كنت أذهب إلي سيناء مجبرة ومحبطة لأسباب كثيرة.. أولا أن الأرض التي نزرعها لا تزيد عليها الأيام وما تكاد تخرج فرعا جديدا حتي يموت عطشا لغياب الدولة تماما عن تنظيم وضمان الري.. حتي العامل السيناوي الذي تخيلنا أننا نفتح أمامه بابا للرزق بمنحه مكافأة شهرية ثابتة، كان محبطا ومشتتا وغير مركز لا في قيادة سيارته الأجرة.. ولا رعاية الأرض ولا في تشغيل ماكينة الري أو إصلاحها.. فهو كغيره من الشباب السيناوي لا مهنة محددة لهم كافية لدفعه للتركيز فيها.. فجأة وجدتني أحرص علي الذهاب إلي هناك، رغم معاناة عبور القناة وسط طوابير الإنتظار التي تصل لساعات أمام المعدية.. فقد بدأت أتابع حياة جديدة تولد من العدم.. بدأت بأكشاك خشبية صغيرة ثم امتدت لتصبح محلات ومطاعم ومخبزا وعمارات سكنية تنتظر ساكنيها الذين أحسدهم مسبقا فهم سيعيشون وسط تاريخ صنعه المصريون.. سيتذكرون دائما أن هذه الأرض وهذه الصحراء قد أصبحت جنة بأيدي أبنائها.. تحمست للسفر أسبوعيا وأنا أتطلع للحياة التي تولد وأراقب نموها خطوة بخطوة.. نقطة أمل وسط صحراء قاحلة.. كانت كفيلة بأن تولد خلايا نحل جديدة تبني رزقها علي طبيعة المكان وعابريه.. حرصت علي تناول إفطاري علي عربة فول أطلق عليها صاحبها اسم «لا إله إلا الله».. بعد أن حصلت علي العيش من مخبز «أحباب المصطفي».. وتجولت في المحلات الخشبية المحيطة بالمكان، تحدثت مع أصحابها الذين جاءوا من كل محافظات مصر من أسيوط، وسوهاج، وبني سويف، والشرقية، والبحيرة، وكفرالشيخ.. قالوا لي جئنا لنستقر هنا في أرض الفيروز..
الجديد الذي لاحظته هذه المرة كانت عربات النصف نقل المحملة بالعمال والتي لم تتوقف لحظة واحدة وجدتهم ينتشرون في الحقول المجاورة ويعملون في إنهاء الطريق الجديد من شاطئ القناة حتي الإسماعلية الجديدة.. المكان المقفر الذي كنت أحمل هم عدم وجود المياه الصالحة للشرب فيه.. أصبح يمتليء بالحياة تمنيت لو أدعو كل من أعرفهم ليزوروا أرضنا التي بدأت أشجارها تنمو بعد أن كانت صفراء غير واضحة المعالم..
قلت : كان الله في عونكم.. فرد أحد الجنود الساهرين علي المعابر بعد أن لاحظ نظرة الإشفاق عليه من مشقة الزحام وعدد السيارات الكبير والتفتيش المتكرر: خير عون بعد الله هو وجودنا وسط الناس.. أنا وزملائي نتسابق علي الخدمة اثناء الزحام ونحن سعداء.. ونتمني لو جاء المصريون جميعا إلي سيناء.. فأنتم حمايتنا.