ضرب الجندي المصري أروع أمثلة البطولة والذكاء والدهاء
ضرب الجندي المصري أروع أمثلة البطولة والذكاء والدهاء


نصر أكتوبر والطريق إلى العبور الجديد

قالوا عن عبقريتها

الأخبار

الثلاثاء، 05 أكتوبر 2021 - 09:36 م

 بقلم :د. خالد قنديل

«لقد تركت حرب أكتوبر 1973 آثارا عميقة ليس على الشرق الأوسط فحسب.. حيث بددت عددا من الأساطير والأوهام. إن حرب أكتوبر تركت آثارها ليس على الإستراتيجية العربية والإستراتيجية الإسرائيلية والنظريات والتكنيكات العسكرية فحسب، وإنما تركتها أيضا على عوامل أخرى مثل الروح المعنوية

سيظل التاريخ أبد الدهر محتفظًا طيات سجلاته الناصعة بذكرى نصر أكتوبر المجيد، والذى لم يكن مجرد انتصار عابر استردت فيه مصر قطعة غالية ونابضة من جسد الوطن، لكن حرب أكتوبر عام 1973، العاشر من رمضان  1393، تجاوزت فكرة الحدث التاريخى المنقضي، إلى استدامتها كدرس فى كتاب الشجاعة والقوة والنضال والوطنية حتى آخر قطرة عرق ودم فى عروق المصريين، تقرأه الأجيال جيلا بعد جيل، وتستلهم بطولاته وحكاياته ومواقفه كدليل ونبراس ينير الطريق إلى النصر المؤزر فى التطلع لحياة قويمة وكريمة وأبية فى وطن قوى وأبيّ.


لقد كان النصر العظيم ولم يزل صداه المتردد فى أنحاء الوطن وجوانح أبنائه، اختبارًا حقيقيًا لقدرة وإصرار شعب مصر الأبى على تحويل حلمه دائما إلى حقيقة، فقد أثبتت حرب 1973 قدرة المصريين على إنجاز كل عمل جسور بقوة الإيمان والإخلاص والصبر والدأب والمثابرة، وأولا وأخيرا بالثقة فى الله العزيز الأكبر وحب مصر المتجذر فى النفوس المصرية المخلصة.


إن هذا الحدث الفريد الذى كان بمثابة نقطة تحوّل فى مسار الصراع العربى الإسرائيلي، وسطر نهاية أسطورة الجيش الإسرائيلي، التى روّجت لها وسائل إعلام العدو، خلال الفترة التى أعقبت نكسة يونيه عام 1967، والتى لم يتمكن اليأس من نفوس أبناء الوطن بعدها، فخاضت مصر قبل النصرالعظيم حربا استنزفت فيها قوى العدو، وضرب الجندى المصرى أروع أمثلة البطولة والذكاء والدهاء فى الحرب، وصولا إلى اليوم المعلوم بالضرورة يوم النصر المؤزر الذى أثبت للعالم أجمع قدرة الجيش المصرى العظيم الذى عبر قناة السويس، ودمّر خط بارليف وجميع النقاط الحصينة شرق القناة، وأزال الساتر الترابى، وخاض معارك ضارية، على مستوى جميع الأسلحة كما أثبت كفاءة المقاتل العربي، وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة بما فيها الأسلحة الإلكترونية، فقد أنفق الإسرائيليون نحو 300 مليون دولار لإنشاء سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت التى أطلق عليها اسم خط بارليف، والذى وصفه بأنه الساتر الحصين الذى لا يُهدم كما وصفوا جيشهم بالجيش الذى لا يُقهر، حيث  امتدت  الدفاعات الإسرائلية على أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقى للقناة، وغطت هذه الدفاعات، واحتوت على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات، لكن جيش مصر والعروبة، خير أجناد الله فى الأرض كانت لهم كلمة أخرى ومغايرة لكل التوقعات طالما جرت فى العروق دماء مصرية طاهرة وعاشقة لهذا الوطن،  ففى تمام الساعة الثانية ظهرا 1973 نفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وعبرت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتفادى الرادارات الإسرائيلية، واستهدفت الطائرات المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوى وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة فى خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة، وهتفت القوات فى جميع النقاط بهتاف النصر (الله أكبر)، الذى رجّ كيان العالم وهزّ إسرائيل هزة عرفت بها قدر هذا الجيش وهذا الوطن، الأمر الذى غيّر مفاهيم العلوم العسكرية، ونظريات القتال الحديثة فى جميع دول العالم، حيث أثبت المقاتل المصرى الجسور  الغيور قدرته على حسم المعركة، فى مواجهة المعدات والآليات الحديثة والمقاتلات المتطورة، من خلال دقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ، ويكون من أهم مكاسب النصر  الحفاظ على الروح المعنوية لرجال القوات المسلحة، واستعادة الثقة بالنفس والقدرة على التخطيط العلمى السليم، بالإضافة إلى رفع الروح المعنوية للقادة العرب،  وتأكيد القدرة على استرداد الحقوق المشروعة.


ولتعترف إسرائيل بالهزيمة الساحقة، ويندهش الإسرائيليون فى جنون يبدد العظمة الواهية ويتساءلون حتى هذه الساعة التى تبقى فيها الذكرى حية نابضة لكل مصري، ومؤلمة وموجعة لكل إسرائيلي، كيف حقق المصريون هذا النصر، ولتصدر على مدار أكثر من نصف قرن، العديد من الدراسات الغربية، حول حرب أكتوبر، بجانبيها العسكرى والسياسي، منها كتاب «الاستراتيجية المصرية فى حرب يوم كيبور»، الذى نشر بالعبرية أول مرة ثم تُرجم للإنجليزية ولعدد من اللغات  للخبير العسكرى الإسرائيلى دانى آشر، العضو البارز فى اللجنة الدولية المعنية بصياغة التاريخ العسكرى الحديث، والذى كان معاصرا لوقائع الحرب عن قرب، وشاهدا على أبرز تحولاتها وما أحدثته من تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط،  وقد اعترف آشر بما قال عنه «العبقرية العسكرية لقادة حرب أكتوبر»،  مستعرضا نجاح العسكرية المصرية، وتفوقها الكبير، وتحرير الأرض التى تم احتلالها عقب النكسة، ومواجهة المشاكل التى أعدتها لهم العسكرية الاسرائيلية، وأهمها التفوق الاسرائيلى فى الطائرات والمعدات، فضلا عن الحاجز الترابي، بعد أن ترسخ فى عقول وضمائر مؤسسات الأمن الإسرائيلي، بأن الجيش المصري، لن يكون فى مقدوره شن حرب لاستعادة سيناء... لتكون المفاجأة الكبرى ويكون نصرنا وهزيمتهم.


ومثلما  نجح قادة العسكرية المصرية فى حرب أكتوبر، فى تجاوز الماضي، بالتخطيط الاستراتيجى الناجح، لمعركة واسعة المدى، وتحقيق أهداف واضحة فى البر والبحر والجو، وقاموا بنجاحٍ شهد له الخبراء العالميون العسكريون، وضرب الشعب المصرى أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة داعما ومساندا، فها نحن نعيش كل يومٍ بل كل ساعةٍ انتصارا وعبورا جديدا، منذ وثق الشعب الذكى الأبى فى قائده البطل وسانده فى مواجهة فصيل دخيل عليها لا يؤمن بها وبحريتها من قوى الشر التى ارادت أن تأخذ الوطن إلى طريق الهاوية، حتى صرخ جموع الشعب فى وجوههم لا، لن تمروا من هنا، وقالها القائد عبد الفتاح السيسي.. لا، لن يمس ترابك يا مصر أذى ولن يسلبك من أبنائك خفافيش الظلام، فالشعب الذى حفر بالأيادى المجردة قناة السويس أول مرة، هو الذى تماسك وصار صوتا وقلبا واحدا مع قائده يواجه الإرهاب ويجففه من منابعه، ويحفر قناة السويس الجديدة، ويشهد مئات المشروعات القومية العملاقة التى تستنهض همم الرجال والأبطال وتدعم خطة التنمية الشاملة للدولة، وتساهم فى رفع المستوى الاقتصادى والاجتماعى للمواطن المصري، وبناء مصر الحديثة عبر مشروعات التنمية فى الطرق والكباري، وتنمية الإنسان وتدريبه وتطويره، لتستمر نضالات الشجعان فى ميادين الحياة كافة، صحة وتعليما ووعيا وحياة كريمة وصناعة وإنتاجا واقتصادا مزدهرا،  والتصدى لجميع التحديات التى تهدد الأمن القومى توازيا مع حفاظ الجيش المصرى على كفاءته وقدرته القتالية والفنية، بل ومطورا تلك القدرات ومعددا للسلاح، واعيا بهدفه الرئيسى فى حماية الحدود والاتجاهات الاستراتيجية للدولة، وتأمين كل حبة رمل من تراب الوطن الغالي، فى امتداد جلى ومعبر للنصر  الذى تحقق فى حرب أكتوبر 1973، وبعد ثمانية وأربعين عامًا من ملحمة تاريخية انحنى لها العالم احترامًا وتقديرا،  وقد أكدت صدق نداء «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، لتلهمنا قصة كفاح الشعب والجنود البواسل نورا جديدا ونبراسا نسير به على الدرب، محققين أهدافنا المنشودة  بالعبور الجديد نحو الجمهورية الجديدة، والتى سوف يخلدها التاريخ بأحرف من نور، وتبقى نصرا محفورا فى وجدان كل مصرى ومصرية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة