يبدو أن الوزير إما أنه لا يقرأ ما ينشر عن وزارته، أو انشغل بأخبار التغيير الوزاري الوشيك في ترتيب أوراقه وتستيفها وليذهب الطلاب إلي الجحيم.
لم يكن يليق بالمستشار أحمد الزند أو «أسد القضاء» كما أطلق عليه مريدوه أن يغادر البلاد هو وعائلته كلها بعد أيام من إقالته. حتي لو صدقت الحجة التي أعلنت عن ارتباطه المسبق بموعد عرس دعاه إليه النائب العام الإماراتي، كان من الأجدر أن يبقي هنا، وأن يعتذر عن عدم حضور العرس درءاً للشبهات وقطعاً للألسنة التي اتهمته بالهروب خوفاً من فتح ملفات مسكوت عنها، وكان بإمكانه إيفاد بعض أفراد عائلته نيابة عنه في هذا العرس المجيد، وليغادر بعد ذلك للاستشفاء أو الاستجمام بعد أن تهدأ العاصفة. غريب أيضاً سماح الدولة له بالسفر وكانت المواءمة تقتضي مطالبته بالانتظار وعدم المغادرة وكأننا فتحنا للعصفور باب القفص ليفر بجناحيه أو كأننا قررنا عدم محاسبته وإغلاق ملفه.
«الأسد» رفض في تحدٍ غير مسبوق تقديم استقالته حين طُلب منه ذلك، وكان الأحري به وهو أسد القضاء الشامخ أن ينسحب بكرامة وبصمت النبلاء. لكن أخذته العزة بالإثم، وصور له كبرياؤه وغروره أنه فوق المساءلة وأنه يدين البلاد بدوره في مواجهة الإخوان وثورة 30 يونيو وكأنه صانعها الوحيد فكان جزاؤه كجزاء سنمار.
إن أكثر ما يدهش المرء هو صيحات الغضب والنواح علي مصير وزير العدل المقال من شخصيات ورموز قضائية وسياسية بل وإعلامية لها نصيب من الاحترام في أوساط الشارع المصري. لا أحد ينكر حقهم في الأسي عليه كصديق أو أستاذ لهم أو حتي مناضل جرئ في نظرهم، ولا ينكر أحد حقهم في الدفاع عن الرجل وانتقاد قرار القيادة السياسية، بشرط أن يكون ذلك علي أسس من العدل والحياد والموضوعية والنزاهة، ودون الكيل بمكيالين والتعلل بزلة لسان. فكم من زلات لسان أطاحت بأصحابها ولهم في وزير العدل السابق حكمة. ولو كان التغاضي عن زلات اللسان مقبولاً لما أطيح بالمستشار محفوظ صابر. حينها لم نسمع لأحدهم صوتاً يطالب بالصفح عن الرجل مع أن سجله يخلو إلا من زلة لسان واحدة، لكن ما أكثر زلات لسان «الأسد» المستفزة. وفي مثل هذه الأمور الحساسة لا تصلح القبلية معيارا للدفاع عن الصديق ظالماً أو مظلوماً.. أما أخطر ما في الموضوع هو دخول «المبرراتية» من رجال الدين علي الخط لإيجاد الأعذار واستخدام الاستشهادات من القرآن والسنة في غير موضعها. وكما قال جبران خليل جبران:...
ويل لأمة كل قبيلة فيها أمة. وويل لأمة عاقلها أبكم وقويها أعمي ومحتالها ثرثار.
وزارة التعليم لا تقرأ
في الأسبوع الماضي أثرت قضية تؤرق قطاعاً كبيراً من أولياء أمور وطلاب المرحلة الإعدادية بعدم وجود كتاب وزاري لمنهج مادة الكمبيوتر المقرر علي السنوات الثلاث لتلك المرحلة. سبب القلق هو أن الوقت يداهم الطلاب وهم علي أعتاب امتحانات نصف الفصل الدراسي الثاني. واستهانة بعض المدارس بشكوي أولياء الأمور والادعاء علي غير الحقيقة بأن نتائج المادة لا تدخل في المجموع الكلي للطالب، وأنها لا تؤثر علي نتائجه النهائية. وتساءلت بوضوح عن الهدف من عدم وجود كتاب يضم المنهج المقرر في كل سنة من سنوات الدراسة وترك الطلاب وأهاليهم نهباً لبيزنس الكتب الخارجية والملازم التي يعدها المدرسون.
في قرارة نفسي لم أتوقع أن أتلقي رداً من الوزارة، لعلمي بأسلوب التجاهل الذي تنتهجه الجهات الحكومية لكثير مما ينشر في الصحافة. ربما آخر ما أذكره هو اتصال المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق رداً علي ما جاء في مقالي. بصرف النظر عن اكتفائي أو مدي اقتناعي بدفاع المهندس إبراهيم محلب في مكالمته، إلا أنه كان حريصاً علي إبداء الاهتمام بما ينشر والرد عليه. أما وزارة التعليم فلم تخيب ظني فيها، وكان الصمت المطبق هو رد الفعل المألوف والمتوقع منها وكأنها تسير علي منهج لا أسمع.. لا أري..لا أتكلم بل وأيضاً لا أقراً. مع ذلك فقد توقعت - كما اعتدت من الجهات التي تؤثر عدم الرد - أن يتم تصويب الأمر في هدوء وسرعة علي الأقل حرصاً علي مصالح الطلاب إما بتوفير الكتاب المدرسي الرسمي المحتوي علي المنهج الوزاري الملزم، أو باستبعاد المادة من المجموع الكلي لحين تدارك هذا الخطأ ربما في الأعوام القادمة، وأن يعلن الوزير عن فتح تحقيق مع المسئول عن هذا التقصير الجسيم ولو من باب إبراء الذمة. لكن يبدو أن الوزير إما أنه لا يقرأ وليس لديه هيئة تلخص له ما ينشر عن وزارته، أو أنه انشغل بأخبار التغيير الوزاري الوشيك في ترتيب أوراقه وتستيفها وليذهب الطلاب للجحيم