انشغل الجميع بالأرجوزات.. وتركنا دور مجلس النواب في صياغة القوانين التي ترفع المعاناة عن الناس.. وتركنا العدل.. وانشغلنا بالأحذية.

فاكرين المستشار محفوظ صابر وزير العدل السابق، صاحب المقولة الشهيرة «ابن الزبال مايدخلش النيابة».. وقتها قامت الدنيا ولم تقعد، وهاجت وماجت الفضائيات، تلقي الوزير هجوما عنيفا.. رغم انه نطق بحقيقة يعلمها الجميع.. ولم تهدأ الأمور إلا باستقالته وقبول الحكومة الاستقالة.
طب وبعدين ايه اللي حصل؟
لم يحدث شيء ابن الزبال مش ممكن يكون وكيل نيابة، وحتي الآن لم يحدث أي تغيير في هذا المفهوم.. فهي حقيقة مستترة في المجتمع.. لكن أصحاب الصوت العالي عايزين اللي يداري الحقيقة.
المستشار محفوظ صابر كان صريحا وقال قول الحق، وفقا لما يجري ويتم.. ولان الحقيقة دائما بتزعل، واحنا ناس فاضية، مسكنا في الكلمة، وبهدلنا الرجل المحترم حتي استقال من الوزارة.. ولكن هل استقالته غيرت من الواقع شيئاً؟
بالطبع لا.. لم يحدث أي تغيير.. ولم نر ابن الزبال وكيل نيابة.. إذن لماذا هدأت الأمور؟ واكتفينا باستقالة الوزير رغم انها لم تغير شيئاً؟!
لاننا ببساطة نهتم بالفروع ونترك الاصول.. رضينا بالاستقالة، وعدنا إلي بيوتنا.. ولم نستمر في الدفاع عن ابن الزبال حتي يصبح بالفعل وكيل نيابة.
تركنا الاصل وهو العدل، وحق ابن الزبال، ومسكنا في الوزير الذي نطق الحق.. العدل أشمل وأهم.. فهو الذي سيصل بابن الزبال وبغيره إلي هذا المنصب إذا كان يستحق.
اذكر هذه الواقعة تحديدا لأمرين.. الأول فما اشبه اليوم بالبارحة.. والثاني اننا شعب نساي وزياط، نقوم ونهيج وننزل علي مفيش.
هذا ينطبق علي مجلس النواب، نعيد نفس الفكرة، تركنا دور المجلس الذي لم يأت بجديد حتي الآن.. ومسكنا في عكاشة وفعلته.
الدنيا قامت وقعدت علي توفيق، الذي أصبح نجما.. استطاع بفعلته نشر صور السفير الإسرائيلي في جميع الصحف والفضائيات والمواقع الالكترونية المصرية.
ماذا لو اهملنا هذا الخبر من أساسه؟ والذي حرص عكاشة نفسه علي نشره.
تركنا مجلس النواب الذي لم يقدم شيئا حتي الآن للشعب الذي انتخبه..
المجلس الذي غرق في الخناقات والاختلافات، و«جزم» طالعة و«جزم» نازلة والمحصلة صفر.
الشعب يعاني والبلد يئن.. والنواب منشغلون في عكاشة وسفيره.
هكذا نحن نمسك في فروع لا قيمة لها، ونترك الاصول.. نجري وراء خزعبلات، وننجذب لمهاويس، وننشغل بكل ما هو تافه وهايف عن كل ما هو مهم وضروري وحتمي.
إن أمر عكاشة أتفه من أن يصاحبه كل هذا الضجيج والصخب.. وان نضيع معه الوقت.. إلا إذا كان هذا مقصودا.. من باب إلهاء الشعب.. أو التفريج عنه.. أو محاولة لادخال البهجة عليه في وقت زاد فيه الغضب واعتلت الكآبة الوجوه.
منذ انعقاد مجلس النواب وحتي الآن لم يصدر عنه أي تشريع يمس حياة الناس، وكله مؤجل لحين صدور اللائحة.. حتي ان قانون الخدمة المدنية الذي رفضه المجلس، مازال مطبقا حتي الآن.
المجلس وما يحدث فيه صورة مصغرة مما يحدث في البلد، فهو بنوابه جزء من المجتمع الذي نعيش فيه فوضي وعك.
علي مجلس النواب ان يسرع من حركته، وينهي اللائحة ويترك عكاشة وأمثاله لمحاسبة اللجنة المختصة.. عليه أن يبدأ في صياغة بلد يحتاج إلي جهد كبير كي ينهض.. بلد يئن من الألم لا يملك رفاهية الوقت.. يبحث لماذا يرفض الشارع القوانين التي تعدها الحكومة مثل قانون الخدمة المدنية والتأمين الصحي.. التي يراها الناس أنها غير مناسبة لهم.
دعوا الاراجوزات ولا تنشغلوا بهم.. وقفوا أمام مسئولياتكم التي انتخبكم من أجلها الشعب.. رسخوا للعدل الذي غاب، وحاربوا الفساد الذي استشري، اصلحوا احوال الناس، انظروا للناس بعين الرحمة، ولا تتحولوا لاسواط تجلدهم وتعذبهم.. ارفعوا عنهم المعاناة، وجددوا الأمل فيهم، اعيدوا الانتماء للشباب بأدائكم وافعالكم.. مصير مصر وشعبها أهم وأعظم من اراجوزات المجلس.