ممدوح الصغير
ممدوح الصغير


رسالة من شهيد أكتوبر

ممدوح الصغير

الأحد، 03 أكتوبر 2021 - 05:31 م

أيام قليلة تحل علينا ذكرى غالية، أسعدت كل عربى من الخليج شرقًا حتى المحيط غربًا، قبل أن يُشير عقرب الساعة للثانية ظهرًا من يوم 6 أكتوبر، الطائرات المصرية تُحلِّق فوق سماء قناة السويس، عبرت سيناء فى ثوانٍ قليلة، قذائفها أرعبت جنرالات إسرائيل، الذين روَّجوا  شائعة أنه يصعب على الجيش المصرى تخطِّى خط بارليف المنيع، وصدَّقوا أسطورة أن جيشهم يصعب قهره.

 كانت الأوامر بالتحرُّك، فى ذلك اليوم كان لدى بعض الجنود إحساسٌ بأنه يوم حربٍ، الكل لبَّى النداء، وكانت التضحيات بالنفس التى يصعب رصدها بالحروف، ملحمة البطولة والفداء وحُب الوطن.. خلال الساعات الأولى من الحرب، تسابقٌ فى انتزاع الشهادة، مَنْ ينالها سوف يكون إفطاره فى السماء، ومن صعدت روحه شهيدًا، سوف يكون شفيعًا لسبعين من أقاربه يوم الحشر، الروح القتالية للمقاتل المصرى كانت سببًا فى  استرداد نصف سيناء بعد 6 ساعات من العبور وهدم خط بارليف الحصين، كل كتيبة خطَّت أقدام أبطالها رمال سيناء كتبت ملاحم    البطولة، ما حدث خلال أيام حرب أكتوبر يحتاج لعدة أعمالٍ دراميةٍ،  كل مقاتلٍ كان يتمنى خطف الشهادة قبل زميله، مكاسبه ليست أن يُكتب له عمرٌ فى الدنيا، يُريد نصر وطنه، فلقَّن العدو درسًا فى فنون الحرب، هزيمة إسرائيل  خبرٌ لم يُصدق من الإعلام الغربى، الذى صدَّق أن   جيش إسرائيل هو الأقوى فى المنطقة، بعد أن منحته أمريكا أحدث الأسلحة.

 حرب أكتوبر هى حرب العزة والفخر فى سجل الأمة العربية، تحتاج أن تُوثَّق دراميًا وسينمائيا، بالفعل تم إنتاج عددٍ من الأفلام السينمائية، رغم جودتها نحتاج لأعمالٍ أخرى، فأكثر من سكان نصف مصر وُلدوا فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.. 
هناك حكايات بالجملة تتنافس الصحف فى الانفراد بها فى كل ذكرى، وهناك أبطالٌ فى الظل، سبق أن التقيت بواحدٍ من الأبطال الذين كتبوا أسماءهم بحروفٍ من ذهب.. عزمى دمَّر أكثر من 22 دبابة للعدو، وهو صاحب الرقم القياسى بعد الراحل عبدالعاطى، صائد الدبابات، الذى عبرت قذائفه أجساد 33 دبابة، ما عرفته من تفاصيلٍ من  بطل حرب أكتوبر تجهله الغالبية، وتتساقط من أجله العيون، هو عائدٌ للحياة، كان من الممكن أن يكون واحدًا من شهداء الحرب، وسعى جاهدًا أن يكون شهيدًا، لكن الله كتب له عمرًا حتى يرى النصر.. 

لقد تعاملت مصر التعامل المناسب مع شهداء أكتوبر، كانت معهم فى كل مناسبة، أدت دورها كما هو مطلوبٌ وما زالت تُتابع أسرهم للاَن، وهناك كنزٌ لم نتطرق إليه من قبل، فمن الممكن من خلال التطرق هذا أن نُقدِّم  عملًا دراميًا عن أكتوبر، ويُلقى الضوء على شهداء أكتوبر، من خلال رسائلهم فى أيام الحرب لأسرهم، رسائلهم بعضها كُتبت بلغةٍ أدبيةٍ، وبالصدفة اطلعت على رسالة للشهيد   النقيب الحسينى محمد سعد شريف، الذى كتب رسالةً لزوجته يوم 13 أكتوبر، واستشهد بعدها، وتسلَّمت الزوجة الرسالة يوم 22 من نفس الشهر، قال الشهيد فى رسالته: "زوجتى أنا بصحة جيدة جدًا، وروحى عالية جدًا، وسعيدٌ جدًا، والعمل هنا لا يهدأ ليل نهار، العبور مستمرٌ إلى العمق، والقوات تملأ سيناء، والمدفعية تدك مواقع العدو، وطائرات العدو تتساقط، وكل شىءٍ هنا فى صالحنا.. ابنى أشرف عايزك تكون جدع، ودائمًا راجل، ابنتى داليا أتمنى الرجوع سريعًا للمنزل، حتى أقوم بتسريح شعرك كما تُحبين، زوجتى الحياة هنا قاسية شوية، ولكن قريبًا ستعود الأحوال لمجاريها، وإن شاء الله أعود وأقوم بعمل السحور لكم قبل أن يخلص شهر رمضان.. إلى اللقاء، وبعد أربعة أيام سيصلكم خطابٌ آخر". 

فى مراسلات الشهداء حكايات ثرية تحتاج أن تُعرف خاصة لجيل ما تحت الثلاثين، عليهم أن يعرفوا أن مصر غالية، وهناك من ضحَّى بحياته ليعيش كل مصرى مرفوع الرأس. 

 رحم الله شهداء أكتوبر.. وحفظ الله مصرنا الغالية
 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة