٤٠ عاما تحت القبة لم أشهد فيها طلبا بتأجيل إلقاء بيان الحكومة أمام البرلمان لأى سبب.. فما بالك لو كان هذا السبب واهيا.

لا يمكن أن نضع رؤوسنا فى الرمال كالنعام ونقول أن كل شىء جميل.. الحقيقة أننا نعيش مشهدا مرتبكا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى دون الدخول فى تفاصيل قد تحتاج أضعاف مساحة المقال.
الارتباك طال تقريبا كل الأجهزة والمؤسسات والأداء أصبح باهتا خاصة فيما يتعلق بمجلسى الوزراء والنواب.. كلاهما غير قادر على تحمل مسئولياته بالصورة الواجبة.. وإذا كان الخلل فى أداء مجلس الوزراء يمكن إصلاحه بإجراء تعديل وزارى أو تغيير الوزارة بأكملها فإن حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة يمثل خطورة كبيرة على مسار العملية الديمقراطية ويعيدنا إلى مسافة الثلثين من خارطة المستقبل بعد ما أنجزناها بنجاح باستحقاقاتها الثلاثة استعدادا لانطلاق عملية الاصلاح الشامل.
كل يوم نفاجأ بالجديد الذى يكشف جوانب الصورة فى هذا المشهد المرتبك.. أزمات تشغل الرأى العام تفشل الحكومة فى مواجهتها.. صراعات وخلافات «وضرب تحت الحزام» بين الوزراء مما جعل التعديل الوزارى الواسع حقيقة شبه مؤكدة إن لم يكن تغييرا وزاريا شاملا وهو ما تدرسه حاليا القيادة السياسية.
تجاوزات أمناء الشرطة ضد المواطنين سرقت الأضواء من كل ما عداها من أزمات خلال الأيام الماضية وارتفعت الأصوات فى كل مكان رافضة لعودة «دولة حاتم» أمين الشرطة فى فيلم «هى فوضى» وما قام به من تجاوزات كشفت حجم تسلط أمناء الشرطة على مقدرات المواطنين وما تلا ذلك من مظاهرات واحتجاجات واضرابات للأمناء وصلت إلى حد إغلاق واحتلال مديرية أمن الشرقية منذ شهور دون أن نرى عقابا رادعا لمن حرضوا علي هذه الأعمال المخالفة للقانون بل بالعكس استجابت وزارة الداخلية لكثير من مطالبهم فشعروا بقوتهم وتمادوا فى إهانة المواطنين حتى وصلنا إلى جريمة قتل سائق توك توك برصاص رقيب شرطة فى الدرب الأحمر منذ أيام.. الحمد لله أن القبض على القاتل تم بسرعة وأحيل إلى النيابة التى أحالته إلى محكمة الجنايات وتحدد الخامس من مارس القادم موعدا لبدء محاكمته.. فى هذه الواقعة بالذات أقول أن إجراءات محاسبة القاتل بدأت بسرعة دون تلكؤ وهذا يحسب للحكومة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى كان غاضبا جداً مما حدث واستدعى وزير الداخلية على الفور وطلب منه اعداد تعديل تشريعى عاجل لضبط أداء الأجهزة الأمنية خاصة فى الشارع مؤكداً على ضرورة حسن معاملة المواطنين.
لا أحد ينكر التضحيات التى قدمها رجال الشرطة لحماية الأمن والاستقرار مما أعاد ثقة الشعب فى الجهاز المسئول عن حمايته داخليا لكن تجاوزات بعض الضباط والأمناء فى الفترة الأخيرة هددت باهتزاز هذه الثقة مرة أخرى وهذه التجاوزات يجب أن تقابل بكل شدة وأن يحاسب المخطئ مهما كان فى أسرع وقت.
إذا انتقلت للحديث عن مجلس النواب الذى علقنا عليه آمالا واسعة بعدما انتقلت إليه السلطة التشريعية نجد أن الخلافات والمشاجرات بين النواب أو بين بعض النواب ورئيس المجلس هى السمة الغالبة على جميع الجلسات حتى بات أمرا طبيعيا أن يرفع رئيس المجلس د. على عبدالعال الجلسة ساعة أو نصف ساعة لإعادة الهدوء إلى القاعة!!
رئيس المجلس «عصبي» وكثير من النواب لا يقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتق مجلس النواب.. وبعضهم متخصص فى استفزاز رئيس المجلس.. ما هذا الأداء المتدنى لبرلمان ٣٠ يونيو؟.. أين المناقشات الجادة والمحترمة التى انتظرناها؟.. أكثر من ٢٠٠ نائب مشغولون بالمكافآت والحوافز ويطالبون بزيادتها مما جعل أحد النواب القدامى يقول «المكافآت التى يتقاضاها النواب الآن كنا بنحلم بيها».. والأدهى والأمر هذا القرار الذى جاء بناء على طلب النواب ووافقت عليه الحكومة بتأجيل إلقاء بيان الحكومة إلى أوائل ابريل القادم بدلا من السبت أو الأحد القادمين كما كان مقررا.. أربعون عاما تحت القبة اتابع جلسات البرلمان لم أشهد فيها مثل هذا الطلب ولم يحدث مرة واحدة أن تأجل عرض بيان الحكومة لأى سبب.. فما بالك لو كان السبب الذى قيل سببا واهيا لا أساس له من المصداقية.
السادة النواب طالبوا بتأجيل بيان الحكومة حتى يتم اقرار اللائحة وتشكيل اللجان رغم ان هذه أمور لا علاقة مباشرة لها ببيان الحكومة الذى جرت العادة أن تشكل لجنة خاصة لدراسته.. حتى وإن كانت تشكل من هيئات مكاتب بعض اللجان وعدد من النواب من مختلف الاتجاهات لكن هذا ليس شرطا وعندما أعلنت الحكومة أنها ستلقى بيانها ٢٧ أو ٢٨ فبراير كانت تدرك أن لجنة خاصة ستشكل لدراسته ولاداعى لانتظار اقرار اللائحة أو تشكيل اللجان.. لكن الغريب أن الحكومة وافقت بسرعة على تأجيل بيانها ولسان حالها يقول «بركة ياجامع» فبدت أمام الرأى العام وكأنها تخشى المواجهة خاصة فى ظل ما أعلنه رئيسها المهندس شريف إسماعيل عن إجراءات اقتصادية مؤلمة سيكشف عنها بيان الحكومة لاصلاح المسار الاقتصادى.
إذا ألقى بيان الحكومة أوائل ابريل وشكلت لجنة لدراسته خلال أسبوعين على الأقل ثم نوقش فى أسبوع.. فمتى ستقدم الحكومة الموازنة الجديدة المفترض طبقا للدستور أن تتم الموافقة عليها قبل بدءالعمل بها بشهرين أى بحد أقصى آخر ابريل ؟
ألم أقل أن الأداء باهت والمشهد مرتبك.
آخر كلام
مجلس الشعب أصبح اسمه مجلس النواب.. لكن الشارع مازال «شارع مجلس الشعب» !