سلمى قاسم جودة
سلمى قاسم جودة


سلمى قاسم جودة تكتب : أدب المتعــة

آخر ساعة

الأحد، 26 سبتمبر 2021 - 11:14 ص

 

الكل‭ ‬يسعى‭.. ‬يكدح‭.. ‬يحلم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬لتلك‭ ‬اللحظات‭ ‬المصطفاة‭ ‬التى‭ ‬تتوجها‭ ‬المتعة،‭ ‬نستعين‭ ‬بهذا‭ ‬الأكسير‭ ‬السحرى‭ ‬لمواجهة‭ ‬محن‭ ‬الوجود‭.. ‬فالمتعة‭ ‬تتجسد‭ ‬عبر‭ ‬أشكال‭ ‬وألوان‭ ‬متعددة،‭ ‬تنساب‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬عابرة،‭ ‬خاطفة،‭ ‬ومضات‭ ‬هى‭ ‬بمثابة‭ ‬الترياق،‭ ‬نلوذ‭ ‬به‭ ‬ونتحصن‭. ‬والرغبة‭ ‬هى‭ ‬المتعة‭ ‬المتخيّلة‭.. ‬قد‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬قطرة‭ ‬مطر‭ ‬خريفية‭ ‬تتلألأ‭ ‬لتنعش‭ ‬العشب‭ ‬بخضرته‭ ‬الموحية،‭ ‬فى‭ ‬حفيف‭ ‬ثوب‭ ‬وردى‭ ‬ينثر‭ ‬الفتنة،‭ ‬أو‭ ‬لعقة‭ ‬آيس‭ ‬كريم‭ ‬تلطف‭ ‬قيظ‭ ‬الهجير‭.. ‬أحيانا‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خفقة‭ ‬قلب‭ ‬عند‭ ‬رؤية‭ ‬الحبيب،‭ ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬متعة‭ ‬المعرفة،‭ ‬المال،‭ ‬السلطة‭.‬

هى‭ ‬بكل‭ ‬عنفوانها‭ ‬أسقطت‭ ‬إمبراطوريات‭ ‬عظمى،‭ ‬زلزلت‭ ‬عروش‭ ‬روسيا‭ ‬فكان‭ ‬راسبوتين،‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬أيضا‭.. ‬المتعة‭ ‬وتجلياتها‭ ‬افترشت‭ ‬صفحات‭ ‬الأدب‭.. ‬كتب‭ ‬ديستوفيسكى‭ ‬فى‭ ‬الإخوة‭ ‬كارامازوف‭: ‬احين‭ ‬يتوله‭ ‬بعض‭ ‬الرجال‭ ‬بامرأة‭ ‬جميلة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬جسدها‭ ‬فإنهم‭ ‬يصبحون‭ ‬مستعدين‭ ‬للتضحية‭ ‬بأبنائهم‭ ‬فى‭ ‬سبيلها‭ ‬وأن‭ ‬يبيعوا‭ ‬آباءهم‭ ‬وأمهاتهم‭ ‬وروسيا‭ ‬ووطنهم‭ ‬من‭ ‬أجلهاب‭.‬

إطالة‭ ‬أوان‭ ‬المتعة‭ ‬فن‭ ‬يتقنه‭ ‬البعض‭ ‬فى‭ ‬سفرتنا‭ ‬الوجودية‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الإبداع‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا،‭ ‬لكن‭ ‬المتعة‭ ‬سلاح‭ ‬أخّاذ‭ ‬ذو‭ ‬حدين،‭ ‬قد‭ ‬يفضى‭ ‬إلى‭ ‬الهلاك،‭ ‬فالمتعة‭ ‬بمثابة‭ ‬زهرة‭ ‬خطرة‭ ‬حبلى‭ ‬بالشهد‭ ‬والسم،‭ ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬ماحييت‭ ‬عبارة‭ ‬بلزاك‭ ‬فى‭ ‬االفتاة‭ ‬ذات‭ ‬العيون‭ ‬الذهبيةب‭ ‬االمتعة‭ ‬الحسية‭ ‬تولِّد‭ ‬الوحشيةب،‭ ‬وهى‭ ‬أيضا‭ ‬يتبعها‭ ‬أحيانا‭ ‬الشبع‭ ‬حتى‭ ‬العزوف‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تبزغ‭ ‬تلك‭ ‬الثمرة‭ ‬الرجيمة‭ ‬المسماة‭ ‬الملل،‭ ‬وهو‭ ‬يفضى‭ ‬إلى‭ ‬التبلد،‭ ‬فالقسوة‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتأمل‭ ‬ألوان‭ ‬المتعة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسترجع‭ ‬شخصيات‭ ‬مدهشة‭ ‬وإبداعات‭ ‬زيّنت‭ ‬التراث‭ ‬الإنسانى،‭ ‬شهريار،‭ ‬راسبوتين،‭ ‬كازانوفا،‭ ‬دون‭ ‬جوان،‭ ‬الماركرى‭ ‬دساد،‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬هنرى‭ ‬ميلر،‭ ‬بودلير‭ ‬وديوانه‭ ‬العظيم‭ (‬أزهار‭ ‬الشر‭)‬،‭ (‬بيت‭ ‬من‭ ‬لحم‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬يا‭ ‬لى‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬تضيئى‭ ‬النور،‭ ‬لدكتور‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬مدام‭ ‬بوڤاري،‭ ‬لفلوبير،‭ ‬الطريق،‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬أعمال‭ ‬موراڤيا،‭ ‬أذكر‭ ‬دوما‭ ‬عبارة‭ ‬لأحد‭ ‬الكتّاب‭ ‬الفرنسيين‭ ‬تصف‭ ‬بفطنة‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬طبيعة‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة،‭ ‬االرجل‭ ‬يريد‭ ‬الاستمتاع‭ ‬قبل‭ ‬الامتلاك،‭ ‬والمرأة‭ ‬تسعى‭ ‬للامتلاك‭ ‬قبل‭ ‬الاستمتاعب‭. ‬الأدب‭ ‬العامر‭ ‬بأشكال‭ ‬المتعة‭ ‬واختلاف‭ ‬تناولها‭ ‬يجسد‭ ‬ثراء‭ ‬الإبداع،‭ ‬ففى‭ ‬اعشيق‭ ‬الليدى‭ ‬شاترليب،‭ ‬لـاد‭ ‬هـ‭. ‬لورانسب،‭ ‬الجاذبية‭ ‬الحسية‭ ‬لها‭ ‬توظيف‭ ‬طبقى‭ ‬فتذوب‭ ‬الطبقات‭ ‬البروليتارية‭ ‬والأرستقراطية‭ ‬والبورچوازية‭ ‬لتنصهر‭ ‬جميعها،‭ ‬فى‭ ‬االطريقب‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬الميتافيزيقى‭ ‬وتلك‭ ‬النزعة‭ ‬المادية،‭ ‬الحسية‭ ‬التى‭ ‬تنهش‭ ‬االبطل‭ ‬الضدب‭ ‬صابر‭ ‬الرحيمى‭ ‬فيختار‭ ‬اللذة‭ ‬الجنونية،‭ ‬المعربدة‭ ‬مع‭ ‬كريمة‭ ‬لتتحقق‭ ‬مقولة‭ ‬بلزاك،‭ ‬فيقع‭ ‬اللابطل‭ ‬فى‭ ‬براثن‭ ‬الشهوة‭ ‬العدمية‭ ‬لتقوده‭ ‬إلى‭ ‬الجريمة‭ ‬الوحشية‭ ‬فيقتل‭ ‬زوج‭ ‬كريمة‭ ‬العجوز‭ ‬الفانى،‭ ‬أما‭ ‬مدام‭ ‬بوڤارى‭ ‬التى‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬فلوبير‭.. ‬أثناء‭ ‬محاكمته‭: ‬امدام‭ ‬بوڤارى‭ ‬هى‭ ‬أناب،‭ ‬فها‭ ‬هى‭ ‬الفتاة‭ ‬المليحة‭ ‬الريفية،‭ ‬الهاربة‭ ‬من‭ ‬واقعها‭ ‬المحدود،‭ ‬الحالمة‭ ‬بالمتعة،‭ ‬الغارقة‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬الأدب‭ ‬المسكون‭ ‬بالرومانسية‭ ‬وجموح‭ ‬الغريزة‭ ‬لتجنى‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬الضياع‭ ‬ثم‭ ‬الانتحار‭. ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬حيث‭ ‬الثلج‭ ‬والفودكا،‭ ‬الرقص‭ ‬على‭ ‬الأنهار‭ ‬المتحولة‭ ‬إلى‭ ‬الجليد‭ ‬الأشهب‭ ‬لتحاكى‭ ‬المرايا،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الرجل‭ ‬الأسطورة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الكائن‭ ‬الخرافى‭ ‬صاحب‭ ‬النظرات‭ ‬المغناطيسية،‭ ‬صعد‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬ليلاء‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬المجد‭ ‬فسقطت‭ ‬روسيا‭ ‬بأسرها‭.. ‬هو‭ ‬راسبوتين‭ ‬الذى‭ ‬استغل‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬عائلة‭ ‬رومانوف،‭ ‬وبالتالى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬ليبلغ‭ ‬الذروة‭ ‬فى‭ ‬المجون،‭ ‬لذة‭ ‬شراب‭ ‬النبيذ‭ ‬بإسراف،‭ ‬الطعام،‭ ‬الرقص‭ ‬مع‭ ‬الغجريات،‭ ‬فالنساء‭ ‬من‭ ‬الأميرة‭ ‬إلى‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ومن‭ ‬النبيلة‭ ‬إلى‭ ‬الغانية،‭ ‬يخضعن‭ ‬له،‭ ‬فأسرار‭ ‬المتعة‭ ‬هى‭ ‬هى‭ ‬لا‭ ‬تتغير،‭ ‬ويقول‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة،‭ ‬إن‭ ‬النساء‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬ويجب‭ ‬البدء‭ ‬بهن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭.. ‬نعم‭ ‬النساء‭ ‬عاشقات‭ ‬لهذا‭ ‬النموذج‭ ‬الذكورى‭ ‬الهمجى‭ ‬والروحى‭ ‬فى‭ ‬آن‭.. ‬راسبوتين‭ ‬هو‭ ‬بحق‭ ‬العرّاب‭ ‬بامتياز‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتسترون‭ ‬وراء‭ ‬عباءة‭ ‬الدين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أغراضهم،‭ ‬وله‭ ‬أبناء‭ ‬وأحفاد‭ ‬ومجاذيب‭ ‬فى‭ ‬أرجاء‭ ‬الكون‭ ‬الفسيح‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬تمتع‭ ‬الرجل‭ ‬الرهيب‭ ‬بقوة‭ ‬خارقة‭ ‬جعلته‭ ‬يقاوم‭ ‬لحظة‭ ‬قتله‭ ‬بالسم‭ ‬والرصاص‭ ‬بشكل‭ ‬شيطانى،‭ ‬فلم‭ ‬ينجح‭ ‬القتل‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ضربه‭ ‬بآلة‭ ‬حادة‭ ‬ورميه‭ ‬فى‭ ‬النهر‭ ‬المجمد‭.. ‬أما‭ ‬أنا‭ ‬فسأختار‭ ‬ما‭ ‬سطره‭ ‬لويس‭ ‬دى‭ ‬ليون‭: ‬اسوف‭ ‬أتمدد‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬ظليل‭.. ‬وأستمتع‭ ‬بغناء‭ ‬أغنية‭ ‬جميلة،‭ ‬بينما‭ ‬الآخرون‭ ‬مستغرقون‭ ‬فى‭ ‬الطموح‭ ‬الجشع‭.. ‬متكالبين‭ ‬على‭ ‬الدنياب‭.‬

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة