لايزال المشهد العام في مصر يعاني من التناقض الحاد، فبينما يجوب الرئيس عبد الفتاح السيسي أطراف الدنيا بحثاً عن بنية أساسية واستثمارات في البشر قبل الحجر، ويعقد العديد من الاتفاقيات بين مصر واليابان وكوريا الجنوبية وكازاخستان من قبلهما، لتطوير التعليم وبناء الإنسان، نجد علي الجانب الآخر مشهدا عبثيا لإعلام منفصل تماماً عن طموح الرئيس وأحلام الشعب.
فمساء الاثنين الماضي، بينما يواصل الرئيس النجاحات انشغل الجميع بمتابعة «خناقة» بين رئيس نادٍ وإعلامي ومدرب كرة شهير، وكذلك انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي في ضرب نائب في مجلس النواب بالحذاء علي يد نائب آخر، اعرف أن هذا مطلوب لتحقيق ترافيك ومشاهدات وعدد كبير من اللايكات، لكن أن تحتل هذه الوقائع الطريفة المشهد بالكامل هنا تمكن المشكلة.
الوضع الحالي للإعلام يعطي صورة بائسة لمجتمع مرتبك وهذا يظلم كثيراً الجهود الحقيقية التي تجري علي أرض مصر، والتي أشار إليها الرئيس في خطابه الأخير الذي وصف بأنه أطول خطاب له منذ توليه المسئولية.
ربما أسهب الرئيس في خطابه لأنه يدرك المشهد العبثي الذي يصدره الإعلام إلي الشعب، والذي يبتعد كثيراً عن القضايا المهمة التي يجب أن تثار وعلي رأسها خطة الدولة للنهوض بمصر والمشروعات التي تقام لعلاج المشاكل المزمنة المتراكمة عبر عشرات السنين والتي يعاني منها المواطن المصري، وذلك بإقامة شبكة طرق ممتدة ومحطات كهرباء وصرف صحي ومياه وهذه كلها احتياجات أساسية لأي مستثمر أو رجل أعمال وكذلك هي مطالب رئيسية للإنسان المصري الذي يعيش نسبة كبيرة منه مفتقداً للحد الأدني من الحياة الآدمية.
قد يتهمني زملائي الإعلاميون بالمثالية أو عرض آراء نظرية فقط لا تطبق في واقع الحياة الإعلامية التي تتطلب مشاهدات وإثارة وتشويقا من أجل الإعلانات التي هي المفتاح الرئيسي لاستمرار أي وسيلة إعلامية، ولكني أقول إن المعالجة وأسلوب التناول لأي قضية واختيار ضيوف أصحاب الكاريزما هي من العناصر الرئيسية لجذب المشاهد واحترامه لما يقدم.
وعلي الجانب الآخر لا أري رؤية شاملة لمشاكل يومية يعاني منها المواطن ولا يجد حلاً لها وهي علي سبيل المثال وليس الحصر؛ مشاكل المرور والنظافة والسيطرة علي أسعار السلع ووضع ميثاق إعلامي مطلوب علي وجه السرعة.
إن ما يحزن حقاً أن هناك كثيرين يبذلون جهوداً محترمة في مصر لكننا لا نعلم عنهم شيئاً إلا بالصدفة فالإعلام مشغول بخناقة «ميدو» و»مرتضي» وحذاء «كمال أحمد» لتوفيق عكاشة، و»أوبر» و»كريم» والتاكسي الأبيض، هذه هي أهم القضايا التي ينشغل بها الإعلام الآن ويشغل معه المواطنين.
الغريب أن كل موضوع من الموضوعات السابقة يتكرر في كل برامج التوك شو، وكأنه مقرر دراسي يوزع عليهم لتقديمه «لتدريسه» للمشاهدين المنهكين طوال يومهم في عجلة الحياة التي لا ترحم، ولا تسلط الضوء علي معاناتهم أو أحلامهم ولكن بإعطائهم جرعة كبيرة من السلبية وفقدان الأمل تحرمهم في يومهم التالي من رؤية متفائلة لمستقبل نكافح لجعله مشرقاً للجيل القادم.
سيادة الرئيس.. مطلوب رؤية شاملة وواضحة من الدولة وضبط إعلامي لهذا العبث الذي يحدث.