خواطر الإمام الشعراوي
خواطر الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. جنود الله

ضياء أبوالصفا

الخميس، 30 سبتمبر 2021 - 07:41 م

«البحر والماء جُنْد من جنود الله، تنصر الحق وتهزم الباطل»

يقول الحق فى الآية 40 من سورة القصص: «فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ».. كأن الحق سبحانه لم يُمهلهم إلى أن يعودوا إليه يوم القيامة، إنما عاجلهم بالعذاب فى الدنيا قبل عذاب الآخرة «فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ..» أى: جميعاً فى قبضة واحدة، التابع والمتبوع «فَنَبَذْنَاهُمْ فِى اليم» ألقينا بهم فى البحر، وهذا الأخذ الذى يشمل الجميع فى قبضة واحدة يدلُّ على قدرة الآخذ، وهذه مسألة لا يقدر عليها إلا الله القوى العزيز، كما قال سبحانه: «وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» «هود: 102». ولم يُوصَف أخْذ الإنسان بالقوة إلا فى قوله تعالى يحثُّنا على أنْ نأخذ مناهج الخير بقوة: «خُذُواْ ما اتيناكم بِقُوَّةٍ...» «البقرة: 93».


ثم يقول سبحانه: «فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين» أى: نهايتهم وقد جاءت عجيبة من عجائب الزمن وآية من آيات الله، فالبحر والماء جُنْد من جنود الله، تنصر الحق وتهزم الباطل، وقد ذكرنا كيف أنجى الله موسى - عليه السلام - وأهلك فرعون بالشيء الواحد حين أمر الله موسى أنْ يضرب بعصاه البحر، فصار كل فِرْق كالطود العظيم.


فلما أنْ جازه موسى وقومه إلى الناحية الأخرى أراد أنْ يضرب البحر مرة أخرى؛ ليعود الماء إلى سيولته واستطراقه فيصُحِّح الله له ويأمره أنْ يدَعَهُ على حاله، فالحق - تبارك وتعالى - يتابع نبيه موسى خُطْوة بخطوة كما قال له: «إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى» «طه: 46».


وحاشا لله أن يُكلِّفه بأمر ثم يتركه، ولما رأى فرعون الطريق اليابس أمامه عبر بجنوده، فأطبقه الله عليهم، فصاروا آية وعبرة، كما قال سبحانه: «فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً...» «يونس: 92». وتأمَّلْ قدرة الله التى أنجَتْ موسى من الغرق، وقد ألقتْه أمه بيديها فى الماء، وأغرقتْ فرعون.


ويقول الحق فى الأية 41 من سورة القصص:«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ»، أئمة: جمع إمام، وهو مَنْ يُؤتَم به، والمأموم أسيرُ إمامه، فلو كنا فى الصلاة لا نركع حتى يركع، ولا نرفع حتى يرفع، فمتابعتنا له واجبة، فإنْ أخطأ وجب على المأموم أنْ يُنبِّهه وأن يُذكِّره يقول له: سبحان الله، تنبه لخطأ عندك، إذن: نحن مأمومون له فى الحق فقط، فإنْ أخطأ عدَّلْنا له.


والإمام أُسْوة وقدوة للمأمومين فى الخير ومنهج الحق، كما قال تعالى فى حَقِّ نبيه إبراهيم عليه السلام: «وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً...» «البقرة: 124»، وعندها أراد إبراهيم عليه السلام أنْ تظلَّ الإمامة فى ذريته من بعده، فقال « قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي...» «البقرة: 124» فصحَّح الله له وأعلمه أن الإمامة لا تكون إلا فى أهل الخير « قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظالمين».


لذلك لما دعا نوح - عليه السلام - ربه: «رَبِّ إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِي...» «هود: 45» صحح الله له «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ...» إذن: أهلية النبوة وأهلية الإمامة عمل وسلوك لا قرابة ولا نَسَب.


وقد تكون الإمامة فى الشر، كهذه التى نتحدث عنها: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار...» فهم أُسْوة سيئة وقدوة للشر، وقد جاء فى الحديث الشريف: (من سَنَّ سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومَنْ سنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة).


ويقول تعالى فى أصحاب القدوة السيئة: «لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ...» «النحل: 25». فكان فرعون وملؤه أسوة فى الشر، وأسوة فى الضلال والإرهاب والجبروت، وكذلك سيكونون فى الآخرة أئمة وقادة، لكن إلى النار «وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة