اللهم لا شماته.. فنحن اكتوينا ومازلنا نكتوي من نفس النار.. ولا يعلم إلا الله إلي متي ستستمر معاناتنا مع هذا الارهاب الأسود الملعون.
استيقظ أهل بروكسل علي قنبلتين.. واحدة في مطارها المؤمن جيدا.. والأخري في محطة مترو بوسط العاصمة.. الفارق بينهما ساعة.. والضحايا فيهما تجاوزوا الثلاثين.. ولكن الذعر بعدهما أصاب أوروبا بأكملها.. بل العالم كله.. حتي هنا في الولايات المتحدة.. شعر كل الناس أن الفرقعة التالية ستكون تحت قدميه.. حالة من الهلع ليس لها حدود.. خوف ما بعده خوف مما يسمونه الإرهاب الإسلامي.. أو إسلام الإرهاب.. الكلمتان أصبحتا متلازمتين متلاصقتين.. حتي لو كانت الحكومات تحاول أن تفرق بينهما.. إلا أن وسائل الإعلام علي اختلافها لا تفرق.. بل هي تزيد في الربط بينهما.. والنتيجة هي المزيد من الاحتقان ضد المسلمين.. مقيمين أو مهاجرين.. زائرين أم عابرين.. وفي كل دولة هناك بالتأكيد جماعات وأحزاب متطرفة تلعب علي تلك النغمة.. اقتلوا المسلمين أو العرب.. أخرجوهم من هنا.. امنعوا دخولهم.. وتجد تلك الأحزاب تأييدا من الكثيرين في كل انتخابات وهو تأييد يتزايد مع الوقت.. وآخر تلك الصور هي التأييد غير المتوقع لمرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة دونالد ترامب الذي جمع مؤيديه بسبب آرائه المتطرفة التي كان من أبرزها المطالبة بطرد المسلمين من أمريكا ومنعهم من دخول البلاد.
علي طريقة انقلب السحر علي الساحر.. أو بضاعتكم ردت إليكم.. أو اللي حضر العفريت يصرفه كان هو الموقف العام من حوادث تفجيرات بروكسل ومن قبلها باريس وكاليفورنيا ومدريد ولندن والله أعلم بأين ستكون الضربة القادمة. فالعالم كله بدأ يدرك أن الاسلوب التقليدي في محاربة الإرهاب لم يعد يجدي.. وهو محاربة الإرهاب بالإرهاب.. أي تكوين جماعات سرية مسلحة لتحارب جماعات سرية مسلحة أخري.. وهو الأسلوب الذي اتبعته الدول الغربية طوال السنوات الماضية.. وكانت جماعة « الإخوان المسلمين « هي أولي تلك الجماعات التي أنشئت في العشرينيات من القرن الماضي لتمتص حركات شعوب المنطقة التي بدأت تطالب بالتحرر من الاستعمار ثم توجهها إلي ظلمات الرجعية.. وتبعتها جماعات عديدة إلي أن وصلنا إلي « داعش « وهي اختصار « دولة إرهابية في العراق والشام «.
العالم كله يدرك بأن داعش وغيرها هي من صنيعة الغرب.. هو الذي أنشأها وتبناها وحشد لها وسلحها وجعلها البعبع الذي يخيف به الأنظمة العربية بعد تراجع دور جماعة الإخوان.. وهو الذي يعدها للقضاء علي مصر بعد أن استرجعها الشعب والجيش من براثنهم.. والدليل هو ما يقوم به التنظيم من عمليات إرهابية انتقامية من الجيش والشرطة في سيناء ومحاصرتها لنا من الحدود الليبية.
ويبقي أن نقول أن تفجيرات بروكسل التي جاءت بعد أشهر معدودة من تفجيرات باريس، وأربعة ايام من اعتقال صلاح عبد السلام، احد ابرز العقول المخططة لها تثبت ان تنظيم الدولة الاسلامية الذي أعلن عن مسئوليته عن هذه التفجيرات هو تنظيم اقوي بكثير مما يتوقعه الخبراء العسكريون والأمنيون في الغرب، وأن اكثر من عشرة آلاف غارة جوية علي مواقعها في سورية والعراق، وأخيرا في ليبيا، لم تضعفها حتي الآن.. كما أن هذا التنظيم قد نجح وعلي مدي الـ18 شهرا الماضية في تجنيد العشرات، وربما المئات، من الشبان العرب والمسلمين في القارة الاوروبية، وأماكن اخري في العالم، من خلال الاتصال المباشر، او عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ووفرت لهم التدريب علي كيفية صنع المتفجرات والاحزمة الانتحارية الناسفة.
تلك التفجيرات في بروكسل، ومن قبلها باريس، ليست من تنفيذ افراد «يائسين» أو «محبطين»، وإنما من فعل جيش منظم وشبكة من الخلايا العنقودية المنتشرة في عدة عواصم اوروبية، وتتواصل قياداتها مباشرة مع المخططين لهم في الرقة والموصل، وأخيرا في سرت، المقر الثاني لـ «الدولة الإسلامية» في شمال افريقيا. وهي تؤكد أيضا أن التنظيم نجح في الانتقال بسرعة إلي تنفيذ استراتيجية نقل عملياته العسكرية إلي الخارج، وبالتحديد إلي عمق الدول التي تشارك في التحالف الذي يحاربها بقيادة الولايات المتحدة، اي انها انتقلت من مرحلة السيطرة الواضحة علي الأرض في سورية والعراق، إلي التوسع والانتشار للقيام بالاعمال الانتقامية في عمق أوروبا.. والأهم هو أنها تستخدم مواطني تلك الدول والحاملين لجنسياتها حتي لو كانوا من أصول عربية.
بالطبع لن تكون تفجيرات بروكسل هي الأخيرة.. ولن تنتهي هذه الموجة من الإرهاب الا اذا استمع العالم إلي صوت مصر العاقل.. وإلي صرخات مصر التي تتوجع من ذلك الإرهاب الأسود وتفقد في كل يوم عددا من خيرة أبنائها.