معارك تكسير العظام بين السلفية والصوفية
معارك تكسير العظام بين السلفية والصوفية


معارك تكسير العظام بين السلفية والصوفية

أخبار الحوادث

الأحد، 03 أكتوبر 2021 - 01:06 م

تقرير يكتبه: عمرو فاروق 

العلاقة بين مكونات الإسلام السياسي الحركي، بتوجهاته المذهبية الوهابية والقطبية، وبين المنهجية الصوفية الروحية، عدائية على مدار التاريخ المعاصر، الذي كان سجلاً شاهدًا على معارك تكسير العظام بينهما على المستوى الفكري العقائدي والسياسي الاجتماعي. 

منذ تشكل التيار السلفي التقليدي في واقع الحالة المصرية (نموذجًا)، تحول لظهير فاعل وبيئة خصبة للجماعات الأصولية المسلحة من القاعدة إلى داعش، لتبنيه خطابًا مرتكزًا على معاداة النظم السياسية، وانتقاده الدائم للمجتمع وسلوكياته التي لا تتفق مع أطروحاته، في مقابل الأدبيات الصوفية المرتكزة على تصفية النفوس وتزكيتها بمسالك روحية متشعبة، ودعمها لمفاهيم الدولة الوطنية، ومناهضتها لمصطلحات التكفير وجاهلية المجتمع، ولمشروعات الأممية الإسلامية.

كثيرًا ما وجه دعاة التيار السلفي هجومهم وسهامهم الطائشة تجاه الصوفية ورموزها، طعنًا في عقيدتهم ومنهجهم السلوكي، لا سيما في ظل ارتباطها بالعوام والبسطاء، واتهامها بسطحية المنهج العلمي والشرعي، رغم أن غالبية قادة وعلماء الأزهر الشريف ينتمون للمنهج الصوفي الأشعري. 

ثمة معركة دائرة في المرحلة الراهنة، أشعل نيرانها اتباع التيار السلفي التقليدي، بالهجوم على رموز التيار الصوفي المصري، من أبرزها الحلقات التي قدمها عبد الله الشريف، وتعمده تشويه المدارس الصوفية والتشكيك في مذهبهم وعقيدتهم، ومشاربهم الروحية، في إطار سياسة متبعة منذ  فضح التيارات السلفية ورموزها أمثال يعقوب والحويني وحسان، وتراجع شعبيتهم، وكشف دورهم الفاعل والمؤثر في تدمير الهوية المصرية على مدار سنوات طويلة، وتغزية الكراهية والعنف، والمساهمة في إنتاج الدواعش ومن على شاكلتهم ودربهم.   

بجانب الاتجاه التقليدي المتبع في مختلف الطرق الصوفية المصرية من مسالك التربية الروحية وحلقات الذكر والمديح النبوي وقراءة الأوراد والأذكار، اعتمد الشيخ الصوفي جابر بغدادي في منهجيته على لون مخلتف يمثل تجديدًا في مسارات التأثير والتأثر السلوكي على المستوى الفكري والروحي، بين مريديه وتلاميذه من خلال خطاب دعوي حماسي متسق مع مقاصد الشريعة وضوابطها، مغلفًا برداء السهل الممتنع، ما مكنه من مخاطبة وجدان وعقلية جماهيره المتنوعة من البسطاء والعوام والمثقفين.

انطلق الشيخ جابر بغدادي، من محافظة بني سويف جنوب القاهرة، محولاً مقر مؤسسة «القبة الخضراء»، التابعة للطريقة الخلوتية الجودية، منبرًا لنشر منهجيته الصوفية، مؤثرًا في الكثير من ابناء العائلات الكبرى في محافظات الوجه القبلي، بعد أن كانت مرتكزًا  للجماعات الأصولية المسلحة، لاسيما الجماعة الإسلامية التي توسعت في تواجدها بمدن وقرى صعيد مصر منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

في خطابه الوعظي يفرد الشيخ جابر بغدادي، الحديث حول دعوات الوصال والمحبة والقرب من الله ورسوله وآل بيته الكرام، فيشير على موقعه الشخصي: (أنا لست عالمًا أو فقيهًا ولا شاعرًا إنما مؤذن «حي على الوداد»، لأجمع الخلق بالحب على الحق، فنحن إلى الحب أحوج من كثير من علوم فرقت إجماع الأمة).

انضم الشيخ جابر بغدادي، إلى نقابة قُراء القرآن الكريم، بعد حفظه كتاب الله تجويدًا، وجمع بين دراسة اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب جامعة بني سويف، ودرس التاريخ الإسلامي بنفس الكلية، وتلقى العلوم الشرعية وعلوم التصوف السني، على يد الشيخ الدكتور جودة عبد العليم البكري أحد  علماء الأزهر الشريف، ودرس السيرة النبوية المطهرة، وحصل على  21  إجازة بالسند في علم الحديث، على يد علماء المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.

يعتبر الشيخ جابر بغدادي الأقرب إلى المدرسة الصوفية الحديثة المعروفة بـ «الصوفية المتشرعة»، التي يمثلها الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية السابق، ومؤسس الطريقة الصديقية الشاذلية، في مايو 2017، ويقع مقرها بمسجد «فاضل» بمدينة 6 أكتوبر، وكذلك الشيخ أسامة الأزهري، مستشار الرئيس عبد الفتاح السيسي للشؤون الدينية، والداعية اليمني الشيخ الحبيب علي الجفري، رئيس مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية بدولة الإمارات، ومؤسس خلوة «روضة النعيم» بمنطقة الحسين بالقاهرة، والداعية الصوفي اليمني الحبيب عمر بن حفيظ، الذي اعتاد زيارة القاهرة والالتحام بمشايخها وخلواتها.

ويمثل المدرسة الصوفية الحديثة ايضًا، الداعية الدكتور يسري جبر،الجامع بين علوم الطب وعلوم الشريعة، ويتخذ من مسجد «الأشراف» بالمقطم، مقرًا لإلقاء دروسه والالتقاء بمريديه، والدكتور محمد عوض المنقوش، الذي يحظى بشهرة كبيرة بين علماء الصوفية في مصر وليبيا، ويعد من رموز الطريقة الشاذلية التي أسسها الدكتور على جمعة،  وأحد المختصين بتدريس علوم ومبادئ التصوف السني، وكذلك الدكتور محمد مهنا، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، ومستشار شيخ الأزهر والمشرف على الرواق الأزهري، ومؤسس أكاديمية «البيت المحمدي».

وينتمي للمدرسة الصوفية الحديثة، الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، والدكتور مجدي عاشور مستشار مفتي مصر، والدكتور جمال أبوالهنود، مستشار وزير الأوقاف الفلسطيني.

يعتبر من أهم رموز المدرسة الصوفية العلمية التي لم تكن تحظى باهتمام شعبي واجتماعي بالغ منذ نشأتها، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، الدكتور عبدالحليم محمود، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والشيخ محمد ذكي الدين إبراهيم، شيخ العشيرة المحمدية.

أخذت المدرسة الصوفية الحديثة على عاتقها الوقوف بقوة أمام الأطروحات التكفيرية القطبية، والحد من تأثيرها وانتشارها بين القطاعات الشبابية عامة، وفي عمق المدرسة الأزهرية خاصة، والتي تأثرت لفترات طويلة بالسلفية الوهابية، وكانت عاملاً في تباين المواقف والأراء للمنظومة الدعوية الأزهرية ورجالها.

استطاعت المدرسة الصوفية الحديثة جذب عدد من الدعاة الجدد إلى بوتقتها الفكرية أمثال مصطفى حسني، الذي أطلق سلسلة «خدعوك فقالوا»، مصححًا فيها للكثير من المفاهيم التي تأثرت بالخطاب السلفي الوهابي، والداعية عمرو مهران، والمنشد مصطفى عاطف،والداعية الشاب أحمد جمال البنا، المهتم بتفكيك المنظومة الفكرية للجماعات الأصولية، مؤلف كتاب «الأوهام الخمسة».

تسببت الصوفية الحديثة التي يمثلها الشيخ جابر البغدادي، والدكتور يسري جبر، تحديدًا، في حالة من الإزعاج للسلفية الشعبية، إذ أنهما يمتلكان أهم الأدوات التي اعتمدها التيار السلفي على مدار تاريخه المعاصر، متمثلة في توظيف «المنابر»، واستثمار قدرتهما الإلقائية للخطاب الشرعي المتزن في جذب الجماهير العريضة واتساع شهرتهما جغرافيًا، دون التطرق للعلوم الباطنية المتعدية لنطاق ومستوى العقل البشري فهمًا واستيعابًا.

يميل الكثير من المعنيين بملف مكافحة الإرهاب الفكري، إلى تصدير التصوف العلمي ومنهجيته الروحية المنضبطة شرعيًا وسلوكيًا إلى عمق الشرائح المجتمعية، لما يمثله من صمام أمان مانع أمام الزحف الوهابي القطبي، وتغلغل الجماعات الأصولية وقضاياها وأفكارها في صلب الشارع المصري.

 نجاح الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب مهد الطريق أمام المدرسة الصوفية الحديثة للانتشار في جنبات المجتمع  في ظل تقليص المساحة الجغرافية والاجتماعية للجماعات الأصولية بعد سقوطها سياسيًأ وتخبطها فكريًا وتفككها تنظيميًا، لكن على الجانب الآخر، استثمرت السلفية التقليدية الظروف السياسية في الداخل المصري بما يضمن بقاءها واستمراريتها،  لا سيما «السلفية السائلة» الملتحمة مع الطبقات الشعبية، والتي ما تزال تحتل حيزًا ومساحة في العقلية الجمعية المصرية، ولا يمكن تغافل دورها النشط والخفي، ما جعلها تخوض مواجهة مباشرة مع «الصوفية العلمية»، عبر عدد من ممثليها على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات اليوتيوب.

وثقت المدرسة الصوفية الحديثة، علاقتها بعدد من فرق الإنشاد الصوفي، التي مزجت بين فن الابتهال الديني بالأسلوب التقليدي وألوان الموسيقى الغربية والشرقية، مثل فرقة «الحضرة» ،التي تأسست مطلع عام 2015،  وفرقة «المولوية» المصرية، التي أسسها عامر التوني عام 1994،و فرقة «المرعشلي» السورية التي تأسست عام 1980، وانتقلت للقاهرة منذ عام 2012،  وفرقة «الإخوة أبوشعر» السورية، التي تأسست عام 1983 ثم انتقلت للقاهرة عام 2012. 

لم تزعج الصوفية الحديثة التيارات السلفية وحسب، لكنها أرقت منام قيادات جماعة الإخوان، الذين شعروا أن المد الصوفي، سيصنع بجماعتهم ما لم تصنعه الأزمات، في ظل ارتماء عدد من شبابها إلى أروقة وخلوات الطرق الصوفية، وارتباطهم بمشايخها، ففي إحدى الوقائع التي سجلتها المرحلة التاريخية بين عامي 2009، و2010، وتسببت في أزمة حادة بين جدران المكون الإخواني، إثر انتماء عدد من شباب الجماعة لإحدى الطرق الصوفية، تعلقًا بالمد الروحي، ما صنع إشكالية الخلاف حول بيعة المرشد، وبيعة الشيخ، أو ما يعرف بـ «ازدواجية البيعة»، لتنهي الجماعة موقفها بفصلهم نهائيًا، رفضًا للدخول في الجدل الفقهي والشرعي حول «البيعة التنظيمية» والبيعة الروحية».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة