حتي الآن لا أريد أن أصدق المنشور الذي نقلته بعض «بوستات» الفيس بوك مذيلاً بتوقيع وزير القوي العاملة الجديد محمد سعفان حين كان أميناً عاماً للنقابة العامة لعمال البترول. المنشور يهنئ الرئيس الأسبق المعزول محمد مرسي بذكري اكتوبر ويصفه بكل وقاحة بأنه قائد نصر اكتوبر!
أقول حتي الآن لأنه منذ انتشار صورة هذا المنشور لم يصدر أي تكذيب أو تأكيد له. وفي العادة أتحفظ كثيراً أمام ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما بعد أن أصبحت وسيلة للتشهير والافتئات علي خلق الله والاغتيال المعنوي للخصوم ؛ خاصة وأن الصور المنشورة تكون عرضة للتلاعب بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة. لذلك أتمني ان تكون صورة المنشور ملفقة وغير حقيقية، ليس لسابق معرفة بالوزير الجديد لا سمح الله، ولا غيرة علي سمعته، ولكن غيرة علي سمعة النظام، وحرصاً علي توافر ضمانات حسن الاختيار والتدقيق في انتقاء الوزراء، وأيضاً حرصاً علي سمعة الأجهزة الرقابية من حيث الدقة والنزاهة. إذ كيف لا يمر مثل هذا المنشور الخطير ضمن ملفات فحص المرشحين للمناصب العليا، ولو مر فكيف يفوت علي أعين المراقبين دون التفات؟
تصوروا.. لو صح هذا المنشور فعلاً لايهمني إن كان الرجل إخوانياً كما اتهمته «بوستات» الفيس بوك أوحتي راغباً في التقرب إليهم، فلست من دعاة الإقصاء. وربما يتمتع بالمهارات والخبرات المطلوبة لمنصبه. لكن ما أزعجني حقاً هو اعتماد التملق وتزييف الحقائق كوسيلة في هذا المنشور للقربي من السلطان، والتبجح في الكذب والتزوير إلي هذا الحد، ثم الترقي إلي المناصب الكبري وبراءة الأطفال في عيون أصحابها.
لو صح هذا المنشور كيف تثق القيادة السياسية في صحة وصدق البيانات والتقارير التي يرفعها لها هذا الوزير؟ لا يمكن ان نكرر أخطاءنا ويكفينا ما تردد عن حذف وزير السياحة المغادر للقطات التي تعرّض بسببها للانتقاد من فيديو برلين الذي أرسله للرئيس إمعاناً في التدليس، وتشبثاً بالكرسي.
بهذه المناسبة لست أدري كيف فسر وزير التعليم فضيحة حذف اسم د. محمد البرادعي من قائمة المصريين الحاصلين علي نوبل؟ ولا كيف تعامل مع قضية عدم وجود كتاب وزاري لمادة الكمبيوتر المقررة علي المرحلة الإعدادية والتي طرحتها في هذا المكان علي مدي الأسبوعين الماضيين، ولا كيف استمر في منصبه حتي الآن؟ قد يكون للرجل ملاك حارس يحميه من المساس به، أو أن لديه القدرة علي الطفو فوق الأمواج فلم يرتكب بعد الخطيئة الكبري التي تجعل استبداله أمراً ضرورياً. لذلك أدعوه كما اطمأن علي كرسيه وضمن بقاءه في المنصب إلي أن يطمئن أهالي مئات الآلاف من أبنائنا الطلاب، وكما استجاب بسرعة لعشرات الأهالي الذين طالبوا بحذف اسم البرادعي أن يستجيب لصرخات عشرات ومئات الآلاف الأهالي القلقين علي مصير أبنائهم.
كما لا أدري كيف سيقوم وزير الصحة الباقي في منصبه بتوفيق علاقاته المرتبكة مع عموم أطباء مصر؟ بصرف النظر عن مطالبات الجمعية العمومية لنقابة الأطباء بإقالته، من المفترض أن يكون تلقي توجيهات بلم الشمل إذ من غير المتصور أن تحتدم المواجهات أكثر مما هي عليه خاصة أن للقضية أبعاداً تتجاوز أزمة وزير مع نقابة.
هذا يجرنا إلي فلسفة التعديلات الوزارية التي باتت تتمتع بسمعة سيئة وتجلب سيرتها الإحباط لدي الناس. هذه الفلسفة - إن وجدت - لا تصل إلي أذهان الناس، فهم لا يعرفون المعايير التي يتم علي أساسها تغيير بعض الوزراء والإبقاء علي غيرهم. مفهوم ان تغيير الوزير يكون بسبب عدم رضا القيادة السياسية عن معدلات أدائه ومن المؤكد أن الأمر لا يتقرر في ذهن رئيسنا من منطلق الهوي لكن هذا الوزير المغادر - يقيناً - لم تنصفه أعماله، وربما ارتكب خطيئة تمس مصالح الأمة اوسمعتها وتستفز قطاعات كبيرة من الشعب.
مع تقديري لأهمية التقارير الرقابية في اختيار المسئولين، لكن دعونا نتفق علي انها ليست المعيار الوحيد لاختيار الوزراء ومن في مستواهم. فهل نعرض المشكلة علي المرشح للمنصب الوزاري ليقدم لها الحل من وجهة نظره وخبرته.. أم أننا نقدم له سياسة جاهزةعليه تنفيذها لحل المشكلات الواقعة في نطلق اختصاصه؟ هنا تتجلي ضرورة وجود المراكز الفكرية البحثية في كافة التخصصات أو ما يعرف في العالم بـ «الـ think tanks» مهمتها فحص المشكلات أو الأزمات ووضع التصورات العلمية لحلولها، والخطط البديلة حال فشل الخطة الأصلية فيما يعرف بـ«PLAN B».
من الضروري ألا تترك أزماتنا المصيرية رهناً لاجتهادات وزير قد يصيب وقد يخطئ أو لمستشاري الرئاسة فالمهمة أكبر من ذلك. وكفانا ما يجري في موضوع سد النهضة.