدى لهجرة المئات من الديوبنديين إلى باكستان وهناك أسسوا عددا من المدارس الإسلامية، ومن أبرز المدارس التى خرجت عن الديوبندية، مدرسة ندوة العلماء فى لكناو بالهند، التى ينتسب إليها أبو الحسن الندوى أبرز شيوخ الجهاديين حول العالم، كما أن المخابرات المركزية الأمريكية، عملت على تنظيم الشباب المنتمى عدد كبير منهم للمدارس الديوبندية، ولعب هؤلاء الدور الرئيسى فى مقاومة السوفييت.
وتصنف الديوبندية على أنها طريقة إسلامية تتبع المذهب الحنفى فى الفقه، أما فى العقيدة فهى تتبع المدرسة الماتريدية وتميل أحيانا للأشعرية، وللمتصوفين سلوكا، كما شاعت المدرسة الماتريدية فى آسيا الإسلامية، وتنتسب إلى الإمام أبى منصور الماتريدى المولود قرب سمرقند فى أوزبكستان ولا يقبل الماتريدية فى مسائل العقائد إلا نصوص القرآن والسنة النبوية المتواترة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة أما غير ذلك من أحاديث الآحاد، فإن لم توافق ما يرونه عقلا فيقومون بتأويلها بدلا من الأخذ بظاهر النص، لذا فإن الديوبندية ماتريدية فى المجمل مع بعض الملامح الأشعرية ولذا يرميهم بعض السلفيين بالابتداع.
وتأثر الديوبنديون بأربع طرق صوفية هى "النقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية"، ورغم ذلك فإن علماء الديوبندية فى كتاباتهم وعبر مواقعهم بالجامعة والمدارس، يعارضون تقديس أضرحة الأولياء ويرونه بدعة وأن طلب الحاجات من المدفون فى الضريح هو شرك بالله وأن تقبيل الأضرحة من البدع المحرمة المأخوذة من اليهود والمسيحيين وأن طلب المدد من صاحب الضريح حرام، ولا يصح أن تشد الرحال إلى لمقابر الصالحين.
ويشيع بين الديوبندية توقير بعض رموز التصوف التى تعاديها السلفية، وأبرزهما الحلاج وابن عربى ويصرح بعضهم بتعظيم كل من ابن تيمية وابن عربى معا رغم ما بينهما من خلافات، كما نسبت إليهم بعض الاعتقادات الصوفية مثل الإيمان بوحدة الوجود وفناء العبد فى المعبود، وتعظيم شيوخهم وفق عقيدة تصور الشيخ وهو تخيل حضور الشيخ بعد وفاته.
كما كان للاندماج بالسلفية الجهادية، من العرب الذين شاركوا فى الحرب الأفعانية بمراحلها، ومن أعضاء تنظيم القاعدة الذى احتمى بحكم طالبان الأول بين عامى 1996و2001، بصماته على صفوف طالبان الديوبندية، ولشهرة المدرسة بخصوصية الفكر والاعتقاد والسلوك، أصبحت لها طريقة إسلامية حملت اسمها، وكان للصعود السياسى والعسكرى لحركة طالبان الأفغانية، الدور الكبر فى تسليط الضوء عليها.
وأقر مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الطريقة الديوبندية واعتبرها الإسلام الصحيح وأن بيعتها واجبة وجاء ذلك فى كلمة له بمؤتمر علماء الديوبندية الذى عقد فى أبريل 2001 بمدينة بيشاور الباكستانية، احتفالاً بالذكرى150 على تأسيس المدرسة الديوبندية وهو المؤتمر نفسه الذى بايع فيه الملا محمد عمر زعيم طالبان، باعتباره الحاكم والأمير الشرعى الذى يحكم بشرع الله.
وكلمـــة طالبــــان تعنى الطـــلاب باللغـــة الباشتونية وطائفة الباشتون، التى ينتسب مقاتلو حركة طالبان إليها وخرجت عناصر الحركة من بين صفوف طلاب العلم بالمدارس الدينية التقليدية فى أفغانستان وباكستان كما خرج معظم قيادات حركة طالبان من المدارس الديوبندية، وعلى رأسهم المؤسس الملا محمد عمر. لذا تعد طالبان التطور الحركى الإسلامى السياسى الأوضح لها.
ورغم أن الاتجاه العام للديوبندية، كان يميل إلى التركيز على العلوم الشرعية واللغة العربية والمناقشات الفكرية والثقافية، والبعد عن غمار السياسة والصراعات المسلحة فإن أحداثا كبرى شهدتها المنطقة مثل الحروب المتكررة بين الهند وباكستان، والمد الشيوعى ثم الاحتلال السوفيتى لأفغانستان عام 1979، ونجاح الثورة فى إيران، وتمدد الجماعات الإسلامية السياسية السنية والشيعية كانت عوامل دفعت الكثير من أبناء المدرسة، للاندماج فى السياسة والحرب.
وقد تضاعفت أعداد الملتحقين بالمدارس التقليدية الديوبندية خاصة فى صفوف الباشتون الأفغان منذ عام 1979 كمقاومة للغزو السوفيتى الشيوعى ثم ظهرت حركة طالبان لأول مرة عام 1994 كرد فعل على حالة الفوضى التى ضربت أفغانستان بعد هزيمة السوفييت ورحيلهم، وسقوط الحكومة الشيوعية عام 1992 وكان انتصارهم المرة الأولى التى تصل فيها الديوبندية إلى السلطة، ورغم مما يظهره علماء المدرسة الديوبندية الأم فى الهند وطلابها، من تقدير لطالبان وقتالها ضد القوات الأمريكية، فإنهم يحرصون على أخذ مسافة من الحركة تنظيميا، نافين أى علاقة مباشرة لهم بها.
وفى أكثر من مناسبة وعلى موقعها على الإنترنت أكدت الجامعة ومدارسها، على نفى أية صلة مباشرة بينها وبين طالبان وبأن معظم خريجيها من طالبان لم يسبق لهم زيارة الهند وأن علاقتهم بها هى مجرد أفكار مشتركة، وما زالت إدارة مدرسة دار العلوم فى ديوبند، حريصة على نفى شبهة نشر الإرهاب، خوفًا من ملاحقة السلطات الهندية التى تعتبر طالبان حركة إرهابية، والهندوس الذين يرون أنها بؤرة للإرهاب، كما أكدت المدرسة رفضها للهجمات الانتحارية السلمى وذلك أثناء الحرب فى أفغانستان بين مقاتلى طالبان وقوات الاحتلال الأمريكى وحلفائه، واستهداف القوات الأمريكية للمدارس التقليدية فى باكستان وخريجيها، بتهمة أنها من منابع للإرهاب.
وأثرت الطريقة فى عدة جماعات متطرفة حول العالم، منها جماعة التبليغ والدعوة كما تؤكد كتبها، كما أن أبا الأعلى المودودى الذى أعاد إحياء مصطلح الحاكمية الذى اعتبرته الجماعات التكفيرية دستورا لها، التحق بالجامعة الإسلامية بالهند، وتعلم على يد مشايخها، والتحق بها عدد كبير من الأفغان، وعلى رأسهم الملا محمد عمر مؤسس طالبان ومعظم زعماء الحركة وأبرزهم مثل حكيم الله مسعود زعيم حركة طالبان باكستان، والذى قتلته طائرة بدون طيار أمريكية.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة