اللواء سمير فرج أصغر ضابط فى غرفة العمليات
اللواء سمير فرج أصغر ضابط فى غرفة العمليات


اللواء سمير فرج: سجلت بخط يدي أول خبر عن انهيار خط بارليف

آخر ساعة

الثلاثاء، 05 أكتوبر 2021 - 11:01 ص

مضى 48 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة، ولا تزال رائحة النصر تفوح في ربوع مصر، وهامات أبنائها تلامس عنان السماء، ورغم ما تعرَّض له بلدنا الطيب من مِحن بعد أحداث يناير 2011، وسنة الإخوان السوداء، عادت «أم الدنيا» لتتنفس هواءً نقياً، ممتزجاً بعرق الفلاحين والعمّال في الحقول والمصانع، ومحبة المسلمين والأقباط على أبواب المساجد وفي أروقة الكنائس، وكل مواطن يعمل فى موقعه جندياً أميناً على وطنه بكدٍ وأمل.

لقد استعاد الشعب بريق أحلامه على درب المستقبل مع زعيم مصري يصنع مع المصريين نصراً جديداً في كل يوم.. يسلِّح جيش بلاده.. يبني ويعمِّر.. يجبر خواطر الغلابة.. يمهِّد الطريق لجمهورية جديدة عِمادها مواطنٌ صالح يتمتع بالكرامة وينعم بالاستقرار.

في ذكرى النصر، نستذكر جانباً مضيئاً من حكايات الأمس.. ونستشعر طمأنينة اليوم.. ونستشرف روعة الغد.. لنبقى وتبقى مصر في نصر أبدي.

اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، كان أصغر الضباط سنا ورتبة بغرفة العمليات، انتقل لغرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة قبل حرب أكتوبر 1973 بشهر، كان فى منطقة قريبة جدا من دائرة صنع القرار فى الحرب، سجل بخط يده أول البلاغات الواردة من جبهة القتال عن عبور القوات المسلحة، وتدمير نقاط وحصون العدو لخط بارليف وغيرها.
فى كل بلاغ كان يتحرك من موقعه إلى الماكيت المجسم لجبهة القتال لتحديد المعلومات عليه، تعامل وجها لوجه مع القائد الأعلى الرئيس السادات، والقائد العام الفريق أول أحمد إسماعيل، والفريق سعد الشاذلى رئيس الأركان، وقائده مباشرة اللواء محمد عبد الغنى الجمسى، رئيس العمليات.
كانت أسعد لحظات حياته مع عبور 220 طائرة لتدمير الأهداف وشل حركة العدو وسماعه إشارة قائد الطيران الإسرائيلى منبها طياريه بعدم الاقتراب لمسافة 15 كم من القناة.


* كنت أصغر ضابط فى غرفة العمليات كيف تم إلحاقك بها، وكيف كان يتم التعامل مع القادة؟

ـ كان من المفترض أن يتم تخرجنا فى ديسمبر1973 ولكن لظروف الحرب تم تخريجنا فى منتصف العام، وجاء ترتيبى الأول على الدفعة التى كان عددها 150 ضابطا وضمت العديد من القادة أبرزهم اللواء عمر سليمان  رحمه الله.

ولأنني الأول على الدفعة تقرر في النهاية إلحاقي بغرفة العمليات الرئيسية وقبل انطلاق حرب أكتوبر 1973 بشهر تقريبا، كان لزاما اختبار المركز بكافة أدواته، وتم إطلاق مشروع تدريبي يمكن من خلاله الكشف عن فاعلية المركز في الاتصالات والتواصل مع الأفرع الرئيسية..

وظللنا نتدرب على المشروع حتى يوم المعركة، عندما حضر اللواء محمد عبد الغنى الجمسي رئيس هيئة العمليات في العاشرة صباحا أمر برفع خرائط المشروع واستبدالها بخرائط «العملية جرانيت» الخاصة بالحرب وبدء العد التنازلي للمعركة واسترداد سيناء.
وكنت مسئولا عن تلقي البلاغات وتدوينها في سجل سير الحوادث وبعدها أتحرك للمجسم لتحقيق هذه المعلومات عليه ليكون الموقف واضحا أمام القادة لحظة بلحظة وكذلك عندما يصدر رئيس الأركان أمرا ما أثناء سير المعركة أذهب إليه بنفس الدفتر لقيد الأمر منه شخصيا.

 

القادة فى غرفة العمليات


وأحمد الله أنني سجلت أول البلاغات وتبادلتها مع زميلي عادل كشك «رحمه الله» وكنت دائما أتحرك من موقعي لإبلاغ رئيس هيئة العمليات أو تحقيق هذه الإشارة على المجسم الرئيسي للعمليات من تحرك القوات وتساقط حصون العدو الإسرائيلي وإسقاط هالته وأسطورته التي لا تقهر بالكذب تارة وبالزيف تارة أخرى.


* كيف كان الوضع يوم 6 أكتوبر داخل قبل بدء  العمليات؟


ـ فوجئنا بعد صلاة الظهر باللواء الجمسى يقول: «الجميع ينصرف... ما عدا ضباط العمليات» وجلسنا معه للاستماع فطرح سؤالا غريبا علينا قائلا: «إيه رأيكم فى تطوير عملية الهجوم بعد الوصول للمضايق... أم نظل عند رأس الكوبري» فكان السؤال مفاجأة لنا، فكان الرد تلقائيا: «هوه إحنا لسه عبرنا يافندم... مش لما نعبر».. فقد كانت كل التحركات السابقة تنتهي فى النهاية إلى كلمة: «كما كنت» وهو ما يعنى بقاء الوضع كما هو عليه، ولكن كلام «الجمسي» هذه المرة جعلنا نعيد قراءة الموقف مرة أخري لأن الحديث مختلف بعض الشىء.


*  كضابط مُقاتل.. كيف تنظر إلى هذا النصر العظيم بعد كل هذه السنوات ؟ 


ـ فعلا كان معجزة ويكفي ما كان يتردد قبلها بأننا في حاجة إلى قنبلة ذرية لتدمير خط بارليف ولكن إرادة الله وعزيمة القوات المسلحة صنعت المستحيل بالانتصار.

وفى صباح 6 أكتوبر تحركت وحدات من الضفادع البشرية لإغلاق مواسير النابلم بأسفل القناة وعلى الجانب الآخر وحدات من الصاعقة تنتشر خلف خطوط العدو، وفي اليوم الأول للحرب حقق المقاتل المصري ما يشبه المعجزات ففي الحسابات العالمية للقدرات القتالية من الصعب أن يقاتل جندي بلا غطاء من الدبابات لمدة تزيد على الساعتين جنودنا كسروا هذه القواعد ووضعوا قواعد جديدة في القتال لمدة تجاوزت 8 ساعات متواصلة حتى الليل وهذا ما يشير إلى عبقرية التخطيط والتوقيت الذي حدده وأشرف على تنفيذه الفريق سعد الشاذلي.


* متى عرف الرئيس السادات باستشهاد شقيقه الطيار عاطف السادات؟


ـ بعد عملية العبور بـ 220 طائرة لتحقيق أهدافها وبحوالى ساعتين جاء نبأ استشهاده ولم يستطع أحد إبلاغه مباشرة، وبعدها تلقى الفريق أول أحمد إسماعيل الخبر من اللواء الجمسي رئيس العمليات وطلب منه الاستئذان في الخروج معه إلى خارج غرفة العمليات، فشعر الرئيس السادات

 

 

بأن هناك شيئا ما وطلب أن يخبره فأبلغه باستشهاد شقيقه عاطف فى الضربة الجوية الأولى فرد بكل هدوء «دا واحد من أولادي... ودول أولادي كلهم» ولاحظت الحزن عليه ولكن سرعان ما تبدل مع ورود البلاغات من الجبهة بتحقيق الانتصار حتى مجيء الليل.


* وماذا عن أسعد خبر سمعته يوم 6 أكتوبر 1973 وأنت بغرفة العمليات؟


ـ أحلى خبر في حياتي سمعته يوم 6 أكتوبر الساعة الثانية والربع ظهرا بعد عبور 220 طائرة مصرية قناة السويس، وجاء إعلان قائد القوات الجوية الإسرائيلية في إشارة مفتوحة على الهواء إلى جميع الطيارين الإسرائيليين ممنوع الاقتراب من قناة السويس بمسافة 15 كيلومترا، وهذا معناه أننا سننتصر لأن قواتنا البرية ستعبر القناة بدون مهاجمة الطيران الإسرائيلى لها.

ومن الأيام الفاصلة في تاريخ مصر هو يوم 9 أكتوبر لأنه كان اليوم الذي أعلنت فيه جولدا مائيرا رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك وموشى ديان وزير الدفاع عن هزيمة إسرائيل بعد عبور المصريين القناة ودخولهم الضفة الغربية بعمق 15 كيلومترا وهى المرة الأولى التى تعلن إسرائيل فيها هزيمتها وبدأت تشعر بالخطورة من مصر، وكذلك يوم 8 أكتوبر لأنه "يوم مقبرة الدبابات وهو اليوم الذى أطلقت إسرائيل عليه "الإثنين الأسود". 


* بماذا تصف عنصر المفاجأة الاستراتيجي والتكتيكي لقواتنا المسلحة؟

ـ حققت القوات المسلحة عنصر المفاجأه على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي، أما على مستوى الأداء فقد دفع ذلك «حاييم هيرتزوج» الرئيس الأسبق لإسرائيل، ومدير استخباراتها الأسبق، لأن يكتب فى مذكراته عن حرب أكتوبر، والتس نشرت فى كتاب، إن على جيش الدفاع الإسرائيلي، مستقبلا أن يكون قادرا على التشبه بنبات البانتا،

الذى ينحنى أمام الضربات الأولى، المخططة، والمنظمة للقوات المسلحة المصرية، ثم ينهض بعد ذلك ليكيل له الضربات... فالضربات الأولى، المخططة للجيش المصرى، دائما ما تكون قوية... وسريعة.. ومؤثرة، وخلال حرب الاستنزاف تم إغراق المدمرة إيلات، تلك العملية التى أدت إلى تغيير نمط التسليح وأسلوب القتال للقوات البحرية فى العالم بأسره، كذلك بناء حائط الصواريخ المصري، غرب القناة، في فترة الاستنزاف، ودوره الرائع، أثناء الحرب، فى تحييد القوات الجوية الإسرائيلية، ومنعها من التدخل فى عمليات عبور القوات المصرية للقناة، والتكتيكات، وأساليب القتال الجديدة، التى نفذتها القوات المصرية في هذه الحرب، مما دفع المحللين العسكريين إلى دراستها، والاستفادة منها.


*كيف غيرت حرب أكتوبر المفاهيم والتكتيك العسكري؟


ـ نصر أكتوبر مازال يدرس فى الأكاديميات والمعاهد العسكرية في العالم كله بالإضافة إلى تغيير تكتيكات العالم العسكرية وأساليب التسلح والقتال بعد نصر أكتوبر، ومثال على ذلك أنه بعد أن أغرق الجنود المصريون المدمرة الإسرائيلية إيلات أمام سواحل بورسعيد والتي كانت تعد أكبر مدمرة في سلاح البحرية الإسرائيلية بزورقي صواريخ فقط، وهو ما أرغم أحد مصانع إنتاج الزوارق الصاروخية بتايوان والذى كان يمد البحرية الأمريكية باحتياجاتها بإيقاف إنتاج هذا النوع من الزوارق لدراسة كيف استطاع المصريون تحقيق هذا الإنجاز وتطوير إنتاجهم.

* من وضع خطة الخداع الاستراتيجى للحرب؟


ـ وضع العقيد مهندس أحمد نبيه خططا لعملية الخداع واستعان بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية وهيئة الأرصاد كأحد المراجع لاختيار توقيت الهجوم على إسرائيل ويكفى ما فعله العقيد صلاح فهمى نحلة عندما كتب مذكرة عرض الحرب على كراسة المدرسة الخاصة بابنته لأنه لم يجد ورقا فى منزله، وكانت أكبر مفاجأة لإسرائيل إغلاق مضيق باب المندب، وأن القوات المسلحة دمرت ١٥٠ دبابة إسرئيلية من أصل ٣٠٠ دبابة، كما خسرت إسرائيل ١٠٠٠ قتيل وفقا لتقريرها.


* ما أهم القرارات التى اتخذها الرئيس السادات أثناء استعداده للحرب من وجهة نظرك؟

ـ أهم قرار جريء هو طرد الخبراء الروس لولا القرار لنسب الانتصار إليهم وخلال فترة الإعداد للحرب أحضر الروس كتاب «الكتاب الأبيض» بها سلسلة تجارب وخبرات الروس فى الحرب للتدريب عليها وعند التطبيق كان الوضع مختلفا لأن الأنهار والترع لديهم تختلف عن المانع المائى فى قناة السويس والساتر الترابى فضلا عن الأثر السلبى الناتج عن إقحام هؤلاء الخبراء فى كل كبيرة وصغيرة.


* تم توثيق الحرب بإشرافكم للأجيال القادمة.. فكيف تم ذلك؟


ـ خلال الاحتفال باليوبيل الفضى لحرب أكتوبر 1973 طرأت علينا فكرة إعداد حلقات تسجيلية يتحدث فيها كل القادة على مدى 13 حلقة من حرب الاستنزاف وحتى انتصار أكتوبر وكان لزاما علينا أن نقوم بتوثيق ما يكشف عنه القادة بكل الإمكانات المتاحة لدينا، وتم التسجيل مع القادة إلا ثلاثة لم نتمكن من التسجيل معهم الرئيس حسنى مبارك «رحمه الله» عن دوره كقائد للقوات الجوية لأننا كنا بنسجل مذكراته فى نفس الوقت، ومحمد حسنين هيكل رفض التسجيل لأسباب من وجهه نظره، والمشير محمد عبد الحليم أبو غزاله.


* هل تم التسجيل مع الفريق سعد الشاذلى مهندس العبور؟


ـ أثناء التسجيل كان الفريق الشاذلى قد عاد إلى مصر فذهبت إلى المشير حسين طنطاوى القائد العام «رحمه الله» وعرضت عليه الفكرة بصفته المخطط الرئيسى للحرب فرفض فى البداية معللا لرفض القيادة السياسية فحاولت إقناعه بضرورة ذلك حتى ولو 5 دقائق فقال لى: «طب روح إنت وخد معاك المصور بس» وعلى الفور توجهت إليه فى المنتزه بالإسكندرية أثناء قضاء إجازة المصيف وكان المكان لا يصلح للتسجيل كشقة فجعلنا مشهد البحر نفسه هو خلفية التصوير.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة