«أكتوبر».. علامة نصر بأقلام الأدباء
«أكتوبر».. علامة نصر بأقلام الأدباء


«أكتوبر».. علامة نصر بأقلام الأدباء

آخر ساعة

الثلاثاء، 05 أكتوبر 2021 - 11:57 ص

مضى 48 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة، ولا تزال رائحة النصر تفوح فى ربوع مصر، وهامات أبنائها تلامس عنان السماء، ورغم ما تعرَّض له بلدنا الطيب من مِحن بعد أحداث يناير 2011، وسنة الإخوان السوداء، عادت «أم الدنيا» لتتنفس هواءً نقياً، ممتزجاً بعرق الفلاحين والعمّال فى الحقول والمصانع، ومحبة المسلمين والأقباط على أبواب المساجد وفى أروقة الكنائس، وكل مواطن يعمل فى موقعه جندياً أميناً على وطنه بكدٍ وأمل.


لقد استعاد الشعب بريق أحلامه على درب المستقبل مع زعيم مصرى يصنع مع المصريين نصراً جديداً فى كل يوم.. يسلِّح جيش بلاده.. يبنى ويعمِّر.. يجبر خواطر الغلابة.. يمهِّد الطريق لجمهورية جديدة عِمادها مواطنٌ صالح يتمتع بالكرامة وينعم بالاستقرار.
فى ذكرى النصر، نستذكر جانباً مضيئاً من حكايات الأمس.. ونستشعر طمأنينة اليوم.. ونستشرف روعة الغد.. لنبقى وتبقى مصر فى نصر أبدى.

 

وإكبت الرواية المصرية المحطات الفارقة فى تاريخ مصر فى القرن العشرين، خاصة فى إطار المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلى، فنجد الأقلام تتوقف عند هزيمة يونيو 1967، ما تجلى فيما كتبه الروائى فؤاد حجازى، والذى عاش تجربة أسر قاسية، فى رواية (الأسرى يقيمون المتاريس)، والتى عكست حجم الغضب الشعبى من الهزيمة والرغبة فى الثأر

وإسترداد الأرض المسلوبة، لتمر السنوات العجاف قبل أن يغاث الناس بملحمة النصر الكبير، إذ حقق المصرى ما كان يعده خبراء العسكرية فى العالم مستحيلا، وعلى قدر الحدث جاءت همم الأدباء والشعراء، فتفجرت ينابيع الإبداع التى تواكب مشاعر النصر وحياة الجنود الذين ضحوا بحياتهم وقصص حبهم فى طريق استعادة أرض الوطن،

فظهر سريعا مفهوم روايات الحرب فى مصر، وأخذ مكانه بوضوح ورسخ سريعا فى الأذهان.
وتعد رواية "أكتوبر حبى" (1974) لإبراهيم الخطيب، أول رواية عن حرب أكتوبر، والبداية الفعلية لروايات هذه الحرب، إذ يرصد عبر شخصية الصول رجب، تطور المجتمع المصرى

واستعداده لخوض غمار المعركة، كمارد شق الأرض ليصنع ملحمة وقف أمامها العالم كله، أما رواية "الرصاصة لا تزال فى جيبى" (1977)، لإحسان عبدالقدوس،

فتعد أشهر نماذج روايات انتصارات أكتوبر، بداية من عنوان الرواية الذى جاء معبرا عن روح مصر التى لم تنكسر بعد هزيمة يونيو بل ظلت محتفظة بالسلاح وتنتظر لحظة الانتقام فى انتصار أكتوبر المجيد، وتنعكس هذه الفلسفة على شخصية محمد بطل الرواية الذى يعكس فى تطور شخصيته طبيعة الشخصية المصرية الراغبة فى محو عار الهزيمة بعز النصر، ولدينا رواية ترقى إلى أن تكون وثيقة حية، وهى رواية "دوى الصمت" للواء علاء مصطفى، الذى شارك فى الحرب فكانت الرواية أقرب ما تكون للعمل التسجيلى لكنها مع ذلك لم تفقد متعتها أو تماسكها الروائى.


وبينما فضل الروائى يوسف السباعى التركيز على بطولات المصريين فى حرب الاستنزاف عبر عمله الروائى "العمر لحظة" كمقدمة أساسية لانتصارات أكتوبر، كتب الروائى يوسف القعيد رواية "الحرب فى بر مصر" (1978)، التى تدور عن الحرب لكنها تتخذ من الحرب العظيمة موقفا فلسفيا عميقا، حول كيف يدفع شباب هذا الوطن

وخصوصا الفقراء الدماء مقابل الدفاع عن أرض الوطن، فى حين يجمع المكاسب مجموعة من اللصوص والمنتفعين الذين يتاجرون بدماء الجنود الأطهار، كما ألف الروائى فؤاد قنديل رواية "موسم العنف الجميل" (1987)، التى تركز على تجربة تعرض الجنود للحصار من قبل العدو وكيفية حققوا النصر عبر استعراض معاناة وجهاد عناصر من كتيبة الجنود الأبطال، ورصدت رواية "نوبة رجوع" (1982)، لمحمود الوردانى، بسالة الجندى المصرى ومصيره بعد انتهاء الحرب.
أما الروائى جمال الغيطانى، فيعد أحد أهم من كتبوا عن روح الشخصية المصرية فى حرب أكتوبر، خاصة أنه عمل كمحرر عسكرى خلال حرب أكتوبر

وتأثر بالتجربة التى عاشها بشكل واضح، ما دفعه لكتابة العديد من النصوص التى تدور حول أكتوبر، وجعلته أحد أهم من كتبوا عن الحرب وتجلياتها على الواقع المصرى، فقد كتب رواية "الرفاعى"، وقصته القصيرة "حكايات الغريب"، وهى روايات تعكس بطولة المصريين فى صورة بطل واحد يعبر عن الروح الوطنية، كما كتب كتابه المهم "على خط النار"، الذى يسرد فيه بأسلوب روائى ما شاهده أيام الحرب، ولديه أيضا كتاب "المصريون والحرب"، الذى يستعرض فيه واقع المجتمع من صدمة الهزيمة فى يونيو 1967، إلى اليقظة مع انتصار أكتوبر.

ولم يتوقف الاعتماد على لحظة نصر أكتوبر كمنطلق إبداعى رغم مرور عدة عقود على النصر، إذ نجد الروائى سمير الفيل يكتب رواية "وميض تلك الجبهة" (2008)، الذى يتخذ من حرب أكتوبر منطلقا لها، إذ يركز على وقائع حقيقية لإحدى كتائب الجيش ويمزجها فى أسلوب روائى بديع، كما كتب عمار على حسن رواية "زهر الخريف" (2010)، التى استخدم فيها أجواء حرب أكتوبر للتأكيد على الوحدة الوطنية فالدم سواء فى الدفاع عن الوطن.
من جهته، يحلل الدكتور عبدالسلام الشاذلى، أستاذ الأدب والنقد، تأثير الانتصار فى الحياة الأدبية، قائلاً: "انتصار حرب أكتوبر يعد نقطة تحول للكثير من جوانبنا الثقافية عامة،

ومن الممكن أن نتأمل نوعا أو نوعين من الأجناس الأدبية تناولت حرب أكتوبر وهما الرواية والشعر، ونجد فى النوعين تغيرا واضحا من نغمة اليأس والحزن إلى نغمة التفاؤل والفرح، فمثلا عند نجيب محفوظ كتب روايته الملحمية (الحرافيش) بعد حرب أكتوبر، ففيها تفاؤل مقارنة بما سبقها من روايات فترة الهزيمة خصوصا رواية (ثرثرة فوق النيل) التى تعكس روحا عدمية واليأس، وهو نفس ما نجده عند الشعراء الذين كتبوا عن حرب أكتوبر، بل إن هذه الروح نجدها قد انتقلت إلى شعراء عرب شاركونا فى فرحة الانتصار".
يتابع: "يجب أن نؤكد أن الحياة الفكرية كلها عاد إليها النبض من جديد، فالمشاريع الفكرية الكبرى عند كبار مفكرينا مثل حسن حنفى وعابد الجابرى بدأت بعد نكسة 1967، والتى تحفر فيما وراء النكسة، لكنها ظهرت فيما بعد حرب أكتوبر، والتى نستطيع أن نقول إنها أطلقت مناخا جديدا فى الحياة الثقافية سواء فلسفة أو أدبا، فنجد روايات جديدة تتحدث عن الحرب كما هو واضح فى رواية (الرصاصة لا تزال فى جيبى) لإحسان عبد القدوس، التى تعد علامة على مواكبة الرواية لتحولات حرب أكتوبر، وكذلك ما كتبه جمال الغيطانى عن الحرب، الذى كتب عنها فى الكثير من الكتب والروايات".

ويشير الناقد الكبير إلى أن الشعر عبر بوضوح عن حالة البهجة بالانتصار وكان أكثر انفعالا وسرعة فى التعبير عن لحظة النصر من الرواية، كما نجد فى قصيدة «البحر

والبركان» للشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، التى نشرها فى ديوانه (مرثية العمر الجميل)، أما الشاعر صلاح عبد الصبور فقد انفعل بالحدث التاريخى وكتب قصيدة غداة يوم العبور بعنوان (إلى أول جندى رفع العلم فى سيناء) ونشرها فى ديوان (الإبحار فى الذاكرة)، كما شارك الشاعر العربى عبدالعزيز المقالح بقصيدة (ما تيسر من سورة النصر)،

وهى إهداء إلى الحبيبة سيناء، كما كتب سليمان العيسى قصيدة يشيد بعبقرية الفريق سعد الدين الشاذلى أحد أبطال حرب أكتوبر، بعنوان (نقطة الضوء)، كما ألف الشاعر حسن فتح الباب مجموعة من القصائد منها (لحن أكتوبر) عن الانتصار العظيم".

 

من جانبه، يقول الدكتور نجيب عثمان أيوب، أستاذ الأدب العربى بجامعة حلوان: "خصّص الأدب مساحة كبيرة لتناول الحرب بين مصر وإسرائيل

وكيف أثرت هزيمة يونيو على المجتمع كله، ثم كيف أدى انتصار أكتوبر المجيد إلى إطلاق موجة إبداعية غير مسبوقة، ما تجلى فى عدد ضخم من الروايات بدأت بالحديث عن فترة النكسة مثل رواية (الأسرى يقيمون المتاريس) لفؤاد حجازى، أما رواية (الرفاعي) لجمال الغيطانى ورواية (الحرب فى بر مصر) ليوسف القعيد، وفيهما نجد رصدا لملحمة الأبطال، وتركيز الصورة على الجنود وحالتهم النفسية الذين عانوا لسبع سنوات من الحرب، حتى استطاعوا أن يحققوا النصر".

وتابع أيوب: "الكثير من هذه الأعمال الروائية العميقة فى تناول حرب أكتوبر، لم تأخذ حقها فى التجسيد الدرامى على الشاشة سواء فى السينما أو الدراما التلفزيونية، فعلى الرغم من تقدم الأعمال الروائية وتقديمها بانوراما شاملة متعددة الطبقات لحرب أكتوبر، إلا أن الدراما لم تستفد من هذه الكنوز بالشكل الأمثل، لذا يجب أن تهتم وزارة الثقافة ممثلة عن الحكومة فى تمويل تحويل هذه الأعمال الروائية إلى أعمال سينمائية والاستفادة من نجاح أعمال مثل (الممر) و(الاختيار) لبناء تجربة سينمائية توازى التجربة الروائية الغنية والثرية".

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة