لن تخرج مصر من كبوتها وأزماتها إلا بعد أن تتخلص -بالقانون- من مماليك هذا الزمان، وأن تستفيد من تجربة «محمد علي» فتبدأ بالتطهير قبل البناء

مرت قبل يومين «الأول من مارس» الذكري ٢٠٥ لمذبحة القلعة التي وقعت عام ١٨١١ والتي نفذها «الوالي» محمد علي للتخلص من رموز المماليك بعدما صاروا عبئا علي الدولة والشعب، وتحولوا من قادة ونخبة حاكمة إلي «مصاصين» لدماء الشعب وقوته وثروته.
ورغم أن التاريخ لايعيد نفسه، لكن كثيرا من الاجواء التي كانت سائدة في مصر آنذاك تبدو مشابهة لما نعيشه اليوم بصورة تدعو إلي الدهشة !! فالبلاد التي كانت تحاول أن تستفيق من زلزال الحملة الفرنسية وتستعيد توازنها كي تنطلق إلي الأمام وتعود إلي الحضارة، بعدما حولها العثمانيون والمماليك إلي «عزبة» تقبع في «كهف» الجهل والتخلف، واجهت عبئا اسمه المماليك الذين لم يروا في مصر سوي دجاجة تبيض ذهباً، مجرد تركة ورثوها لينهبوها، بينما يدفع شعبها المسكين ثمن جشعهم الذي لا يرتوي للثروة والسلطة.
لم يستطع محمد علي أن يبدأ مشروعه الوطني للبناء والاصلاح، إلا بعدما تخلص من مماليك زمانه الذين تفننوا في اعاقته وسرقة الشعب والتهام أقواته، ودعم قوتهم ونفوذهم في الدولة بالسيطرة علي كل مقدراتها، واستغلالها لخدمة أغراضهم الخاصة.
بالتأكيد، لايمكن لأحد أن يدافع عن القتل، أو المذبحة التي ارتكبها «محمد علي»، فإذا كانت تلك الطريقة مقبولة في زمانه، فإنها جريمة في زماننا، لكن في المقابل فإن أفعال «مماليك» الزمانين تبدو متشابهة إلي حد كبير، واذا كان محمد علي لم يجد سوي «المذبحة» ليتخلص من مماليك زمانه، فإن القانون ربما يكون كافيا لمواجهة مماليك زماننا.
دعونا نتخلص من مماليك «السبوبة والمصلحة» الذين أفسدوا ويفسدون كل مؤسسات الدولة ويحولونها إلي مجرد أدوات للاسترزاق وخدمة أغراضهم وتفريغها من أية رؤية أو قدرة علي العمل.
لنواجه المماليك من السياسيين والاعلاميين الذين يروجون الجهل والخرافات عبر الشاشات ووسائل الإعلام، ويحتكرون عقول المصريين باستعراضاتهم المبتذلة البعيدة عن كل قيمة أو مهنية، ويستخدمون تلك الوسائل لخدمة من يدفع ويمول ويعلن ويوجه.
لابد من حملة صادقة للتصدي للمماليك الذين يسرقون أقوات المصريين، ويتاجرون بأمراضهم وأزماتهم، يعاملونهم كأنهم سلعة لاتستحق سوي أن تباع وتشتري، ينهبون ثرواتهم، ويوزعون «صكوك» الفساد علي ضعاف الضمائر والعقول، بينما يتم استبعاد أصحاب العقول والمبادئ!!
آن الأوان لنضع الأفاقين ونجوم الفهلوة والنفاق والتلاعب بالقانون في مكانهم الطبيعي.. في «مزبلة التاريخ».. لابد ان تتحرك الدولة سريعا كي تقطع « الأيدي المرتعشة» التي تعجز عن اتخاذ قرار وإن اتخذته فليس لصالح الناس وإنما لخدمة أهواء وأغراض اخري.
حان الوقت كي نواجه «مماليك المحليات» الذين يعيثون في الأرض فسادا - أولئك الذين تهددت كروشهم وهم قابعون وراء المكاتب مفتوحة الأدراج يتقاضون مقابل فسادهم وتقاعسهم- بينما تغرق الشوارع في الفوضي والقمامة.. ولا بقاء فيها إلا لمن يدفع اكثر!!
لن تخرج مصر من كبوتها وأزماتها إلا بعد أن تتخلص -بالقانون- من مماليك هذا الزمان، وأن تستفيد من تجربة «محمد علي» فتبدأ بالتطهير قبل البناء، فلا يمكن لصرح ان يقوم علي أسس ينخر «السوس» فيها ليل نهار، ولايمكن لحلم التقدم أن يتحقق بينما «المماليك» يرتعون في ربوع البلاد طولا وعرضا ليجهضوا كل محاولة صادقة للإصلاح واستعادة الدولة من بين أنيابهم.