السمّاح عبد الله: أنا علقت بها .. لكنها علقت بغيرى!
السمّاح عبد الله: أنا علقت بها .. لكنها علقت بغيرى!


السمّاح عبد الله: أنا علقت بها .. لكنها علقت بغيرى!

أخبار الأدب

الإثنين، 27 سبتمبر 2021 - 12:07 م

 

 كان لى صديق اسمه «أحمد الأعرج»، يحب فتاة اسمها «سعاد»، وكان كلما حدثنى عن غرامه بها يبكى بكاء حقيقيا، فهى تكاد لا تراه، وإن رأته فهى لا ترى فيه غير قميص وبنطلون وساعة فى يده ماركة جوفيال، وهو بكامل أناقته لا يمثل شيئا لها على الأطلاق، فقد كانت متيمة بحب «إبراهيم الفندي» الذى لم يكن يعيرها أى انتباه، كانت تقف له على ناصية شارع بيته عصر كل يوم، فإن قابلها كان يسلم عليها سلاما باهتا، فإن ابتدأت فى شكوى غرامها له نهرها بشدة ووبخها، وهددها بفضح أمرها أمام الجميع، فيزداد بكاؤها بين يديه، وهو قلبه قد من حجر، واقتطع من الحديد، هذا بالنسبة لها، أما الحقيقة فإنه كان مشغولا بـ «لبنى»، الفتاة الطالبة بالجامعة الأمريكية، 

والتى كانت كل تصرفاتها مأمركة أمركة لافتة للانتباه، تلبس الجيبات القصيرة، والبلوزات المقورة، وتضحك ملء قلبها، هو كان ذائبا فى عسل غرامها، وكأن قلبه قد من الحرير واقتطع من السوسن، وكان يسهر لياليه كلها يكتب لها خطابات مليئة بالدموع، وكان يستعير أشعارى لينسخها فى هذه الخطابات، ويغير اسم حبيبتى أنا فى قصيدتى ليضع مكانه اسم حبيبته، ولما كان اسم حبيبتى «خديجة» فقد كان الإيقاع الخليلى يتلخبط لخبطة كبيرة إذا تم استبدال اسم «لبني» به، غير أن أمر الأعاريض هذا لم يكن يعنيه من قريب أو بعيد، كما لم يكن يعنيها هي، أما هى فقد كانت حكايتها حكاية، لأنها كانت تعيد كتابة هذه الخطابات، وتغير ضمائرها لترسلها لحبيب آخر كان قلبها يتقطع عشرين قطعة كلما رأته يمر من أمامها، وكان الأمر يبدو شديد الغرائبية فيما يتعلق بأشعارى المستعارة التى تم تغيير اسم «خديجة» فيها إلى «لبنى» فى المرة الأولى، وإلى «أحمد» فى المرة الثانية، فلم يكن حبيبها هذا غير «أحمد الأعرج» الذى ابتدأت به سطور هذه الحكاية اللفافة.
أنا كنت أراقب أصحابى الأربعة الدوارين فى هذا  الحلزون العجيب، وكنت أتمنى لو اننى نططت إلى داخل هذه الدائرة الدوّارة لأعدّل مساراتها فتستقيم القصص، وتستريح القلوب، وكنت أقول:
الهوى سهل يا صحاب، فلماذا تعقدونه هكذا؟.
وكنت أندهش.
حتى أوقعنى زمانى فى هوى فتاة، بنفسجية، كانت تلقى بظلالها البنفسجية على الزروع والنيل وحوائط شارع طلعت حرب، وكثيرا ما كنت أكتشف ظلالا من بنفسجيتها هذه فى جيوبي، وأنا فى فترات غير بنفسجية على الإطلاق، وكنت أتساءل:
ليه يا بنفسج بتبهج وانت زهر حزين؟
وكان السيد المبجل «صالح عبد الحي» نفسه، غير قادر على تقديم تبرير لهذا الابتهاج غير الموضوعي.
 وفى آتيلييه القاهرة عرّفتها على صديقى الشاعر «حلمى سالم» فوقعت بكامل بنفسجيتها فى هواه، غير أن «حلمى سالم» فى هذا التوقيت كان واقعا فى حب شاعرة مهندسة لها سيارة صغيرة كأنها شنطة، وقد هندست بهندستها التى درستها فى الجامعة كل خطواته الشعرية، وسيّرت بسيارتها الشنطة كل اتجاهاته، فكتب فيها ديوانين كاملين.
لم أكن منتبها لحلزون الحب العجيب هذا، وكنت أسهر الليالى الطويلة أفكر فى حالي، وأتمنى لو اننى أمسك فى خناق «حلمى سالم» أمام الرحُّل والسيارة، وأشد ياقة قميصه بيديّ الاثنتين، لكننى حين أقابله فى نهار طلعت حرب المشمس، آخذه فى أحضاني، وأمشى معه كما يمشى الصديق مع صديقه، حتى نجلس معا فى بلكونة حزب التجمع الوطنى الوحدوى التقدمي، نتسلى بمراقبة العشاق الصغار القادمين من ناحية جروبى فى اتجاه آفتر إيت، وكنا نحسدهم.
أبدا لم نكن وحدنا، كان معنا، أو كان قبلنا بألف وأربعمائة عام، وربما سيظل مع العاشقين كلهم أبد الدهر، يقول لنا حكمته الخالدة، الرجل البصير، «الأعشى»، شاعر بكر بن وائل، الذى وصف حالنا فى قوله:
علّقتها عرضاً وعلقتْ رجلاً
غَيرِى وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ
وَعُلّقَتْهُ فَتَاة  مَا يُحَاوِلُهَ
مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذى بها وَهلُ.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة