في ليلة من ذات الليالي في بلاد بعيدة بعيدة لا هي بلادنا ولا تخصنا من المحيط إلي الخليج في أي حاجة صحا الناس من نومتهم المعتادة القريبة من نومة الحلاليف، ليجدوا بأن دنياهم صارت محايدة، لا ليل ونهار لا شمس وقمر، لا نار وماء ولا ذكور وإناث وإنما صنف ثالث ممسوخ.
في عالمهم الجديد لم يكن للناس من وظيفة إلا الأكل والإخراج.. وفي دنياهم الممسوخة لم يكن هناك من علم ولا حساب ولا تفكير ولا حس، باختصار حالة من العدمية الجاهلة منعدمة الضمير...
حياة العقم الحتمي فرضت علي الناس الفناء.. ففي وجود لا يعرف الثنائية ما من ثمة مواليد ولا ثمة أمل في استمرار وبقاء.. فقط كان الموت هو المصير يموت المسخ «شبه الإنسان» غير مخلف وراءه إلا روثا من شدة قذارته يدمر الأرض لا يحييها..
وهكذا اختفت أمة المسخ عن الدنيا وصارت الأرض التي عاشت عليها ذات يوم قفرا قاحلة، لا تنبت من الزرع سوي كل شيطاني كريه..
لم تقم أمة المسوخ التي تداول علي انتهاك أرضها وسمائها كل أوغاد الأرض عداوات مع من احتلوها وسفكوا دماء ناسها، فقد كانت منشغلة عن كل هذه التراهات بقضايا مصيرية أهم.. أولها كيف تصنع التبن وأهمها هل يجوز أكل الحمار...
وفي نهايات عهدها بالأرض سمع كبار أمة المسوخ المنتهك واقعها كله عن شاب وشابة كانا قد ولدا في بدايات عصر العقم وثبت أن لهما عقلا وأعضاء تناسلية وهرمونات ذكورية وأنثوية، تكفل لهما الإنجاب ولأمتهم الاستمرار بالحياة، وعلي عكس حتميات نواميس الكون لم يرحب الكبار بالأمر فقد ثبت لديهم أن الشاب والشابة ينتميان إلي صنف من المخلوقات يستخدم العقل ويفكر، وتردد بأنهما يدعيان الناس لمواجهة الأعداء وأنهما لم يقبلا بتسليم داريهما لغاصب محتل، وهي الجريمة الكبري في دنيا المسوخ، فكيف تكون حراً وكيف تفكر وماذا إن تزوج الاثنان وانجبا من يحملون جينات الحرية والبقاء..
قضي المسوخ الكبار علي الشاب وصاحبته بالملاحقة حتي الموت.. ولأنها أمة عاجزة عن الفعل قررت أن تسلم رأسيهما للأعداء، فذلك أيسر ولكن الذي لم يعرفه المسوخ أن إرادة الحياة تستمر وتجد دائماً طريقاً لتتحقق وتعبر به عن نفسها، بفضل التفكير الذي لا يملك المسوخ أدواته، نجي الشاب والفتاة من الملاحقة واحتفظا ببيتيهما، وتزوجا وانجبا ففتحا باب الخلق وقامت من صلبهما أمة جديدة.. أمة لا تعرف المسوخ.