لماذا يأتى يوم الميلاد محملا بالشجن ؟ ومع كل عام تزداد وطأته.. ربما فى سنوات الشباب تبدو المناسبة مبهجة محملة بالأمل والمستقبل المفتوح وسقف التوقعات ما زال مرتفعا ويظن الانسان فى شبابه أن عنفوانه سيبقى وأن حماسه لن يفتر..ولكن تختلف نظرته عندما تمنحه الحياة ما هو مقدر له وقد يبعد عن سقف توقعاته وآماله، ومع مرور السنوات يتغير مذاق عيد الميلاد ويصبح مناسبة لحساب عسير للنفس عن كل ما قدمه الانسان فى سنواته الماضية من خير وشر وإذا كان من أصحاب الضمائر اليقظة يصبح حساب النفس عسيرا.. فلا تهاون مع أخطاء ولا سماح للهنات الخفيفة وعتاب شديد اللهجة على الزلات وندم على الفرص الضائعة التى ربما لا يتسع العمر الباقى لتعويضها..وأحيانا يتمنى البعض ان تقفز اوراق نتيجة الحائط لتتخطى تاريخ ميلاده هربا من حالة الشجن ومن حصار الذكريات مع الاعزاء الراحلين..من الخوف من المجهول ومن الاشفاق على أحباب سيفارقهم لا محالة.. ينظر الانسان لما مضى فيشعر ان سنوات عمره مرت بأسرع مما تصور.. وكأنه لم يعش غير ساعة من الدهر وتتسرب السنوات من بين ايدينا ونحن نلهث وراء متاع الحياة الدنيا ولا نفيق إلا مع اقتراب رحلة الحياة من نهايتها كما قال القرآن الكريم فى سورة الروم «قال كم لبثتم فى الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين، قال ان لبثتم إلا قليلا ولكنكم كنتم لا تعلمون».
فليحتفل بعيد مولده من يحتفل ولكن فى أجواء الاحتفال لا ينسى ان يجعلها مناسبة لحساب النفس ومراجعة الاخطاء ورد الحقوق للآخرين..فهى فرصة لتصحيح المسار وإعادة شحن (بطارية) الطاقة الايجابية وبغيرها سيكون احتمال نوائب الحياة صعبا..أتصور ان نحاول تحسين انفسنا ومقاومة عيوبنا ونواقصنا فجهاد النفس هو الجهاد الأعظم فلا تبخلوا على انفسكم به فهى معركة كل انسان ولن يخوضها أحد نيابة عنه فاسع للنجاة ونق نفسك من الشرور ولا تستجب للنفس الأمارة بالسوء بل اعمل على تأديبها وتهذيبها حتى لا توردك الهلاك . كان الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب لا يحتفل بعيد ميلاده ويعلق بسؤال استنكارى: كيف أحتفل بنقصان عمرى سنة؟
وتحضرنى أبيات من قصيدة الجدارية لمحمود درويش:
عام مضى ولآخر ميلاد
والعمر ينقص كلما ازداد
كل على درب الحياة مسافر
والذكريات لدى المسافر زاد