طاهر قابيل
طاهر قابيل


يوميات الأخبار

العبور العظيم وحكايات أخرى

طاهر قابيل

الإثنين، 04 أكتوبر 2021 - 06:52 م

«فى ظل التطور التكنولوجى وقع الكثيرون فى براثن النصابين التى تتاجر بآمال وأحلام المواطنين بدعوتهم للثراء السريع.. فبضغطة زر تصل الرسالة ويكتشف هؤلاء متأخرين أنهم وقعوا ضحايا الاحتيال» 

 قبل انتصارات أكتوبر 73 استبعد موشى دايان وزير الدفاع الإسرائيلى احتمال قيام قوتنا بالهجوم عبر قناة السويس.. وقال ساخرا إننا إذ أردنا اقتحام «خط بارليف» يلزمنا تدعيمنا بسلاحى المهندسين «الروسى والأمريكى» معًا.. وأيده فى ذلك «اليعازر» رئيس أركان الجيش الإسرائيلى والجنرال «بارليف» ولكننا بأيدينا وبأسلحة المصريين حققنا المفاجأة والمستحيل وأكدنا عظمة التخطيط وروعة الأداء وتم بهما إنجاز العبور العظيم والانتصار.

لم نتوقف عن التفكير فى الهجوم على العدو الذى احتل أراضينا حتى فى أحلك ساعات الهزيمة.. فقد كان الموضوع ينحصر فقط فى متى يتم ذلك وربط التوقيت بإمكانيات قواتنا المسلحة.. ومنذ خريف 68 كما يقول الفريق سعد الدين الشاذلى ـ رحمة الله عليه-فى مذكراته بدأت القيادة العامة تستطلع إمكانية القيام بذلك فى شكل «مشاريع استراتيجية» تنفذ مرة واحدة فى العام بهدف التدريب للقيادات والقوات على دور كل منها فى المعركة.. واشترك «الشاذلى» عندما كان قائدا للقوات الخاصة «الصاعقة والمظلات» ولمنطقة البحر الأحمر قبل أن يعين رئيسا للأركان فى 3 مشاريع وكان الرابع المقرر تنفيذه فى 73 هو خطة «حرب أكتوبر» الحقيقية.

يقول «الفريق سعد الدين الشاذلى» إنه حتى مايو 71 كانت لدينا «الخطة 200» الدفاعية او «جرانيت» والتى تشمل بعض الغارات بالقوات على مواقع العدو بسيناء.. وبدأنا دراسة إمكانيتها ومقارنتها بالمعلومات المتيسرة عن «العدو الإسرائيلى».. وأظهرت أن قواتنا الجوية ضعيفة جدا إذا ما قورنت بالعدو ولا تستطيع تقديم غطاء جوى للقوات البرية.. ولا تستطيع توجيه ضربات مركزة ذات تأثير.. كما أن لدينا دفاعا جويا لا بأس به يعتمد على الصواريخ ولكنها دفاعية وتفتقر لحرية الحركة.. وكانت البرية تعادل القوات الإسرائيلية.. ولدينا تفوق فى المدفعية ولكن قوات العدو تختبئ بمواقع فى خط بارليف قادرة على تحمل قذائف مدفعيتنا الثقيلة.. أما «البحرية» فيمكن اعتبارها أقوى ولكن ضعف قواتنا الجوية «قلب الموازين» وأحالها إلى عجز.. وأظهرت الدراسات أنه ليس من الممكن القيام بهجوم واسع النطاق يهدف لتدمير العدو وإرغامه على الانسحاب.. وأننا إذا أحسنا التجهيز والتنظيم نقوم بعملية هجومية محددة بهدف عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف ثم التحضير للمرحلة الثانية لاحتلال المضايق التى تحتاج أنواعا أخرى من السلاح وأسلوب التدريب.. وبعزيمة الرجال وإبداعات الفكر المصرى انتصرنا وحققنا المستحيل وعادت سيناء «أرض الفيروز» كاملة لنا.

عشنا سنوات نبكى على «اللبن المسكوب» وتركناها مأوى للإرهابيين حتى رزقنا الله تعالى بابن مصر البار الرئيس عبد الفتاح السيسى فشاهدنا ولمسنا التغير والتطوير الذى بدأناه بتوسعة القناة وإنشاء قناتنا الجديدة.. ثم ربطنا شبه جزيرة سيناء بأنفاق حديثة متطورة فى السويس والإسماعيلية وبورسعيد.. بالإضافة إلى الكبارى العملاقة، بالإضافة إلى رصف وتطوير الطرق وتنمية البنية الأساسية من المدن والقرى واستصلاح للأراضى وتحويل الرمال الصفراء إلى اللون الأخضر.. واختراق الجبال الصلدة ليصبح الجزء العزيز علينا لا يفرقه أى مسافات عن دلتانا القديمة.

لقد شاهدت على أرض الواقع ما حدث وتابعت ما ينشر فى وسائل الإعلام عن الطفرة فى حياة «السيناويين».. فأنا مغرم بها وأعشق رمالها وزرت بها أماكن عديدة والتقيت مع أهلها فى شرم والطور ودهب والعريش وسانت كاترين ورفح ورافقت بعض أبطالنا البواسل إلى موقع «كبريت» الذى شهد ملحمة ظلت 43 يوما للدفاع عنها وشاهدت المدن الجديدة وهى تبزغ فى الصحراء بجهد وعرق أبنائها.. وكان آخرها ما تابعته عن إطلاق المياه المعالجة من مصرف «بحر البقر» لاستزراع 500 ألف فدان.. وتأكيد الرئيس أن بينه وبين الفساد خصومة واعتبار أن التعديات على الأراضى الزراعية قضية «أمن قومى» وأنه على الجميع أن يعملوا من أجل الوطن لأننا حققنا فى السنوات السبع الماضية ما لا يمكن تصوره والإرهابيون لا يرغبون فى تنميتها وسيحاولون تعطيلنا لتبقى مسرحا لعمليتهم وقاعدة انطلاق لارتكاب جرائمهم.. وقد دخلت المحطة موسوعة «جينيس» وحصدت 3 أرقام قياسية كأكبر محطة للمياه وللمعالجة فطاقتها الإنتاجية 5.6 مليون متر مكعب يوميا ستغير وجه الحياة فى سيناء وتحول اللون الأصفر إلى الأخضر بمختلف المزروعات.

كوبرى قصر النيل

المصريون دائما يحققون المستحيل وعادتهم التى ورثوها هى العبور وتحقيق ما يراه الآخرون مستحيلا.. وكان الربط بين ضفتى شريان حياتنا «نهر النيل» من المستحيلات قديما فأقامنا منذ 150 عاما أول جسر يربط سكان «الغرب بالشرق» وهو ما نطلق عليه الآن «كوبرى قصر النيل» نسبة إلى قصر الأميرة «زينب هانم» ابنة محمد على باشا الكبير وتحول مع الأيام إلى مقر لجامعة الدول العربية وفندق النيل هيلتون.. حكاية الكوبرى أنه بدأ إنشاؤه فى عصر الخديو إسماعيل وقام الخواجة «جاكمار» والمثال «أوجين» بعمل 4 تماثيل أسود فى فرنسا وتم نقلها فى مدخلى الكوبرى وافتتاحه فى فبراير 1872 وكان طوله 406 أمتار وبه جزء متحرك لعبور المراكب وتم فرض رسوم على المارة والمواشى يتراوح بين قرشين للجمل المحمل و10 مليمات على كل رأس من الأغنام والماعز و100 فضة للنساء والرجال «فارغين أو محملين» والأطفال مجانا حتى 6 سنوات وذلك لتكلفة الصيانة.. وتمت توسعته مع دخول السيارات إلى مصر بعد هدم القديم وتكلف فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى وسمى كوبرى «أبو الأشبال» لوجود الأسود الأربعة.. وبقى ولايزال كوبرى «قصر النيل» تاريخا يحمل لمعظم القاهريين ذكريات التنزه عليه والاستمتاع بجمال النيل ومعبرا للسيارات وقد شهد عبور موكب السلطان العثمانى عبد العزيز برفقة الخديو إسماعيل والعديد من الجنازات للمشاهير منهم الزعيم جمال عبد الناصر وكوكب الشرق أم كلثوم.

رمضان ابو زيد

تعد قضية بيع «ترام مصر» إلى رمضان أبو زيد العبد من أشهر قضايا النصب فى «القرن العشرين» فالشاب «رمضان» الذى يبلغ من العمر ٢٧ عامًا قضى منها عامين ونصف العام بالسجن عقاباً له على ما اقترفه من جريمة نصب كبيرة على أحد القرويين البسطاء ونشرت تفصيلها وحوارا مع النصاب جريدة «أخبار اليوم» فى عددها يوم ٣ يناير ١٩٤٨.. فقد وصل «رمضان» إلى مرحلة التعليم الثانوى ثم غادر المدرسة ليستغل مواهبه فى النصب.. وكانت له حوادث سابقة.. لكن حادث الترام هو العمل الفنى الأكبر فى حياته.. وبعد خروجه من السجن تحدث بابتسامة عن الواقعة لكنه حين يرى الشك على وجه من يحدثه يقول: خلاص بقى يعنى ح أعمل إيه تانى «أبيع البحر» مثلا.. فقد كان يوما يركب الترام رقم ٣٠ من شارع «قصر العينى» ووقف إلى جواره أحد القرويين.. فنظر إليه وعرف أنه سهل فأعطاه سيجارة وبدأ الحديث معه وفهم منه أنه جاء ليبحث عن عمل لأنه لم يجد فى بلده عملا يليق به.. وأنه قدم للقاهرة يحمل المال الذى يمكنه من البدء فى العمل.. وجدها النصاب فرصة وبدأ يعرض عليه أعمالا مختلفة إلى أن جاءت سيرة زحمة «الترام» فعرض عليه أن يشتريه،.. وبالفعل أقنعه وذهبا معاً إلى محامٍ لتوثيق العقد الذى كان بـ ٢٠٠ جنيه.. دفع منها القروى «الساذج» ٨٠ جنيها وكتب كمبيالات بـ ١٢٠ جنيها.. وفى ميدان «العتبة» وقفا لينتظرا الترام ورتب النصاب الأمر مع «الكمسرى» وأعطاه بقشيشا بعض المليمات ووصاه على «الفلاح» وأكد له أنه سينزل فى نهاية الخط مطالباً منه حسن معاملته.. ثم عاد إلى القروى وأخبره بأنه يتقاضى قيمة الأجرة كاملة من «الكمسرى» فى نهاية الخط وخلال أقل من ساعة سيعود إليه جزء من المبلغ الذى سبق أن دفعه.. وفى آخر الخط طالب «الكمسرى» بالحساب.. فرد عليه: «حساب إيه».. وزادت دهشته حين قال له: «ألم يقل لى أمامك أن أطالبك بجميع الفلوس وإلا نلغى البيع.. فسأله الكمسرى «أى بيع».. فقال له: «الترام أنت هتنصب عليّ».. وانتهت المناقشة فى قسم البوليس ومن سوء حظ النصاب أن الشرطة كان لديها قائمة سوابقه.. فتم فقبض عليه وتعرف عليه القروى فدخل السجن ونشرت مجلة «لندن المصورة» لوحة على غلافها تجسد الواقعة.. وبعد ١٠ سنوات تم تحويل أشهرعملية للنصب إلى عمل سينمائى وهو فيلم «العتبة الخضراء» الذى أنتج عام ١٩٥٩.

النصب بالأنترنت

فى ظل التطور التكنولوجى وقع الكثيرون فى براثن النصابين التى تتاجر بآمال وأحلام المواطنين بدعوتهم للثراء السريع فبضغطة زر على لوحة المفاتيح بالكمبيوتر أو التليفون تصل الرسالة ويكتشف هؤلاء متأخرين أنهم وقعوا ضحايا الاحتيال.. فقد رن تليفون أحدهم فأمسك به وقفز بعد أن فتح الرسالة النصية وتجمد كالتمثال وجلس صامتا.

أفاق من غيبوبته فوجد أبناءه ملتفين حوله امتلأت عيناه بالدموع ثم انتفض واقفاً وارتدى ملابسه وهو يهذى بكلمات غير مفهومة.. وفى قسم الشرطة شرح ما حدث معه فمنذ أسبوعين تلقى رسالة هاتفية بأنه ربح 2 مليون جنيه فى سحب لإحدى الشركات.. فرح وأعتقد أن الفرصة جاءت له وسيودع زمن الفقر.. ثم تلقى اتصالا تليفونيا من شخص آخر زعم أنه ممثل للشركة التى طرحت المسابقة وقدم له التهنئة وأبلغه أن المبلغ كاملاً سيكون لديه خلال أيام قليلة.. وطلب منه رقم حسابه البنكى ومجموعة من المعلومات عن وضعه الاجتماعى والاقتصادى وما سيفعله بهذه الثروة الكبيرة.. وعندما سأله عن سر هذه الأسئلة فرد عليه بأنها لإعداد «ريبورتاج» عنه لتوزيعه على «وسائل الإعلام» فى احتفال كبير سيعقد بمناسبة فوزه فى أحد الفنادق الكبيرة.. وبعد أيام تلقى اتصالا طلب منه المتصل تحويل مبلغ إلى رقم حساب أعطاه له.. مؤكداً أنه شرط ضرورى حتى يحصل على الجائزة.. وأمام الرغبة والطمع فى المكسب وافق.. وقام بتحويل المبلغ الذى كان يقل كثيرا عن الجائزة التى يأمل فى الحصول عليها.. وما أن تم التحويل تلقى رسالة تشكره لأنه ساعده فى حل مشاكله الاقتصادية وتمنى له الربح مرة ثانية وليس هذه المرة.

الجرائم الإليكترونية أصبحت واحدة من آفة التكنولوجيا الحديثة وهناك وسائل متعددة لها عبر شبكة الإنترنت والرسائل التليفونية.. والنصابون يلجأون إلى طريقة واحدة لاستدراج ضحاياهم بإيهام أنهم ربحوا مبلغاً كبيراً من المال ثم يطالبون بتحويل مبالغ أقل كثيراً عن الجائزة بدعوى أنها رسوم للاشتراك سوف ترد والغريب أن نسبة كبيرة من الضحايا يقعون فى «الفخ» رغم أنهم يتمتعون بدرجة رفيعة من الثقافة والعلم والغالبية العظمى منهم من الطبقة العاملة.. وهناك رسائل ترسل بطريقة عشوائية إلى عدد كبير تحمل عبارات تثير للشفقة والرأفة مثل أمى مريضة أو فى المستشفى وليس لدى رصيد ممكن تحول لى رصيد.. وغالباً ما تكون من فتاة.. وأنه يقع فى فخها الذين لا يهتمون كثيراً بتحويل المبالغ الصغيرة ويجمع النصابون تلك المبالغ والتى تصل إلى الآلاف ويبيعونها بنصف الثمن.. وغالباً ما يكون الضحايا من الرجال.. لأن النساء أكثر حرصا ولا يقبلون على المغامرات غير المحمود عقباها.. فالضحايا مذنبون لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء السؤال والتفكير وانساقوا وراء الكلام المعسول ومن الضرورى تثقيف الشباب والمجتمع عن النصابين وطرقهم .. فالنصب الإليكترونى كارثة تهدد المجتمع..

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة