أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

تغيير مسار

أسامة عجاج

الخميس، 30 سبتمبر 2021 - 07:26 م

حياة الإنسان - أى إنسان-  مراحل ومواقف، وأحيانًا اختيارات تفرض نفسها عليه، وتجارب عليه أن يخوضها، وقرارات يتحمل وحده توابعها، قد تكون صحيحة فتمثل له إضافة، أو غير ذلك، وأحمد الله على نعمة الاستفادة من مسيرتى

كنا فى صيف عام ٢٠٠٣، خيرت أسرتى بين أن نشترك فى رحلة إلى تركيا،  وكانت الأسعار زهيدة، فحسمت ابنتى الأمر بأن طرحت فكرة أداء العمرة، وأظن، والله أعلى وأعلم، بأنها كانت مقبولة بإذن الله، فلما وصلنا إلى القاهرة، شعرنا بنعم الله الكثيرة، على المستوى الأسري، والأمر اختلف بالنسبة لي، حيث كنت على موعد مع بداية مرحلة فاصلة فى حياتى المهنية، بعد أن التقيت بالأستاذ أحمد سامح رئيس مجلس إدارة اخبار اليوم الأسبق، وسكرتير تحريرها فى ذلك الوقت، – متعه الله بالصحة–  ليبلغنى بصفة شخصية، بأنه حضر اجتماعا ضم عددا من قيادات المؤسسة، والذين أجمعوا على أننى الأفضل فى تولى مسئولية إدارة أول مكتب لدار اخبار اليوم خارج مصر، فى المملكة العربية السعودية، طالبا منى عدم الحديث مع أى أحد فى الأمر، انتظار لإبلاغى رسميًا من الأستاذ نبيل أباظة–  متعه الله بالصحة والعافية–  المكلف بتلك المهمة من الكاتب الكبير الراحل إبراهيم سعده، كان رد فعلى على الخبر (الله أكبر)، فالأمر بدا كالحلم ليس للاختيار فقط، وهو أمر يسعد أى شخص، فلم أتشرف من قبل بالعمل مع الراحل إبراهيم سعده، ولكن السبب الأكبر لحالة الذهول التى أصابتني، –  (والله على ما أقول شهيد )-  أننى جلست أمام الكعبة بعد أداء فريضة الظهر،  حيث تداعت أفكارى حول افتتاح مكتب أخبار اليوم فى السعودية قبل أشهر، وهو الأول لها فى الخارج، وكيفية الاستفادة منه، وماذا لو كلفت به؟ فلم تمر سوى أيام حتى تحققت الأمنية، وبشكل مفاجئ وغير متوقع.


مهمة جديدة


وبالفعل ما بين السادس من أغسطس ٢٠٠٣ حيث أرسل الراحل إبراهيم سعده رسالة إلى وزير الإعلام السعودى الدكتور فؤاد الفارسي، بتعيينى مديرًا لمكتب أخبار اليوم فى السعودية، وحتى أبريل ٢٠٠٦، حيث تلقيت خطاب شكر من أمير الرياض الملك سلمان بن عبدالعزيز، على جهودى أثناء عملى فى المملكة، كانت وقائع مرحلة من أهم مراحل حياتى الصحفية والإنسانية، ساهم فى أهمية التجربة، إننى لست غريبا عن السعودية ولا هى غربية عن اهتمامي، بل زيارتى الأولى بدأت قبل إعادة العلاقات الرسمية بين البلدين فى عام ١٩٨٧ وتحديدًا لحضور المؤتمر الصحفى للراحل الأمير نايف وزير الداخلية السعودي، حول أحداث المواجهات بين قوات الأمن ضد المتظاهرين من الحجاج الإيرانيين فى يوليو من نفس العام، وقد استفدت من علاقاتى السابقة، ففى الأسبوع الأول من وصولي، تم إبلاغى من قبل الصديق هلال الهلال مدير مكتب وزير الأعلام السعودى الأسبق الدكتور فؤاد الفارسي، بأنه فى انتظاري، وكان ذلك حدثا استثنائيا بين المراسلين العرب والأجانب، وكان الأمر يعود إلى صداقتى بالوزير منذ سنوات، وعندما كان وكيلًا للوزارة، وقد حسمت أمرى منذ البداية، والانحياز إلى العمل الميدانى، كما تعودنا فى إصدارات أخبار اليوم، دون الاعتماد على التغطية من خلال الوكالة الرسمية، كما يفعل العديد من المراسلين وكان ذلك بداية صداقة، جمعتنى مع السفير أسامة نقلى سفير المملكة فى القاهرة، عندما كان مسؤولا عن إعلام وزارة الخارجية.  


الحصاد 


ونظرة على فترة العامين، زمن مهمتى أحمد الله على نجاح التجربة، من خلال رصد ثمارها، خاصة وأنها كانت مرحلة انتقالية، بين فترة الملك فهد الذى توفى فى أغسطس ٢٠٠٥، وتولى الراحل الملك عبدالله المهمة فى نفس اليوم، وفى خضم الأحداث اليومية التى عايشتها أتوقف عند ثلاث عناوين رئيسية فرضت نفسها على عملى.


 الأول: المواجهة الشجاعة من قبل الدولة السعودية للموجة الثانية من الإرهاب، التى بدأت قبل وصولى بسنة كاملة، وتحديدا فى مارس ٢٠٠٣، بانفجار فى أحد المنازل حيث تم العثور على أسلحة ومتفجرات، استمرت العمليات الإرهابية من عناصر تنظيم القاعدة، وأفادنى العمل الميداني، ففى الأسبوع الأول من عملى خرجت من مكتبى إلى حادث إرهابى بمحاولة تفجير مبنى إدارة المرور التابع لوزارة الداخلية فى وسط الرياض، ذهبت إلى أحد المستشفيات التى نقل المصابون إليها، باعتبارهم شهود عيان على الحادث، فتصادف وجودى مع تفقد الأمير نايف وزير الداخلية للمصابين، وكما تعودت ورغم الحصار الأمنى من الحرس الخاص بالأمير، رفعت صوتًا مناديا  (سمو الأمير)،  فتوقف حيث سمح لى الحرس بالوصول إليه، وبدات أسئلتى سريعة، مع إجابات سمو الأمير، كل ذلك والتلفزيون السعودى يسجل كل وقائع الزيارة، بما فيها أسئلتى التى أذيعت، فكان حدثا مدويا على المستوى الإعلامي، باعتبارى الوحيد الذى حاور وزير الداخلية من موقع الحدث، مرة ثانية انفردت (الأخبار) بخبر محاولة تفجير وزارة الداخلية فى ٢٩ ديسمبر ٢٠٠٤، بسيارتين مفخختين، ومعها مركز تجنيد قوات الطوارئ، والتى تمت قبل منتصف الليل، .   


برنامج الإصلاح السياسى 


أما العنوان الثانى البرنامج الإصلاحى الذى وضع بذوره الملك فهد بن عبدالعزيز فى أشهر حياته الأخيرة، ويعود الفضل فى الإشراف على التنفيذ الملك عبدالله، عند توليه المهمة فى الأول من أغسطس ٢٠٠٥، وسماته عديدة، قرارات العفو عن معتقلين واستحداث مؤتمر للحوار الوطني، وتشكيل هيئة لحقوق الإنسان، وكان ذلك فى سبتمبر ٢٠٠٥، وتستهدف حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقا للمعايير الدولية، ونشر الوعى بها والإسهام فى تطبيق ذلك فى ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، ومن بين الإجراءات التى اتخذها الملك عبدالله وقمت بمتابعتها إجراء أول انتخابات بلدية فى السعودية، فى نهاية ٢٠٠٥، وتكررت بعد ذلك فى عام ٢٠١١  و٢٠١٥، كما تم إنشاء مجلس الملك عبدالعزيز للحوار الوطنى فى عام ٢٠٠٤، كما تم اتخاذ قرار بزيادة أعداد مجلس الشورى وزيادة أعضائه من ١٢٠ عضوًا إلى ١٥٠ عضوًا. 


أما العنوان الثالث فهو التباين بين القيادة السعودية وواشنطن، حول ملف حقوق الإنسان رغم كل الإجراءات التى تم اتخاذها خلال نهاية ٢٠٠٤ و٢٠٠٥، وعلينا أنه نتذكر ارتفاع نبرة الإدارة الأمريكية تجاه هذا الملف تجاه العديد من الدول العربية ومنها بالطبع مصر، وتعود قضية الإصلاحيين فى السعودية فى أواخر ٢٠٠٣  وكانت أحد عناوين الخلاف بين العاصمتين، بعد اعتقال عدد منهم، وأشهرهم عبدالله الحامد وعبدالرحمن اللاحم وغيرهم، وقد حضرت فى ٢٣ أغسطس ٢٠٠٤ إحدى جلساتها  العلنية، حيث سمحت المحكمة بلقاء المتهمين بأسرهم، وهو ما تم فى  طرقات المحاكمة، ومثل وجودى استثناءً فلم يكن هناك إعلاميون سواي،  لدرجة أنه تم سؤالى عن هويتى من قبل رجال الأمن، ولما قدمت بطاقتى اعتمادى الصحفية، رحبوا بى وتركونى أمارس عملى كيفما أشاء، وكانت تلك القضية مثار مواجهة علنية فى مؤتمر صحفى جمع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس والراحل العظيم الأمير سعود الفيصل، حيث استبقت الوزيرة المؤتمر بإصدار وزارة الخارجية الأمريكية بيانا تضمن انتقادا لأوضاع حقوق الإنسان، وقد كررت كونداليزا رايس نفس المعاني، فتصدى له الأمير رافضا أى تدخل فى الشأن الداخلي، فى بلاده منددا بالموقف الأمريكي، بعبارات صريحة وواضحة، وقد أغلق الملك عبدالله هذا الملف فى بداية عهده، الذى شهد العديد من القرارات ومنها العفو عن المعتقلين،  واستقبل بعضهم. 


فصل جديد


وقد انتهت مهمتى فى مارس ٢٠٠٦، بناء على طلبي، الذى وافق عليه الراحل رئيس مجلس الإدارة الدكتور عهدى فضلي، لتبدأ مرحلة جديدة فى مسيرتى الصحفية، بالموافقة الكريمة من الكاتب الصحفى الكبير محمد بركات، الذى تم تعيينه رئيسا لتحرير الأخبار   على نقلى من آخرساعة إلى الأخبار، مشرفا على الطبعة العربية، ولعلها مناسبة للإشارة أن علاقتى مع الأستاذ بركات، والتى بدأت مع ممارستى للعمل الصحفي، متدربا فى مجلة آخر ساعة فى عام ١٩٨٧ فى السنة الثالثة من دراستى فى كلية الإعلام، حيث تعودنا على تواجده معنا فى نهاية معظم الأيام، لاصطحاب زوجته الراحلة عبلة عدوي، التى كانت بالنسبة لى ولغيرى الأخت الكبري، وقصتى مع الأستاذ بركات تستحق المزيد من الكتابة، وقد أعود لها يوما، فهو كما رأيته فى أول لقاء، لم يتغير  حيث عملت تحت رئاسته فى آخر ساعة وبعدها فى الأخبار، وهو شخصية فريدة، يجمع بين الاعتزاز بالنفس والتواضع الشديد،  نموذج متميز  فى عفة اليد واللسان، واتحدى ان يكون هناك شخص ما قد سمع منه كلمة نابيه، (حازم) عندما يستدعى الأمر، (ولين) فى معاملته مع مرؤوسيه، مر بدار أخبار اليوم  بأمان، من عاصفة اجتاحت مصر بكل مؤسساتها بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١،  حيث تم اختياره رئيسا لمجلس الإدارة قبلها بحوالى أسبوع. 


اغتصاب الذاكرة


قليلة هى نماذج الكتاب، التى تسير على منهج مرسوم بعناية ودقة، وتملك مشروعا ثقافيا متكاملا، سواء من حيث الإصدارات أو الكتابة شبه اليومية، ومنهم الصديق الكاتب الصحفى إيهاب الحضرى مدير تحرير الأخبار، وهذا واضح من عناوين إصداراته، التى بدأها منذ خمسة عشر عاما بكتاب (اغتصاب الذاكرة) وبعدها توالت الكتب، هدير الحجر- وحواديت المآذن-   ونساء وراء الجدران، فهو معنى بتاريخ  مصر بعصورها المختلفة، منذ الفراعنة وإلى العصر الحديث، وفى سابقة غير معهودة، يعيد الكاتب إيهاب الحضرى إصدار طبعة جديدة من كتابه الهام (اغتصاب الذاكرة-  الاستراتيجيات الإسرائيلية لتهويد التاريخ)،  متضمنًا مع ما أسماه فى تواضع (يحسب له)، نقدًا ذاتيًا وهى فضيلة لا يتمتع بها سوى الواثقين من قدراتهم، ويتعلق النقد بلغة الكتابة من جهة، لتصل رسالته إلى القارئ العادي، دون قصرها على المثقفين، والبعد الثانى المتغيرات التى طرأت على الموضوع، بعد فترة الخمسة عشر عامًا، واعترف باننى بعد التهامى لصفحات الكتاب، زادت قناعاتى برؤيتى للصراع العربى الاسرائيلي، وفى القلب منه  القضية الفلسطينية،  حيث نعيش نوع غير مسبوقا من الاحتلال، يتجاوز فكرة الاستيطان، الى (معادلة صفرية) عنوانها الرئيسي، (نحن وليس هم )،  فقد فتح الكاتب  آفاق جديدة، ورؤية مضافة الى طبيعة الصراع، وهو اغتصاب الذاكرة، وسرقة التاريخ، وخلط المفاهيم، والاعتماد على وقائع مزورة،  كما ان الكتاب يعيدنا إلى الأصل، حيث يشير إلى بعدها التاريخي، بأنه جزء من مخطط، يستهدف كل مكان ذكرته التوارة حتى خارج فلسطين المحتلة، سواء فى التراث المصري، أو فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الادعاء بإسرائيلية طريق الحج  من القدس إلى مكة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة